تبدأ عروض فيلم “السلام بالشوكولاتة” في صالات “سينيبليكس” عبر أنحاء كندا اعتبارا من 6 أيار/مايو المقبل.
ليس فيلم سيرة ذاتية مائة بالمائة وليس فيلماً وثائقياً خالصا ولا حتى أنه فيلم خيالي روائي، إنما لفيلم السلام بالشوكولاتة
صيغة خاصة تجعله يلتقي مع كل هذه الأنواع السينمائية.
قصة الفيلم انطلقت من قصة نجاح مثيرة ومشوّقة سينمائيا، حققتها في الواقع عائلة هَدهد السورية اللاجئة في كندا.
المخرج الكندي لأب أوروبي وأم أميركية جوناثان كيجسر سيهتم بنقل حكاية عائلة هدهد للشاشة الذهبية لسببين شرحهما الممثل الشاب الذي يلعب دور طارق هدهد في الفيلم الفنان أيهم أبو عمّار.
السبب الأول يكمن في أن القصة بحد ذاتها تشكّل مادة سينمائية دسمة. والسبب الثاني يكمن في أن المخرج أراد أن يقدّم عربون وفاء للشعب الكندي المضياف والـ ’’طيب‘‘ الذي استقبل عائلته ’’الغريبة‘‘ بكل الترحاب والود، يوم أتت لتعيش في المدينة ذاتها التي تعيش فيها عائلة هدهد وهي أنتيغونيش الواقعة في شمال شرق مقاطعة نوفا سكوشا (نافذة جديدة) في الشرق الكندي.
قبل جوناثان كيجسر، كانت عائلة هدهد محط أنظار الكنديين جميعا من الهادي إلى الأطلسي، عندما أتى رئيس الوزراء الكندي جوستان ترودو على ذكر قصة نجاح هذه العائلة السورية اللاجئة (نافذة جديدة) على منبر الأمم المتحدة خلال قمة حول اللاجئين عقدت في المقر العام للمنظمة الأممية في مدينة نيويورك الأميركية في أيلول/سبتمبر 2016.
أمهلت المنيّة حاتم علي ليكمل كل مشاهد ’’السلام بالشوكولاتة‘‘، ولكنها أدركته قبل أن ينعم بالتتويج كـ ’’أفضل ممثل‘‘.
وافت المنية من كان من أبرز مبدعي الدراما السورية الفنان حاتم علي يوم 29 كانون الأول/ديسمبر 2020، بعد انتهاء تصوير كافة مشاهد فيلم السلام بالشوكولاتة
. وكان يتم وضع اللمسات الأخيرة لخروج الفيلم حين أوقفت الجائحة كل نشاط سينمائي ومنعت صدوره في دور السينما بداية العام 2021.
في هذا الوقت قُدم الفيلم في عدة عروض خاصة ولفّ العالم في مهرجانات سينمائية عديدة، توّجت بغالبيتها حاتم علي، وهو يجسّد بإبداع مُبهر اللاجىء السوري عصام هدهد، بجائزة أفضل ممثل.
يعتبر أيهم أبو عمّار أن موافقة حاتم علي على المشاركة في هذا الفيلم كانت لإيمانه التام بأنه لا يبدأ المشوار من الصفر، على العكس فمع هذا الفيلم كان يرغب في تحقيق تجربة جديدة مختلفة مع صناع الفن السابع في كندا. أضيف إلى ذلك، تابع المتحدث، ’’فإن الدور أظهر القيمة الحقيقية للمخرج السوري الراحل، والدليل أنه نال جائزة أفضل ممثل عن دوره فيه في أكثر من مهرجان دولي‘‘.
حاتم علي الغائب الحاضر
كلّما ذكرت له اسمه، غصّ أيهم أبو عمّار وتنهّد تنهيدة طويلة. لا لم يكن مرور حاتم علي في حياته صدفة ولا كان عبثاً، فهو حضّر لهذا اللقاء مذ كان في الثامنة عشرة من عمره، وشاء القدر أن يجتمعا بعد أكثر من عقد كامل بعيداً عن وطنهما الأم، في فيلم يؤّرخ قصة نجاح سورية في بلاد القيقب.
لم يلعب حاتم علي دور والد أيهم أبو عمّار في قصة الفيلم فحسب بل لعب أيضا دور والده الروحي ودور القدوة السينمائية التي لا ينضب معينها.
أيهم أبو عمّار هو أيضا دخل البلاد كلاجىء سوري واستقر مع زوجته وابنته في مدينة مونتريال قبل أن ترزق العائلة بطفل ثان.
كان العمل مع حاتم علي حلما قديما راود ابن السويداء الشاب الذي يعتلي خشبة المسرح منذ صغره. وقام أيهم أبو عمّار بسرقة رقم هاتف المخرج المشهور من أجندة أحد الممثلين عندما قدم إلى دمشق ليدرس في المعهد العالي للموسيقى. وعندما يتصل أيهم بحاتم، يتمنى عليه هذا الأخير أن يتصل به لاحقا بسبب انشغاله، و’’ربما يسند إليه دورا في أعماله المقبلة‘‘.
