وقَّع نحو من عشرين شخصا من الوجوه البارزة في الجالية اللبنانية في مدينة مونتريال في مقاطعة كيبيك رسالة تطالب الحكومة الكندية بـ ’’تدخل أكثر فاعلية في مسألة عودة النازحين السوريين في لبنان إلى بلادهم‘‘. وقد أرسلت إلى كل من رئيس الوزراء جوستان ترودو ووزير التنمية الدولية هارجيت سجّان ووزيرة الخارجية ميلاني جولي.
زار الوزير في الحكومة الاتحادية الكندية هارجيت سجّان لبنان في 17 آب / أغسطس الماضي في إطار جولة تفقدية لأوضاع اللاجئين السوريين هناك. وحذّر يومها من أنّ سوريا ليست آمنة بعد بشكل كافٍ كي يبدأ الملايين من أبنائها اللاجئين خارج حدودها بالعودة إليها. وأتت تصريحاته بعد أيام على إعلان السلطات اللبنانية عن خطة لإعادة السوريين إلى بلادهم التي مزقتها الحرب منذ العام 2011.
بعد ذلك، وفي 28 أغسطس الماضي، صاغت مجموعة فاعلة من أبناء الجالية اللبنانية في مونتريال رسالتها التي وجهتها إلى المسؤولين الكنديين في العاصمة الفدرالية.
يشكل وجود السوريين في لبنان عبئاً ثقيلاً ومفرطاً على البنية التحتية اللبنانية ومؤشرات التنمية المستدامة، لا سيما على الخدمات الصحية والتعليمية والوصول إلى سوق العمل. وقد يؤدي تأثير النازحين إلى مزيد من الاحتكاكات والاضطرابات الأمنية وتعزيز التوترات الاجتماعية التي تهدد الاستقرار الاجتماعي والأمني في لبنان. علاوة على ذلك، فإن الوجود المطول للسوريين مثل الفلسطينيين يهدد بزعزعة التوازن المذهبي والديموغرافي الهش أصلاً. وهذا يبرر مخاوف دولة لبنان من أن يصبح النازحون السوريون في نهاية المطاف مكونًا متكاملًا في المجتمع اللبناني متعدد الطوائف.
نقلا عن مقتطف من الرسالة باللغتين الرسميتين في البلاد الفرنسية والإنجليزية، التي وقعها كنديون لبنانيون في مونتريال في 28 أغسطس 2022
في هذا التقرير يستعرض المحامي جوزف دورا، أحد الموقعين المساهمين في صياغة الرسالة، أبرز النقاط المذكورة فيها والتي تناشد الحكومة الكندية بالتدخل الفاعل ’’لأن ملف النازحين السوريين في لبنان يأخذ منحى مقلقا ويُنذر بالخطر على المجتمع اللبناني‘‘ كما جاء في نص الخطاب.
كما نطّلع على رأي الناشط السياسي الكندي السوري المعارض لنظام بشار الأسد عماد الظواهرة.
ما يطلبه اللبنانيون هو أيضا مطلب غالبية عظمى من السوريين المقيمين في كندا
نقلا عن عماد الظواهرة، ناشط كندي سوري والمدير العام لمنظمة ’’مسار من أجل الديمقراطية والحداثة‘‘
يرى المحامي في المنازعات المدنية والتجارية في مكتب ’’فرلان ماروا لانكتو‘‘، ’’أف أم أل‘‘ (FML) في مونتريال جوزف دورا، أن الزيارة التي قام بها وزير التنمية الدولية الكندي مؤخرا إلى لبنان، هي لتأكيد الموقف الكندي المتضامن مع موقف مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. هذه الأخيرة تعارض العودة غير الطوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم، قائلةً إنّ هذه الممارسة قد تهدد بتعريض اللاجئين العائدين للخطر.
وبالفعل، يؤكد الناشط الكندي السوري رئيس ’’المنتدى الديمقراطي السوري الكندي‘‘ والمدير العام لـ’’منظمة مسار من أجل الديمقراطية والحداثة‘‘ عماد الظواهرة ’’أن اللاجئين من أبناء مدينة درعا الذين عادوا إليها في إطار المصالحة، قتل قسم منهم وقسم آخر اعتقل‘‘. وأكد المتحدث بأنه في غياب وجود ضمانات دولية لعودة النازحين ’’فإن تلك العودة تبقى محفوفة بالمخاطر‘‘.
