المعادلة كانت تبدو صعبة في البداية لأبناء المغرب الذين يعيشون في مدينة مونتريال وأتوا لمشاهدة المباراة بين المغرب وكندا في بث مباشر: ’’من نشجع البلد الأم أم البلد المضيف؟ ’’أسود الأطلس‘‘ أو المنتخب الكندي؟ ‘‘
ولكن القرار كان محسوما لصالح ’’أسود الأطلس‘‘، على الأقل بالنسبة إلى الغالبية العظمى من المشجعين الذين التقيتهم أمس في المركز الثقافي المغربي ’’دار المغرب‘‘ في وسط مدينة مونتريال. ولم يكن القرار محسوما بالنسبة إلى تفضيل فريق البلد الأم فحسب، بل كذلك بالنسبة إلى نتيجة المباراة لصالح ’’أسود الأطلس‘‘.
لقد كانت التوقعات جازمة لجهة فوز منتخب المغرب، حتى قبل أن تنطلق صفارة الحكم معلنة بدء المباراة الحاسمة التي أهلّت المغرب لتصدر المجموعة السادسة وبلوغ دور الـ16 في كأس العالم 2022.
حقق ’’أسود الأطلس‘‘ الفوز على كندا، بهدفين مقابل هدف واحد، في إطار مباريات الجولة الثالثة من المجموعة السادسة لدور المجموعات من بطولة كأس العالم قطر 2022. وبهذه النتيجة يكون منتخب المغرب أول منتخب عربي وأفريقي يتأهل لدور الـ 16 كأول المجموعة، وهي المرة الثانية التي يتأهل فيها لهذا الدور منذ 36 عامًا.
هذا ويلعب ’’أسود الأطلس‘‘ دور الـ16 من كأس العالم، ضد منتخب إسبانيا مساء الثلاثاء المقبل الموافق 6 كانون الأول/ديسمبر 2022.
كلّ الأجواء مهيئة لحماسة قصوى لأجل عيون منتخب ’’الخضراء والحمراء‘‘
قبل أن يجلس زوار ’’دار المغرب‘‘ على كراسيهم لمشاهدة المباراة المنتظرة التي تبث في شكل مباشر على شاشة عملاقة، كانت دردشة مع المشجعين الذين أتوا من كل حدب وصوب من المدينة الكوسموبوليتية ومن كافة الأعمار.
تهافت على المكان رجال ونساء وعجزة وشباب وأطفال، كما أتى أيضا تلامذة في الصفوف الثانوية غير آبهين بأي عقاب يمكن أن يستحقونه بغيابهم عن الدوام المدرسي.
يتكهن الشاب زكريا بأن منتخب المغرب هو الذي سيربح المباراة، برأيه أن المهارة في الأداء عند جميع اللاعبين في المنتخب المغربي، تجعل ’’أسود الأطلس‘‘ الأوفر حظا ضد منتخب كندا.
من جهته، رسم الشاب حكيم صابر علم كندا على خده الأيمن وعلم المغرب على خده الأيسر. يقول:’’إننا لا ننسى خير البلد المضيف، كندا، ولكن قلبنا وروحنا مع بلدنا الأم المغرب وهو الذي سينتصر بإذن الله.‘‘
في سياق متصل، يعوّل المتحدث على مشاركة اللاعب الكندي المغربي ياسين بونو في حراسة مرمى المغرب أمام كندا. ويرى صابر ’’أن أكثر من 80% من الدماء التي تجري في عروق حامي عرين ’’أسود الأطلس‘‘ هي دماء مغربية، والولاء في الملعب سيكون للبلد الأم لبونو.‘‘ علما أن هذا الأخير أبصر النور في مدينة مونتريال، قبل أن يمضي طفولته في الدار البيضاء في المملكة المغربية.
’’لا يتعلق الأمر بالعاطفة ولكن من المؤكد أن المغرب سيربح اليوم لأنه الأفضل‘‘، أجمع عدد كبير من الحضور. ولكن اعتبر البعض أن هذا اليقين بالفوز بالمباراة تسبب بتراجع أداء اللاعبين، وكان يُتوقع أن يبهر المنتخب المغربي جمهوره بشكل أكبر، على حدّ تعبيرهم.