ولكن شاء القدر أن يُضيّع فرصة تلاقيهما لسنوات، ولن يمنحه غير فرصة وحيدة لمشاركة حاتم علي على بلاتوه سينمائي واحد. ولكن هذه الفرصة كانت وفيرة بما تركته من أثر في نفس الشاب أيهم أبو عمّار.
لم أكن خائفا من تجسيد الدور في الأوديشن (تجربة الأداء) أمام المخرج الكندي بقدر ما كنت مرعوبا من أنني في حضرة حاتم علي وأريده أن يُعجب بأدائي وأمثّل معه ولو حتى مشهد أو مشهدين.
نقلا عن الممثل الذي لعب دور البطولة في فيلم ’’السلام بالشوكولاتة‘‘ إلى جانب حاتم علي، أيهم أبو عمّار
لقد غاب عن ذهن الفنان الضيف أن الشخصية التي سيمثلها هي أول شخصية في الفيلم علما أنه كان آخر فنان ينضم إلى طاقم الفريق السينمائي. همّه الأول والأخير أن حلمه القديم قد يتحقق اليوم ويجمعه القدر بالهامة الفنية الكبرى.
الوقفة أمام حاتم علي في كل دقيقة فيها درس، ويمكن أن أحكي لساعات عن ردة فعل واحدة أتى بها المخرج الراحل، تظهر تمكنه وحبه وإخلاصه لعمله.
نقلا عن الفنان أيهم أبو عمّار
ويعتقد المتحدث أن رحيل حاتم علي المفاجىء ’’قد يكون بسبب أنه أهمل صحته كرمى لعيون الدراما والتلفزيون‘‘.
يُخبر الفنان أيهم أبو عمّار عن حوادث طريفة حصلت على بلاتوه التصوير هنا في مونتريال.
طارق في الفيلم يترجم لوالده عصام هدهد الذي يجهل الانكليزية، وفي الحقيقة، يًترجم أيهم أيضا خلال التصوير تعليمات المخرج الكندي لحاتم علي الذي أيضا لا يتقن الانكليزية. وقد قال له السينمائي الكندي مازحا ’’ما رأيك أن تقف مكاني في الإخراج طالما أنك تعطي التعليمات لحاتم‘‘؟ ولكن هذا الأخير كان مدركا لكل شيء ولو لم يكن يفهم الانكليزية، ويعلم متى تنتهي اللقطة، ويصرخ أحيانا قبل المخرج نفسه ’’كات‘‘ ليتوقف التصوير، ’’أو قد يطلب مني أن نعيد المشهد من دون حتى انتظار إشارة المخرج، حرصا منه على عدم تضييع الوقت واختصار الطريق. عدا عن ذلك فقد احترم حاتم علي وتقيّد بكل تعليمات المخرج لأنه في الفيلم يمثل ولا يخرج‘‘.
’’أنت لاجىء فهذا يعني أنك تخسر كلّ شيء، بيتك، تاريخك، عائلتك‘‘ قال عصام هدهد صانع الشوكولاتة
يقول أيهم أبو عمّار إنه كان هناك خيط رفيع بين التمثيل والواقع، ’’فأنا كنت أسرد حكايتي أكثر مما كنت أمّثل حكاية اللاجئ السوري طارق هدهد‘‘.
أثر والدي في الفيلم كان يشبه كثيرا الأثر الذي تركه في نفسي والدي المتوفي في الحقيقة، و’’لعل اختيار حاتم علي ليلعب دور والد الشخصية التي أجسّدها، أعطاني ارتياحا كبيرا وجعلني أشعر بأنني على طبيعتي ولا أمثل مطلقا‘‘.
إن ما خسرناه قد خسرناه ولا يمكن استرجاعه. والحل أمامنا هو أن نتصالح مع فكرة أن ما ذهب قد ذهب ولن يعود.
نقلا عن أيهم أبو عمّار
يوضح أيهم أبو عمّار أن اللاجئ يحاول أن يعيد خلق مكان له من ذاكرته في أي مكان يذهب إليه. ’’حاتم علي رحل والباقي منه هو ذاكرتنا عنه، مثل ذاك الوطن الذي هُجّرنا منه. لم يعد ممكنا إلا أن نخلق وطنا جديدا في المكان الذي نتواجد فيه. نخلقه بالمعايير التي تربينا ونشأنا عليها‘‘.
كندا تغيّر الإنسان برأي عصام هدهد، ابنه طارق أصبح يتحدث الانكليزية ويخطب عن السلام والنجاح في الأعمال في الأوساط الكندية، لا يريد أن يعمل مع والده في صنع الشوكولاتة وإنما يريد أن يكمل حلمه الخاص به وهو أن يكمل دراسة الطب التي بدأها في دمشق.Début du widget Youtube. Passer le widget ?https://www.youtube.com/embed/X9uOmrZeplEFin du widget Youtube. Retourner au début du widget ?