وكان الوزير الكندي هارجيت سجّان قد كرر تلك المخاوف خلال زيارته الأخيرة لبيروت قائلا ’’إنه من المهم جداً التأكد من وجود بيئة آمنة تماماً يمكنهم العودة إليها‘‘. من جانبه، يناشد لبنان المجتمع الدولي مساعدته لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم بـ ’’أمان وكرامة‘‘ وقد كلّفت بهذا الملف لجنة وزارية خاصة في بيروت.
لم يوقع لبنان على الاتفاقية الدولية بشأن اللاجئين عام 1951، هذا ولا يملك لبنان قوانين وطنية تتعلق باللاجئين. لبنان ليس مثل كندا في هذا الإطار، إذ هناك قوانين مرعية الإجراء متعلقة بوضع اللجوء في كندا. هناك اعتراف شرعي بوضع اللاجئ وهناك محاكم واختصاصات تنظمه وتدافع عنه في هذه البلاد.
نقلا عن جوزف دورا، محامي في مكتب المحاماة FML في مونتريال
يشير المتحدث إلى أنه يجب التمييز بين مصطلحين: النازح واللاجئ. يقول: ’’إن صفة اللاجئ تعطى لكل شخص تشكل عودته إلى بلده الأم خطرا على حياته. أما النازح فهو الشخص الذي وقعت حرب على أرضه في فترة معينة أجبرته على النزوح، وهذا لا يخوله اكتساب صفة اللجوء‘‘. ويوضح المحامي دورا ’’أن غالبية النازحين السوريين في لبنان، حسب عدة مصادر، في ذهاب وإياب إلى سوريا عبر 136 معبرا مفتوحا بين البلدين، مما ينفي في شكل تام تطبيق وضع اللجوء على هؤلاء، يضاف إلى ذلك أنه ليس هناك قوانين تنظم اللجوء في لبنان أو محاكم تستطيع أن تقيّم حالات هؤلاء الأشخاص لتحسم الأمر فيما إذا كانوا لاجئين أم لا‘‘.
كذلك يتطرق المتحدث إلى مشكلة عدم ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، وهناك مطلب بهذا الشأن حمله الموقعون على الرسالة للمسؤولين الكنديين أيضا ’’للسيطرة على المرور غير الشرعي والتجارة غير المشروعة‘‘، حسبما جاء في نص الرسالة. التي جاء فيها أيضا ’’أن النظام السوري لا يبدو أنه يريد الاعتراف بسيادة لبنان ووحدة حدوده‘‘.
لا تتعلق المسألة بتوفير المأكل والمشرب فحسب، ولكن المطلوب توفير الأمان والاستقرار مع إيجاد حل سياسي لهذه الحرب التي طالت ودمرت البشر والحجر ومزقت النسيج المجتمعي وخلقت ضغائن قد تتطلب جيلا أوأكثر لكي نخرج منها […] انا مع إصدار كل البيانات وأوقع على رسالة اللبنانيين ويوقع معي غالبية الكنديين السوريين، طالما هي ذو محتوى إنساني ومطلبها محق وموجه للحكومة الكندية لكي تقوم بواجبها في أزمات الشرق الأوسط. إنه لا يمكن الإغفال عن هذه الأزمة، لن يعيش أحد بسلام طالما يتداعى الشرق الأوسط بهذا الشكل.
نقلا عن عماد الظواهرة، ناشط كندي سوري يعيش في مونتريال منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي
يشير المتحدث إلى أنه ’’يجب الأخذ بالاعتبار لأمرين في مسألة التعاطي مع اللاجئين: هناك الشق الإنساني والشق السياسي. في الحالة الأولى لا يجب الإغفال عن أننا نتعامل مع بشر وهم بأزمة لذا يجب مراعاة وضعهم الإنساني ومساعدتهم لكي يعيشوا بشكل لائق‘‘.
’’وفي الحالة الثانية يجب إيجاد حل سياسي لعودة مليون ونصف المليون سوري على الأقل فروا من الحرب والدمار ومعظمهم من أوساط المعارضة. المطلوب لعودتهم توفير حد أدنى من الأمان والاستقرار والكرامة الإنسانية‘‘.
