عادل عبد المهدي
تعقيدات وتاريخ طويل ومتشابك من الحقائق. وهذه أهمها:1- اوكرانياً-اوكرانياً: يستبطن تاريخ الدول الاوكرانية السلافية الارتدوكسية عبر التاريخ، متلازماً وتاريخ الشعوب السلافية والروسية والتركية والتتارية والمغولية والبولندية واللوتانية والقوقازية، بكل بصماتها السكانية والدينية والالسنية والسياسية.فمحركات الأزمة تستثمر الهوية الأوكرانية واستقلال الدولة ووحدة اراضيها وطبيعة تخادمها غرباً او شرقاً، والنزعات الداخلية المستقلة لهويات الأجزاء الشرقية والقرم. وهو ما تفجر بـ”الثورة البرتقالية” وموقف مختلف الاطراف الداخلية والخارجية منها.2- اوكرانياً-روسياً: علاقات متميزة ليس كاحدى الجمهوريات السوفياتية (الرئيس بريجنييف كان اوكرانياً) فقط، بل ايضاً كجزء من الامبراطوريات القيصرية. وبانهيار جدار برلين واستقلال اوكرانيا، اعلنت “روسيا” و”بيلوروسيا” و”اوكرانيا” حل الاتحاد السوفياتي وتشكيل “اتحاد الدول المستقلة”.3- اوكرانياً-اوروبياً: علاقات متميزة مع الشعوب السلافية والجرمانية الاوربية في بولندا والنمسا وهنغاريا وبلغاريا ولوتانيا وغيرها. كجزء من امبراطوريات وممالك قامت خلال التاريخ.4- روسياً-غربياً (الناتو): الصراع الاساس، واوكرانيا صاعقه المتفجر. فالغرب رأى الانهيار السوفياتي انتصاراً تاريخياً وعالمياً له ولقيمه وزعامته. فلخص كتاب “نهاية التاريخ والانسان الاخير” (1992) لـ”فوكوياما” انتصار الليبرالية النهائي. فشهدنا تصاعد “اليمين المحافظ”، والقطبية الاحادية، وتمدد “الناتو”. فازداد من (12) دولة عند تأسيسه (1949) الى (30) دولة حالياً، اضافة لـ(35) دولة أخرى، مرتبطة ببرامج خاصة، كالعراق مثلاً. رغم انهيار حلف “وارشو” (تأسس1945) وتفككه بتفكك الاتحاد السوفياتي.روسيا اضعف اقتصادياً من الغرب، لكن مساحتها أربعة أضعاف مساحة اوروبا، ولديها رؤوس نووية اكثر من اوروبا وامريكا مجتمعة، وحققت -خلال العقود الثلاثة الماضية- تقدماً في مواردها وقواها داخلياً وخارجياً. وكذلك فعلت بلدان أخرى كالصين والهند وايران وغيرها. مقابل أزمات متكررة -داخلية وخارجية- في امريكا والغرب. فانفجر الصاعق ولم تجدِ دعوات العودة لاتفاق مينسك (2014-2015) بين منظمة الامن الاوروبية وروسيا واوكرانيا، والذي أوقف الحرب في منطقة “دونباس”. فروسيا تطالب بـ”ضمانات امنية”، تجاهلتها امريكا والناتو. واوكرانيا تطالب بالانضمام لـ”الناتو”، الذي حدد روسيا عدواً اولاً له، ونظامه يعتبر الاعتداء على عضو اعتداء على بقية الأعضاء. فبعد ضم روسيا لـ”القرم” وتحييد “جورجيا” وتمكين “بيلاروسيا”، قامت بدعم الحركة الانفصالية في “الدونباس” والاعتراف بجمهوريتي “دونيتسك” و”لوهانسك”. فاحترقت أوراق التهدئة التي شجعتها المانيا وفرنسا وايطاليا مثلاً، ودخلنا مسار اللاعودة. فإما التصعيد او تنازلات تاريخية، في ظل نظام دولي منقسم ومتراجع، ومزدوج المعايير في مفاهيم غزو البلدان والعقوبات واستقلال الدول.السناتور “ساندرز” (المرشح الديمقراطي المنافس للرئيس بايدن) يقول للكونغرس مؤخراً: “من النفاق للولايات المتحدة الاصرار أننا كأمة لا نقبل مبدأ “محيط التأثير”. في المئتي عام الأخيرة، عملت بلادنا وفق عقيدة “مونرو”، فازاحت حكام عشر دول في الاقل. عبر الاميركيتين اللاتينية والوسطى ودول الكاريبي. أهناك من يعتقد ان الولايات المتحدة لن تقول شيئاً اذا ارادت المكسيك او كوبا او اي دولة في امريكا الوسطى او اللاتينية تشكيل تحالف مع دولة خصم للولايات المتحدة.. هل تعتقدون ان اعضاء الكونغرس سيقولون.. حسناً، المكسيك دولة مستقلة ولهم الحق في القيام بما يشاؤون.. حقيقة دخول الولايات المتحدة واوكرانيا في علاقة أمنية اعمق قد تؤدي الى تكاليف جدية لكلا البلدين.”ستُعتبر روسيا في الاقل خاسرة في حالة واحدة، ورابحة في حالتين.1- خاسرة إن غرقت في اوكرانيا وفقدت المبادرة، وانضمت دول أخرى لـ”الناتو”، فتخسر الثقة التي بنتها لدى حلفائها، بعد سلسلة نجاحات لسياساتها الداخلية وفي الشرق الاوسط واورواسيا، وليبدأ اقتصادها بالتراجع بعد ان شهد تحسناً كبيراً مؤخراً، وتزداد موجة الاحتجاجات عالمياً وداخل روسيا نفسها.2- رابحة: اولاً بتحييد اوكرانيا، ومعالجة اثار احداث (2014) وحكومتها اليمينية المعادية. وان تعيد لمريديها والناطقين بالروسية مواقع قوة لبناء “شرعية” جديدة. وفي الاقل -ثانياً- بمسك المناطق شرق نهر “الدنييبر” المطل على “كييف”، ويقسم اوكرانيا لنصفين. والسيطرة على السواحل الاوكرانية للبحر الأسود خصوصاً. فتتعزز مواقع روسيا في القرم و”محيط التأثير”، وتزداد قوتها الاقليمية والعالمية.مقاربة: ازدادت التلويحات النووية مؤخراً. قطع خروتشوف (1962) المحيطات ليجعل كوبا جبهة امامية ضد امريكا. يقطع بايدن (2022) المحيطات ليجعل اوكرانيا جبهة امامية ضد روسيا. تراجع خروتشوف امام كندي يومها، فهل يتراجع بايدن امام بوتين اليوم؟