يعمد مشروع اجتماعي فريد في البيرو على تغيير حياة الأطفال المحرومين اجتماعيًا من خلال تعليمهم العزف على الآلات الموسيقية والغناء.
ويقف وراء هذا المشروع الذي يحمل اسم “سيمفونية من أجل البيرو” أو “سينفونيا بور البيرو” )Sinfonía por el Perú( مغني الأوركسترا العالمي خوان دييغو فلوريس.
خطرت في بال فلوريس فكرة هذا المشروع لأول مرة عندما زار فنزويلا عام 2009 لأداء فني مع قائد الأوركسترا غوستافو دو داميل.
وهناك اطلع على مشروع “السيستيما” الذي كان عبارة عن برنامج يُعنى بمساعدة الأطفال وانتشالهم من عالم الجريمة وتعاطي المخدرات.
أسس فلوريس في موطنه (البيرو) العديد من المدارس الموسيقية في جميع أنحاء البلاد حتى يتمكن الأطفال من تعلم الموسيقى مجانًا.
كما يمكنهم تلقي دروس للعزف على الآلات الموسيقية والغناء في الجوقة، ويتم اختيار أفضل العناصر للانضمام إلى “أوركسترا الشباب” التي تؤدي مع فلوريس نفسه.
أغلب الموسيقيين الذين يشكلون “أوركسترا الشباب” حاليا هم خريجو برنامج تعليم الموسيقى “سينفونيا بور البيرو” وكتثمين لتميزهم استفادوا من رحلة من العاصمة ليما إلى سالزبورغ في النمسا للعزف رفقة التينور فلوريس.
أحد المتميزين في أوركسترا الشباب هو غابرييل فيرا كوريا الذي يعيش في ليما. لم تكن حياة هذا المراهق البالغ من العمر 15 سنة سهلة لكن الموسيقى أعطته هدفًا كما توضح والدته نيللي مرسيدس فيرا كوريا.
وتقول “لقد تعرض للتنمر في المدرسة لأنه كان بدينًا. كان الأطفال يلقون بحقيبته في سلة المهملات. ساعدته الموسيقى على التخلص من مخاوفه والشعور بمزيد من الثقة”.
يعزف غابرييل مع أوركسترا الشباب التابعة لسينفونيا بور البيرو ويشرح كيف اكتشف حبه للموسيقى. ويقول “لطالما أحببت الموسيقى وكنت مهتمًا دائمًا بالتعلم، سواء تعلم العزف على آلة موسيقية أو غناء. .. لحظتي المفضلة هي عندما أكون مع “سينفونيا” لأنها تجعلني سعيدًا”.
يشرح رئيس “سينفونيا بور البيرو” خوان دييغو فلوريس الرؤية التي كانت لديه عندما بدأ هذا المشروع بالقول “عندما قررت تأسيس “سينفونيا بور البيرو” كان لدي حلم… حلم بمساعدة الفتيان والفتيات المحرومين في البيرو والعثور على مساحة يشعرون فيها بالأمان، حيث يمكنهم التطور والتعلم واكتساب قيم”.
إن رؤية التأثير الذي أحدثته مبادرته على حياة عدد لا يحصى من الأطفال غيرت تصوره لماهية الموسيقى وما يمكن أن تحققه.
وييقول فلوريس في هذا الشأن “قبل أن أفهم أن الموسيقى يمكن أن تغير المجتمع، كانت الموسيقى بالنسبة لي هي أن أذهب إلى المسرح وأغني والجميع يصفقون لي وهذا شيء رائع. لكني الآن أرى الموسيقى كوسيلة لتغيير العالم، كوسيلة لتحسين المجتمع وصنع عالم أفضل”.
يتدرب آلاف الأطفال في جميع أنحاء بيرو بانتظام لعدة ساعات كل يوم في مدارس الموسيقى العديدة المسماة نيوكليوس التي تأسست بفعل برنامج ” سينفونيا”.
ويعتبر لويس كاستيلو منسقا لمدارس نوكليوس” ومدرسا موسيقيا في “سينفونيا بور البيرو” ويقول إن تأثير “سينفونيا” كان رائعا على الاطفال “إنه يؤثر على سلوكهم وتطورهم بالكامل، ليس فقط من حيث الموسيقى ولكنه يشمل أيضًا الأسرة المجتمع”.
أظهر بحث حديث أن البرنامج قد عزز الإبداع والثقة بالنفس لدى الأطفال كما يوضح فلوريس بالقول “كان للدراسة نتائج مذهلة… انخفضت عمالة الأطفال إلى 90 في المائة. لأن الاطفال كانوا في نوكليوس يعزفون الموسيقى معًا. كما أن آباؤهم كانو أقل عنفًا معهم، لكن النتائج التي أدهشتني أكثر هي أنهم أرادوا الاستمرار في دراسة الموسيقى كتخصص في الجامعة”.
“لا شيء مستحيل”
كان حلم خوان دييغو فلوريس عندما بدأ هذا المشروع هو مساعدة الفتيان والفتيات المحرومين اجتماعيًا في البيرو، وقد تحقق هذا الحلم الآن.
وكعرفان لتميز فرقة “أوركسترا الشباب” التابعة لـ”سينفونيا” قام فلوريس بتنظيم جولة موسيقية في أوروبا لصالح الأوركسترا.
وتتضمن الجولة أداء حفل موسيقي في مهرجان سالزبورغ في النمسا، وهو أحد أهم مهرجانات الموسيقى الكلاسيكية في العالم.
ويقول فلوريس “حفلة سالزبورغ الموسيقية مهمة جدًا للأوركسترا، لأنها المرة الأولى التي يسافرون فيها حقًا كأوركسترا كاملة. إنه لمن دواعي سروري أن أكون قريبًا من أطفال “سينفونيا” وأوركسترا الشباب للعمل معهم والتدرب على الجولة التي نقوم بها في أوروبا، وخاصة في مهرجان سالزبورغ، إنه لأمر مدهش حقا”.
ويصف عازف الفيولا غابرييل فيرا كوريا المشارك في الجولة “أنا سعيد لأنني ذاهب إلى سالزبورغ ومتحمس لأنني سأكون هناك مع أشخاص يحبون ما أفعله”.
فيما قال عازف الكمان دييغو مانريكي “أنا سعيد وممتن حقًا. إنه حلم كل طفل في سينفونيا بور البيرو ونحن نمثلهم جميعًا”.
بالنسبة لفلوريز هذه الجولة فرصة لإعطاء الأمل للجيل الشاب لتعزيز ثقة بنفسه ويقول “عندما يعزفون في الأوركسترا سيشعرون أنهم مهمين وأنهم مُقدرين، تخيل هؤلاء الأطفال وهم يقولون -بعد نهاية الحفل في سالزبورغ- لقد نجحنا لاشيء مستحيل”.