’’لا يكفي قتل البعوض، بل يجب تجفيف المستنقعات‘‘
تطالب مجموعةُ الكنديين اللبنانيين الموقعة على الرسالة، الحكومة الكندية بـ ’’شن هجوم دبلوماسي‘‘ وبذل الجهود الضرورية ’’من أجل إقناع القوى المعنية الإقليمية والدولية ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بضرورة دعم لبنان بمبادرته للعودة السلمية للنازحين مع توفير أمنهم وسلامهم‘‘.
يلاحظ المحامي دورا أن وجود حوالي مليوني شخص بين نازح سوري ولاجئ فلسطيني في بلد لا يتجاوز عدد سكانه الأصليين الاربعة ملايين نسمة بات يشكل عبئا ثقيلا على لبنان.
يوافق عماد الظواهرة تماما المحامي دورا ويقول ’’إن للبنانيين الحق في طلب حل لأزمة النزوح على أرضهم، وإن عدد اللاجئين السوريين أكثر من طاقة لبنان على الاحتمال، لا سيما في ظل وطأة الأزمة الاقتصادية التي زادت الطين بلّة‘‘.
بدوره يحذر المتحدث من أنه ’’إذا استمر الوجود السوري في لبنان إلى ما لا نهاية، فهو سيخّل بتوازن الدولة اللبنانية وبنية المجتمع اللبناني على أكثر من صعيد. وقد تخرج الحالة الاقتصادية المتفجرة في لبنان الوضع من إطار الاحتجاج العادي الى احتجاج شعبوي قد يأخذ طابعا طائفيا أو تعصبا وطنيا يضع اللبناني في مواجهة مع السوري.
إن تلك المنطقة جسد واحد وعندما يصاب طرف منه بالتهاب، يلتهب الجسد كله. قد تشكل عودة اللاجئين الأسبرين الذي يخفض حرارة الاحتقان اللبناني ولكن الفيروس لا يقاوم بالاسبرين. إنهم يعلمون تمام العلم أنه ليس بالإمكان الفرز بين اللاجئ الحقيقي واللاجئ المصطنع. مشكلة النازحين السوريين في لبنان لن تحل من دون تدخل يَفرضه المجتمع الدولي على النظام السوري.
نقلا عن عماد الظواهرة، الناشط السياسي الكندي السوري المعارض لنظام بشار الأسد
يرى المتحدث أن من يجب أن يتدخل لحل الأزمة يتغاضى ويتغافل عنها ويضيف: ’’إن شغل أوروبا الشاغل وقف الهجرة إلى أراضيها بينما يشغل الولايات المتحدة الأميركية مقاتلة التشدد، وهذا وذاك لا يبالي بما يحدث في بلدان الشرق الأوسط‘‘. يضيف عماد الظواهرة ’’قلنا ونقول لا يكفي قتل البعوض، بل يجب تجفيف المستنقعات. أعيدوا إلى اللاجئ السوري كرامته، أعيدوه إلى بلد يليق بالإنسان، أوقفوا رعونة نظام مستبد وأوقفوا التدخل الإيراني المدمر في المنطقة. اوقفوا الحالة الطائفية لأنها لا تستطيع ان تشكل سياجا للاقليات، لا للمسيحية ولا للدرزية ولا للعلوية، وساهموا في بناء الدولة العصرية الحديثة، التي تأخذ مسافة واحدة عن كل الأديان. هذا هو الحل الوحيد‘‘.
جدول زمني
يؤكد المحامي جوزف دورا على تعاطف الموقعين على الرسالة من الكنديين اللبنانيين مع النازحين السوريين وتأييدهم لهم في مطالبهم بالعيش بكرامة وأمان، مشيرا إلى أنه ’’لا مانع من بقائهم في لبنان لمزيد من الوقت، سنة أو اثنتين، المشكلة تكمن في أنه ليس هناك جدول زمني لعودتهم أو أجندة واضحة‘‘.
