دلالات عدة ورسائل في أكثر من اتجاه، حملتها محاولة استهداف قصر الرئاسة الروسي (الكرملين) وسط العاصمة موسكو بطائرتين مسيرتين، وتساؤلات كثيرة لجهة التوقيت والهدف، وحول ما إذا كانت روسيا سترد وبأي كيفية، خاصة فيما لو ثبت تورط أوكرانيا بالوقوف وراء محاولة استهداف المبنى الذي يشكل رمز الدولة ومقر قيادتها على مدى قرون.
عند قرابة الساعة 3 من صباح اليوم الأربعاء (حسب توقيت موسكو) حاولت طائرتان بدون طيار استهداف مقر الرئاسة الروسية قبل أن يتم إسقاطهما في اللحظة الأخيرة، عندما أوشكت إحداهما أن تلامس سارية العلم الروسي على قبة الكرملين، مما تسبب بتناثر الشظايا على ساحة القصر الرئاسي، دون وقوع ضحايا أو أضرار مادية.
وسارعت الخدمة الصحفية للكرملين إلى اتهام أوكرانيا بالوقوف وراء الحادث، ووصفته بأنه “عمل إرهابي مخطط له ومحاولة لاغتيال الرئيس الروسي” مؤكدة أن روسيا تحتفظ بالحق في اتخاذ إجراءات انتقامية في المكان والزمان المناسبين.
نوبة غضب
من جهته، اعتبر رئيس مجلس الدوما فياتشيسلاف فولودين ما سماه “العمل الإرهابي ضد الرئيس” بمثابة هجوم على روسيا كلها، مطالبًا بـ “تصنيف نظام كييف النازي كمنظمة إرهابية، والسماح باستخدام أسلحة يمكنها ردعه وتدميره”.
وفي الإجراءات الأولية، فرضت السلطات حظرا على استخدام جميع أنواع الطائرات بدون طيار بالعاصمة موسكو، وفي أكثر من 40 مدينة، واستثنت من ذلك المسيرات اللازمة لاحتياجات الدولة.
ومنذ أشهر والحديث يتسارع حول إمكانية شن أوكرانيا هجمات على أهداف مختلفة داخل روسيا باستخدام مسيّرات. وفي فبراير/شباط الماضي، أصبحت الأخبار التي تفيد بأن الطائرات الأوكرانية بدون طيار قد تصل مناطق قريبة من موسكو شبه نمطية، لكن أحدًا لم يتحدث عن إمكانية وصولها إلى المقر الرئاسي.
وفي الشهر ذاته، سقطت طائرة بدون طيار -غير معروفة الهوية- بالقرب من منشأة لشركة “غازبروم” بإحدى ضواحي موسكو. ونهاية مارس/آذار، عثر شخص على شظايا طائرة بدون طيار بالقرب من خطوط السكك الحديدية في موسكو الجديدة، كتب على أجنحتها عبارة “المجد لأوكرانيا”.
والعام الماضي، تحدثت “واشنطن بوست” حول وجود تهديدات بضربات ضد موسكو، وأوضحت الصحيفة -مستشهدة بدفعة أخرى من الوثائق الأميركية المسربة- أن رئيس دائرة المخابرات الرئيسية بوزارة الدفاع الأوكرانية كيريل بودانوف خطط لضرب مناطق داخل روسيا
في 24 فبراير/شباط من العام الجاري، لكن بناءً على طلب واشنطن تم تأجيل الهجمات.
ويأتي الحادث في توقيت قد يحمل دلالات مرتبطة بأهم الأحداث التاريخية في التاريخ الروسي،، حيث سبق أياما قليلة من الاحتفال بعيد النصر على ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، والذي يحتفل به في التاسع من مايو/أيار كل عام في الساحة الحمراء المحاذية تمامًا لسور الكرملين، والذي أصبح يملك رمزية إضافية، معنوية وسياسية وعسكرية، منذ بدء الحرب مع أوكرانيا.
وبرأي الخبير في الشؤون الروسية رولاند بيجاموف، فإن محاولة استهداف الكرملين، بما يحمله المكان من دلاله رمزية، جاء بالدرجة الأولى، للتأثير سلبًا على معنويات الرأي العام الروسي، وفي سياق إعطاء رسائل لموسكو بقرب بدء الهجوم المضاد للقوات الأوكرانية.
ورأى بيجاموف -في حديث للجزيرة نت- أن كييف تعمل على محاولة فرض قواعد اشتباك مع موسكو، عبر استخدام التصعيد كوسيلة للتأثير على مسار الخطط العسكرية الروسية في أوكرانيا، بما يؤثر على توازن هذه الخطط، ويكفل استدراج موسكو لاتخاذ قرارات “عصبية وخطوات انفعالية” لافتًا إلى أن الحادث بات بلا شك يشكل مناسبة لتعزيز الدفاعات الجوية والإجراءات الأمنية بكافة أنحاء البلاد.
في غضون ذلك، بدأ نقاش نشط في وسائل الإعلام وعالم المدونات في روسيا حول الرد المحتمل على مثل هذا الهجوم.
ووفقًا لمدير مركز التنبؤات السياسية دينيس كركودينوف، فإن أحد الخيارات الأكثر شيوعًا هو شن ضربة مماثلة على مراكز صنع القرار في كييف، كمكتب (الرئيس الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي، ومقر الحكومة والخارجية والدفاع.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح كركودينوف أن “لدى روسيا الآن كل الأسس القانونية اللازمة للرد على الهجوم الإرهابي، ولا توجد حاجة لقرارات إضافية على المستوى التشريعي”.
ويذهب كركودينوف إلى القول إنه بعد الهجوم على الكرملين، فقد أصبح لبوتين الحق في “إلغاء كافة الضمانات الأمنية” للرئيس الأوكراني التي قدمها سابقًا خلال محادثة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك نفتالي بينيت، وأن في جعبة موسكو، في كل الأحوال، خيارات واسعة للرد.
في الوقت ذاته، لا يستبعد الخبير الروسي احتمال أن يكون إطلاق المسيرة قد جاء بواسطة مجموعة تخريب واستطلاع مباشرة من داخل الأراضي الروسية، لأن هذا -حسب رأيه- سيزيد بشكل كبير من فرصها في الوصول إلى وسط العاصمة.