من المسائل الحساسة توزيع العائدات التي قد تتأتى من استغلال موارد جينية تأمل الشركات الصيدلانية والكيميائية الاستفادة منها
بعد أربع دورات غير مثمرة تستأنف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مفاوضاتها، الإثنين الـ15 من أغسطس (آب)، على أمل التوصل إلى اتفاقية لحماية أعالي البحار، هذا الكنز الهش والحيوي الذي يغطي أكثر من نصف مساحة الكوكب.
بعد انقطاع لسنتين بسبب كورونا كان من المفترض أن تكون الجلسة الرابعة التي عقدت في مارس (آذار) الأخيرة، لكن على الرغم من التقدم المحرز فلم يكن الوقت كافياً كي يتفق المفاوضون على النسخة الأخيرة من النص. وهم يجتمعون مجدداً في اجتماع يمتد حتى الـ26 من أغسطس في مقر الأمم المتحدة في نيويورك.
هل هو حقاً الاجتماع الأخير لهم؟ من الصعب التكهن بمآل الأمور، بحسب مراقبين.
نصف الكوكب
التفاؤل الحذر هو سيد الموقف بين المتفاوضين، بحسب ما قال مصدر في “ائتلاف الطموح الكبير” الذي يضم نحو 50 بلداً بقيادة الاتحاد الأوروبي.
وكشف المصدر لوكالة الصحافة الفرنسية عن “ضرورة التوفيق بين فكرتين كبيرتين، من جهة الحاجة إلى حماية البيئة وضبط الأنشطة ومن جهة أخرى مبدأ قوامه الحرية السائدة في أعالي البحار”.
تبدأ منطقة أعالي البحار من النقطة التي تنتهي فيها المناطق الاقتصادية الخالصة للدول، على بعد 200 ميل بحري (370 كيلومتراً) كحد أقصى عن الساحل. وهي لا تخضع لأي ولاية قضائية وطنية من الدول.
وتشكل منطقة أعالي البحار أكثر من 60 في المئة من المحيطات ونحو نصف الكوكب، ولم تكن أي أهمية كبرى تولى لها لفترة طويلة، مع تركز الانتباه خصوصاً على المناطق الساحلية وبعض الأنواع المعروفة. ولم يكن سوى واحد في المئة لا غير من هذه المنطقة محمياً.
وقد أثبتت الدراسات العلمية أهمية حماية النظم الأيكولوجية المحيطية بالكامل، فهي تنتج نصف الأكسجين الذي نستنشقه وتحد من الاحترار المناخي من خلال تخزين جزء كبير من ثاني أكسيد الكربون، المنبعث من الأنشطة الصناعية.
التنوع البيولوجي
غير أن الخدمات التي توفرها للبشرية باتت عرضة للخطر نتيجة الاحترار وتحمض المياه وتلوث على أنواعه وصيد جائر.
من الضروري إذاً التمكن من وضع اللمسات الأخيرة على هذه المعاهدة، حول “حفظ التنوع البيولوجي البحري في المناطق الواقعة خارج نطاق الولاية الوطنية، واستغلاله على نحو مستدام”، ومن تقديم نسخة طموحة من الاتفاقية، بحسب ما تطالب به دول “ائتلاف الطموح العالي” مدعومة من منظمات غير حكومية.
وقال جوليان روشيت الباحث في معهد التنمية المستدامة والعلاقات الدولية في باريس، إن “هذه المعاهدة تكتسي أهمية قصوى لأنها ستقوم مقام إطار تنظيمي وبوصلة ومبادئ وقواعد للأسرة الدولية برمتها في شأن إدارة هذا الحيز المشترك”.
غير أن المشروع الأخير من النص المطروح على طاولة المفاوضات ما زال يتضمن مسائل عالقة عدة وخيارات متعددة حول ركائز المعاهدة، مثل شروط إنشاء المناطق البحرية المحمية.
وينبغي لمؤتمر الأطراف المقبل (وهي الهيئة التي تضم الدول الموقعة على المعاهدة) أن “تُمنح الصلاحيات اللازمة لإنشاء هذه المناطق البحرية من دون الرجوع إلى هيئات أخرى”، بحسب جيمس هانسون من “غرينبيس”. في حين ما زال ينبغي حل بعض المسائل الخاصة بالتعاون مع المنظمات البحرية الإقليمية المتعددة، لا سيما تلك التي تدير شؤون الصيد.
توزيع العائدات
وتؤثر الصلاحيات المنوطة بمؤتمر الأطراف في المناقشات في شأن إلزامية إجراء دراسات أثر الأنشطة في أعالي البحار على البيئة، بحسب ما كشف جوليان روشيت، الذي لفت إلى “من سيرفض أو يقبل النشاط بالاستناد إلى الدراسة؟ هل هو مؤتمر الأطراف أم الدولة الساعية إلى تطوير هذا النشاط؟”.
ومن المسائل الحساسة الأخرى، توزيع العائدات التي قد تتأتى من استغلال الموارد الجينية في أعالي البحار، التي تأمل الشركات الصيدلانية والكيميائية وتلك المطورة للمستحضرات التجميلية الاستفادة منها.
وتبقى الأبحاث المنفذة في أعالي البحار والمكلفة جداً، حكراً على البلدان الأكثر ثراء راهناً، غير أن البلدان النامية لا تريد بدورها أن تفوت عليها الإيرادات التي قد تدرها الموارد البحرية التي ليست ملكاً لأحد.
وفي ظل هذه العراقيل، “لا بد من جس النبض لمعرفة إن بقيت التحالفات على حالها”، بحسب جوليان روشيت، الذي يصنف في خانة المتحمسين الاتحاد الأوروبي وأستراليا ونيوزيلندا والدول النامية، في مقابل كتلة أخرى على رأسها روسيا وبعض البلدان التي لديها تحفظات في مسائل الصيد، مثل آيسلندا واليابان.