نحن لسنا ضد النازح السوري إطلاقا، ولكننا نقول إنه يجب أن يراعى جدولا زمنيا لعودته إلى بلاده[…] إن حجة التهديد الحقيقي لأمن النازحين لا أساس لها من الصحة، والملاحظ أن جزءاً كبيراً من سوريا يسوده الهدوء نسبياً، وهذا نسمعه على ألسنة السوريين أنفسهم.
نقلا عن جوزف دورا، هاجر إلى كندا من لبنان عام 1992
يرد عماد الظواهرة بأن ما يقوله المحامي دورا ’’يعكس القلق الدائم في نفوس أبناء بلد قائم على تركيبة طائفية، ,ان كل الأقليات في الشرق الأوسط تحتاج إلى تطمينات دائمة على وجودها واستمراريتها‘‘.
إن معظم الوافدين السوريين إلى لبنان هم من السنة، وقد انتشروا في غالبيتهم في المناطق التي يقطنها السنة في لبنان. يخلق هذا الأمر عدم التوازن بطبيعة الحال. يقوم لبنان على ثلاثي شيعي سني مسيحي، وقد يكون الشيعي أو المسيحي غير مرتاح لوجود هذا الكم من السوريين الذين إذا طالت إقامتهم أكثر، سيتعذر إخراجهم. ولا ننسى أن بعض المخيمات الفلسطينية في بيروت أزيلت في الماضي بالدم.
نقلا عن عماد الظواهرة، ناشط كندي سوري
يشدد المتحدث أنه على كندا أن تتدخل لوضع خطة آمنة لإعادة السوريين يرعاها حل سياسي لمنطقة الشرق الأوسط كلها. وإنه في حال بقائهم في لبنان، قد يؤدي ذلك إلى تفجير لا تحمد عقباه ليس في لبنان فحسب، بل في الشرق الأوسط برمته.
يخشى المعارض السوري من أن تبقى الحكومة الكندية على مسافة من أزمة اللاجئين السوريين وأن تأخذ موقف ’’المناورة الدبلوماسية‘‘، بمعنى أن تقول إن موقفنا من موقف المنظمات الدولية للجوء مختبئة وراء الموقف الرسمي الدولي ’’مخافة أن تعرض نفسها للإحراج في حال اتخذت موقفا سياسيا‘‘.
’’السياسة موقف ورأي‘‘
من جهته، يقول المحامي دورا إنهم تسلموا ردا من مكتب رئيس الوزراء الكندي باستلام رسالتهم، ’’قيل لنا إن الرسالة ستُولى الاهتمام الكافي من قبل زعيم البلاد وآجلا نتلقى الرد أو الموقف الرسمي منها‘‘. هذا وأشار المتحدث إلى أنه بعث بنسخة من الرسالة أيضا إلى كافة القيمين على السياسة الخارجية الكندية من كافة الأحزاب السياسية التي تجلس على مقاعد البرلمان الفيدرالي في البلاد.
يمكن أن نلتزم الصمت ولا نسجل أي موقف، فلا نصل بالتالي إلى أي نتيجة. كما يمكن أن نأخذ موقفا، وربما لا نصل إلى نتيجة أيضا. لكن في رأيي، لا يوجد لبناني في الانتشار لا يستطيع التفاعل مع رسالتنا. أُضيف إلى ذلك، أننا نعيش في كندا المبنية على مواقف، ناهيك عن أن السياسة هي موقف ورأي. إن تصريحا كهذا لوزير كندي (الوزير سجّان)، يدفعنا كلبنانيين مقيمين في كندا ولا زلنا مهتمين بشؤون لبنان، إلى التفاعل معه والرد عليه.
نقلا عن جوزف دورا، محامي في المنازعات المدنية والتجارية
ويضيف المتحدث في تبريره لإرسال الخطاب إلى المسؤولين الكنديين، ’’أن كندا هي البلد الأمثل للتمتع بحرية التعبير والفكر والجرأة في قول كل ما يجول في خاطرنا‘‘.
قد لا تشكل الحكومة الكندية عنصرا رئيسيا وفاعلا في ما يتعلق بالمسألة السورية، ولكن الضغط الرسمي والسياسي الكندي على الفاعلين الأساسيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية قد يؤثر على المدى البعيد.
نقلا عن عماد الظواهرة، ناشط كندي سوري
(أعدّت التقرير كوليت ضرغام منصف)