يبدو أن مناخ كوكب الأرض لم يعدْ مستقراً، ودخل في حالة من التغيّر المستمر ضمن فترات زمنية قصيرة.
فبعد أن ضرب الجفاف “القارة العجوز” وتسبّب بانخفاض مستوى أنهارها بشكل كبير، انضمت الصين الى قائمة المتضررين من “موجة الحر الحارقة” التي تجتاح معظم المناطق الجنوبية في البلاد.
وموجة الحر هذه ليست بجديدة على الصين، فهي بدأت منذ يونيو الماضي، واستمرت لتصل إلى ذروتها منذ ايام، ما دفع بالمركز الوطني للأرصاد الجوية في البلاد الى إصدار تحذير من “الدرجة القصوى” بشأن درجات الحرارة الحارقة.
وبحسب المركز الوطني للمناخ في الصين، فإن موجات الحر التي ضربت البلاد منذ 13 يونيو 2022 هي الأقوى منذ عام 1961 عندما بدأت البلاد في الاحتفاظ بسجلات كاملة للأرصاد الجوية.
وتعاني بعض المناطق في جميع أنحاء الصين من الجفاف الذي قد يستمر حتى أواخر شهر أغسطس، وهي فترة حرجة لزراعة “حبوب الخريف”، والتي تمثل 75 في المئة من إنتاج الحبوب السنوي للبلاد. كما إن محاصيل أشجار الشاي والحمضيات والمانجو ستكون “هشة” أمام موجات الحر.
وبحسب وكالة الأنباء الصينية الرسميَّة “شينخوا” فقد ذكرت مديرية الزراعة في مقاطعة هوبى بوسط الصين، أن هناك حوالي 397,200 هكتار مزروعة بالمحاصيل تأثرت بنقص المياه. كما تأثرت إمدادات المياه في الريف، حيث جفت بعض الأنهار الصغيرة والمتوسطة بدرجة لا تسمح لها بمواصلة التدفق.
هذا وتسببت موجة الحر التي أدت الى الجفاف في سيتشوان الصينية بالحدّ من توليد الطاقة الكهرومائية، ما أدى إلى إغلاق بعض المصانع في واحدة من أكثر المقاطعات اكتظاظا بالسكان في البلاد.
ورغم التوقعات باستمرار “موجة الحر الحارقة” الى نهاية شهر أغسطس الحالي، إلا أن إقليم تشينغهاي بغرب البلاد شهد خلال الساعات القليلة الماضية هطول أمطار غزيرة تسببت بوفاة 16 شخصاً وفقدان 36 نتيجة السيول وتغيير بعض الأنهار الجافة لمساراتها ما أدى الى إغراق بعض القرى والبلدات.
ويقول الباحث في الشؤون البيئية مازن عبود إن ما يحدث من أوروبا الى الصين سببه الأول “يد الإنسان العابثة” التي تسببت في تفاقم ظاهرة احترار كوكب الأرض، وهو ما تجلى في موجات الجفاف غير المسبوقة.
وبحسب عبود فإن ما يجري في الصين والعالم حالياً مجرد إنذار يجب أن يؤخذ كدليل على “الآثار المرعبة” التي تنتظرنا في حال لم نتحرك “الآن” للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، مشيراً الى أن القرارات التي نتخذها “اليوم” ستحسم أي ظروف مناخية سنواجهها مستقبلاً، خصوصاً الصين التي تعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم حالياً وتطمح لأن تكون في المرتبة الأولى مستقبلاً.
ويرى عبود أن الطقس الجيد يعني اقتصاد جيد، داعياً الدول الصناعية الى الوفاء بالتعهدات التي قطعتها بالقضاء على الانبعاثات الكربونية تماماً بحلول عام 2050، ما سيسمح بتحقيق الهدف التي شددت عليها كافة المؤتمرات المتعلقة بالبيئة والمناخ، والتي تقضي بتقليص مقدار الاحترار العالمي، ليصل خلال القرن الواحد والعشرين إلى 1.5 درجة مئوية فوق معدلات عصور ما قبل الثورة الصناعية، وختم مشدداً على وجوب العودة الى الاقتصاد الطبيعي.