’’من وقت ما حطيت رجلك بهالبلد خرجت عن طوعي‘‘
’’أنا من اليوم خرج أولادي عن طوعي‘‘ يقول أيهم أبو عمّار مازحاً. ولكن في الحقيقة، فإن البيئة تختلف بين هنا وهناك، مجموعة القيود التي كانت تمسكنا وتقيّدنا في سوريا ليست موجودة في كندا. ’’إن المرء عندما يكون لديه حلم لم يستطع تحقيقه في بلده الأم، فهو يبادر إلى تحقيقه في بيئة أخرى تسمح بحدوث هذا التحوّل‘‘.
لم يتغيّر طارق عندما أتى إلى كندا، ولكن مساحة الحرية التي أصبح يتمتع بها هي التي أوحت لعصام وأعطته الشعور بأن ابنه تغيّر.
في الوقت الذي أتى فيه اندماج طارق في الحياة الكندية سريعا وسهلا، فإن عائق اللغة شكل عثرة في الاندماج لدى عصام.
’’لو كان عصام يتحدث الانكليزية، لكان سير الحكاية اختلف وطريقته في التعامل مع ابنه اختلفت، وكان يمكن أن يستوعب ابنه أكثر‘‘.
لم يشأ المخرج الكندي جوناثان كيجسر أن يقدم نسخة طبق الأصل عن طارق وعصام، بل أراد الشمولية لهاتين الشخصيتين الرئيسيتين في فيلمه، من هنا البعد الخيالي الروائي في هذا العمل السينمائي السبّاق. وكأن طارق يحكي قصة كل جيل الشباب من اللاجئين في كل زمان ومكان، وكأن عصام يحكي تحديات الجيل الأول من المهاجرين، خصوصا لجهة عائق اللغة والصدام الذي قد يقع باستمرار بين الجيل الأول والجيل الثاني.
أما عن طابع سهولة وصفة النجاح للاجئين التي قد يخرج بها مُشاهد الفيلم، فهو ليس حقيقيا، لسبب وجيه هو أنه لا يمكن سرد كل شيء في فيلم مدته ساعة ونصف الساعة. أضف إلى ذلك أنه لضمان النجاح السينماتوغرافي يجب أن يتم تسليط الضوء على أمور أكثر من أمور أخرى. ويجب الإشادة بإعادة صياغة الحكاية على يد جوناثان كيجسر التي أوفت تماما بشروط أعمال الشاشة الذهبية. يقول أيهم أبو عمّار ’’أنا لست معجبا بكيجسر كمخرج فحسب بل إنما معجب به أيضا كمؤلف وكاتب سيناريو‘‘.
’’لعّل حياة عائلة هدهد تشبه حياة غيرها من العائلات السورية المهاجرة، الفرق يكمن في طبيعة عملها وظروفها الخاصة. إلى ذلك فإننا نرى من الخارج ويظهر لنا رأس جبل أيسبرغ الجليدي فحسب‘‘.
’’لقد حاول جوناثان كيجسر أن يضيء على أمور تحب الناس أن تراها، ولكن لا نستطيع القول إنها وصفة يمكن أن يطبقها الجميع وتأتي بثمارها ولا حتى يمكن أن أجزم أنها وصفة تنفع للجميع‘‘.
اللاجئ ليس رقما مضافا وإنما قيمة بحد ذاتها
ردد دوما طارق هدهد هذه العبارة في المجالس الكندية العامة ويرددها أيهم أبو عمّار أيضا. وإذا كان حاجز اللغة يمنع بعض اللاجئين من أن يحققوا ذواتهم أو إكمال مسيرة نجاحهم التي بدأوها في أوطانهم الأم، كما هي الحال مع عائلة هدهد، فإن هذا لا يعني أنهم مجرد أرقام وأناس ليس لهم قيمة.
لقد نجحت عائلة هدهد في مجتمعها الكندي ’’الطيب، المرّحب والمضياف‘‘، في أن تكمل مسيرة نجاحها.
من جانبه رأى السينمائي الكندي أن الضوء يجب أن يكون باتجاه هؤلاء الذين تركوا بيوتهم و أقصوا رغما عنهم عن حياة كانت مليئة بالنجاح، ليبدأوا من الصفر وينجحوا بفضل أناس طيبين مثل المواطن الكندي فرانك، الذي آمن بطاقاتهم و عطاءاتهم، ونراه في الفيلم يواكب كل خطوات هذه العائلة القادمة حديثة إلى حيّه.
إن الطيبة تستطيع أن تحوّل اللاجىء إلى مقيم ومن ثم إلى ابن بلد، الانسانية في حال استطعنا أن نراها في الآخر تُحدث المعجزات