المغرب أبي وكندا أمي، الاثنان أهلي. عندما لعب المنتخب الكندي شجعته ولكن بما أن كندا أُقصيت من نهائيات بطولة كأس العالم بعد أن هزمتها كرواتيا، فمن الطبيعي أن أركز اليوم مع ’’أسود الأطلس‘‘ وأكون في صفهم.
نقلا عن حسن بولال، أحد المشجعين من أصل مغربي
يؤكد المشجع أسامة المسيباك على أن المنتخب المغربي يضم مجموعة من أبرز لاعبي كرة القدم في العالم، ولاعبه المفضل هو المهاجم عبد الحميد صابيري الذي كان أحرز أول هدف لصالح المنتخب المغربي ضد نظيره المُنتخب البلجيكي، في بطولة كأس العالم التي تجري حاليا في قطر.
’’لا ليس من إحراج على الإطلاق في تشجيع فريق بلدنا الأم ضد فريق البلد المضيف‘‘، يؤكد المتحدث.
زغاريد، أهازيج وهتافات
لم يكن المشهد في أروقة دار المغرب يختلف كثيرا عن المشهد الحقيقي في استاد الثمامة في الدوحة حيث كانت تجري المباراة بين المغرب وكندا.
لقد غصت ’’دار المغرب‘‘ في مونتريال بالزوار وافترش عدد كبير من الشباب الأرض مُسمرين أمام الشاشة العملاقة التي تنقل المباراة في شكل مباشر.
فجأة يسود الصمت ويحبس الجميع أنفاسه بعدما انطلقت صفارة الحكم في قطر، لدرجة أنه ساورني الظن بأن المجلس قد فض وغادر الضيوف المكان. ولكن هذا السكون لن يدوم طويلا، ليتحول المكان في الدقيقة الرابعة على بداية المباراة، إلى ساحة هرج ومرج رفعت فيها الأهازيج وهتافات الفرح. يعّم ضجيج مطبق ودوي صاخب، يقف جميع الحضور مطلقين العنان لشتى طرق التعبير عن الفرحة التي غمرتهم بعد هذا التسجيل السريع والباهر للهدف الأول في مرمى المنتخب الكندي الذي سدده اللاعب حكيم زياش.
ردود الأفعال هي ذاتها عند جمهور المشجعين في قطر وفي مونتريال: تصفيق، صراخ، صفير، رقص، غناء، زغاريد، إنها حماسة المشجعين التي تملأ المكان زهوا ومرحا وحبورا وفرحا وفخرا.
تشخص العيون وتُكتم الأنفاس عندما تكون الكرة خارج سيطرة ’’أسود الأطلس‘‘ ويعلو الصراخ والتصفيق عندما يعود الأسود إلى السيطرة على ملعب الدوحة.
ألهب إحراز لاعب المنتخب المغربي يوسف النصيري الهدف الثاني للمباراة في الدقيقة الـ 23، الأجواء في ’’دار المغرب‘‘ في مشهد امتزجت فيه مشاعر الوطنية والحنين والفخر والشرف والاعتزاز.
في هذا الوقت، تنفس المشجعون الصعداء إذ ضمنوا غلبة منتخب بلدهم الأم، ’’لقد أصبح الفوز في الجيب‘‘ يقول الشاب زكريا.
بصوت واحد هتف الجميع:’’أوليه أوليه أوليه…‘‘ وطفقوا ينشدون النشيد الوطني للملكة المغربية معبرين عن فرحهم العارم بالـ’’الفوز التاريخي لأسود الأطلس‘‘.
أشاد المشجعون بأداء منتخب بلدهم الأم، ونوّه الشاب حكيم بشكل خاص بالطريقة التي دبر بها المدرب وليد الركراكي أطوار اللقاء، سواء على المستوى التكتيكي أو الروح الإيجابية التي بثها في لاعبيه، أو طريقة تدبيره للتغييرات على ساحة الملعب.
بعد الشوط الأول، كانت مناسبة للتعارف وتبادل الأحاديث بين حشود المشجعين الذين احتسوا الشاي المغربي وتناولوا الفطور الذي قدمته ’’دار المغرب‘‘ مجانا لكل الحاضرين.