أثارت الأحداث المتلاحقة التي شهدها العراق خلال الأيام الماضية، الحديث عن أزمة “السلاح المنفلت” في البلاد، وهو ما دفع الحكومة العراقية لتأكيد ضرورة “وضع السلاح في يد الدولة”، في ظل انتشار المليشيات المسلحة، وهو ما يصفه خبراء بـ”معضلة بلا حل”.
وعلى خلفية التصعيد المسلح الذي شهده العراق، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال في العراق، مصطفى الكاظمي، تشكيل لجنة تحقيق لتحديد المسؤولين عن وضع السلاح بيد من فتحوا النار على المتظاهرين.
وقال الكاظمي “منذ أكثر من عامين ونحن نتبنى سياسة حصر السلاح بيد الدولة رغم كل الاتهامات والطعون والصواريخ التي وجهت إلينا”.
وأشار الكاظمي إلى ضرورة “وضع السلاح تحت سلطة الدولة”، متحدثا عن أزمة تشهدها العراق بسبب “السلاح المنفلت”، وفقا لوكالة الأنباء العراقية “واع”.
لكن قبل ذلك، قال مسؤول في الحكومة العراقية لـ”رويترز” إن السلطات لا تستطيع فرض سيطرتها على الفصائل المسلحة المتناحرة، مؤكدا أن الحكومة لا حول لها ولا قوة لوقف هذا، لأن الجيش منقسم بين موالين (لإيران) وأتباع الصدر.
صراع نفوذ
وتسببت الاشتباكات التي اندلعت، الاثنين، واستمرت قرابة 24 ساعة، بين جماعة مسلحة موالية لزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وفصائل شيعية منافسة تدعمها إيران، في مقتل 30 شخصا وإصابة حوالي 600 آخرين، وفقا لـ”فرانس برس”.
وبعد الاشتباكات، أمر الصدر أتباعه، الثلاثاء، بإنهاء احتجاجاتهم وسط بغداد لتهدئة التوتر الذي أدى إلى أكثر أعمال العنف دموية في العاصمة العراقية منذ سنوات.
وجاءت الاشتباكات بين الفصائل المتنافسة بعد عشرة أشهر من الجمود السياسي الذي تشهده البلاد منذ الانتخابات البرلمانية في أكتوبر الماضي.
وبسبب الانقسامات الحادة بين الأطراف السياسية، لم يتم تعيين رئيس وزراء جديد ولا تشكيل حكومة بعد الانتخابات، وفشل البرلمان في انتخاب رئيس جمهورية جديد لبلد يعد بين أغنى دول العالم في موارده النفطية، لكنه غارق في أزمات اقتصادية واجتماعية.
ويتفق مقتدى الصدر وأبرز خصومه في الإطار التنسيقي وبينهم رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، على نقطة واحدة لحل الأزمة، هي الحاجة إلى انتخابات مبكرة جديدة، لكن الصدر يصر على حل البرلمان أولا، بينما يريد خصومه تشكيل الحكومة قبل البرلمان.
ويمثل الإطار التنسيقي الواجهة السياسية للحشد الشعبي الذي يتعرض ولاءه المطلق لإيران إلى “انتقادات حادة” من شريحة واسعة من العراقيين، وفقا لوكالة “فرانس برس”.
ومن الواضح أن الأزمة مستمرة، لعدم توصل الكتلتين الشيعيتين الرئيسيتين إلى توافق، وهو ما دفع خبراء للتأكيد أن “الدولة هي الخاسر الأكبر لأنها تراقب (فقط) فريقين مسلحين قويين يتقاتلان على السلطة”، وفقا للوكالة.
تلك الوقائع تثير تساؤلا بشأن قدرة الدولة على مواجهة معضلة السلاح المنفلت.
“دولة المليشيات”
تحدث مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي حسين، عن “انتشار ظاهرة السلاح المنفلت في العراق بسبب المليشيات الطائفية المرتبطة بجهات خارجية”، واصفا ذلك بـ”الأزمة المعقدة”.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، أشار إلى ارتباط أغلب تلك المليشيات عسكريا بـ”الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس”.
“ويبلغ عدد تلك المليشيات قرابة 34 وتتلقى التدريب والتسليح والدعم المالي من إيران، ما منح طهران نفوذا واسعا داخل الأراضي العراقية”، وفقا لحديث حسين.
ويتابع: “تمثل تلك المليشيات دولة عميقة داخل الدولة في العراق، وتمتلك قدرات اقتصادية ومالية وسياسية، ولديها مصانع للسلاح والصواريخ والطائرات المسيرة” داخل بعض المناطق في البلاد.
وتشير المحللة السياسية العراقية، لينا مظلوم، إلى “إشكالية مستمرة منذ سنوات بسبب رفض غالبية تلك المليشيات تسليم سلاحها الثقيل للحكومة والانضواء تحت مظلة الجيش العراقي”.
وتقول مظلوم: “خلال السنوات الماضية، استطاعت تلك المليشيات تحويل العراق إلى ساحة خلفية للصراعات الدولية، مستهدفة المصالح الغربية والدبلوماسية لخدمة المصالح الإيرانية”.
وتحدث الباحث الاستراتيجي العراقي، مخلد حازم الدرب، عن “أزمة متجذرة في البلاد منذ سنوات بسبب المحاصصة الطائفية المتشعبة داخل الدولة العراقية”.
ويشير في حديثه لموقع “الحرة”، إلى ولاء بعض القيادات العسكرية التي تأتمر بأوامر الأحزاب والكتل “ما أفشل الجهود الأمنية لاستعادة الأمن في العراق”، وخلق مليشيات ذات ولاءات غير وطنية.
وتمتلك تلك المليشيات “قاعدة عسكرية وسياسية ومالية” وتمارس أعمال منافية للقانون مثل “تهريب المخدرات والسلاح”، وفقا لحديث الدرب.
وأكد الدرب استحالة السيطرة على ظاهرة “انفلات السلاح” لأن تلك المليشيات “أقوى من الحكومة” ولديها “أحزاب سياسية” داخل البرلمان، واستطاعت السيطرة على “جميع مفاصل الدولة العراقية”.
ما الحل؟
تلك المعطيات دفعت الخبراء الذين تحدث معهم موقع “الحرة”، للتأكيد على “عدم وجود حلول داخلية للأزمة المتجذرة”.
ويستعبد غازي حسين إمكانية حل أزمة السلاح المنفلت عبر “المواجهة العسكرية” بين الجيش العراقي والمليشيات التي تقدر أعدادها بعشرات الآلاف لأن ذلك سوف يتسبب في “مجزرة حقيقية”.
ويرى أن تدخل المجتمع الدولي سواء “دبلوماسيا أو سياسيا أو عسكريا” قد يكون الحل الأمثل لمواجهة ظاهرة “العنف المنظم” في المجتمع العراقي، وحل تلك المليشيات التي تمثل “دولة مسلحة داخل الدولة”.
ويتحدث مخلد الدرب عن عدم إمكانية مواجهة تلك المليشيات المسلحة وحل أزمة السلاح المنفلت، سوى بتدخل “خارجي دولي أممي”.
وتتفق مع ذلك لينا مظلوم التي تؤكد “ضرورة تدخل المجتمع الدولي” لوقف نزيف دماء العراقيين على يد المليشيات المسلحة، في ظل عدم وجود “حلول داخلية للأزمة”.
وتشير مظلوم إلى “تهديد تلك المليشيات لآمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط بأكملها وليس العراق فقط”.