تتواصل في قاعة العروض “كروكوس سيتي هول” في ضواحي العاصمة الروسية موسكو، صباح اليوم السبت، أعمال إزالة الأضرار وإخماد الحريق الناجم عن الهجوم المسلّح على القاعة مساء أمس الجمعة، الذي راح ضحيته 133 قتيلاً على الأقل، وفق الأرقام المعلنة حتى الآن.
ويشارك في عملية إخماد النيران نحو 500 رجل إطفاء، وما يقارب 200 قطعة من المعدات، كما أفادت مديرية وزارة الطوارئ الروسية في مقاطع مصوّرة صباح اليوم، فيما أفادت سلطات مقاطعة موسكو (كيان إداري مستقل يضمّ ضواحي العاصمة) بأن الحريق أُخمِد تقريباً، مع استمرار إزالة الأضرار، وسط انهيار السقف فوق قاعة العروض الكائنة بها بؤرة الحريق.
وفي أحدث حصيلة رسمية أعلنتها لجنة التحقيق الروسية قُتل 133 شخصاً في الهجوم، في حصيلة قابلة للارتفاع، وقالت اللجنة على “تليغرام”: “ارتفع عدد قتلى الهجوم الإرهابي على كروكوس سيتي هول إلى 133. عمليات البحث مستمرة”، في وقت قال فيه مدير قناة “روسيا اليوم” إن عدد القتلى بلغ 143.
وتشير البيانات الأولية إلى أن القتلى لفظوا أنفاسهم الأخيرة جراء إصابتهم بجروح نارية والتسمم بمواد الاحتراق، إذ استخدم المهاجمون سائلاً سريع الاشتعال لإضرام النيران قبل فرارهم.
روسيا تؤكد أن منفذي الهجوم لديهم “جهات اتصال” في أوكرانيا
إلى ذلك، أبلغ رئيس جهاز الأمن الفيدرالي الروسي ألكسندر بورتنيكوف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم السبت، بتوقيف 11 شخصاً، بمن فيهم أربعة قال إنهم منفذو الهجوم الإرهابي على قاعة العروض “كروكوس سيتي هول”.
وقال المكتب الإعلامي للكرملين في بيان: “أبلغ رئيس جهاز الأمن الفيدرالي ألكسندر بورتنيكوف الرئيس فلاديمير بوتين بتوقيف 11 شخصا، بمن فيهم أربعة إرهابيين شاركوا بشكل مباشر في تنفيذ الهجوم الإرهابي في كروكوس سيتي هول”.
كذلك أبلغ بورتنيكوف بوتين بأن جهاز الأمن يعمل على كشف شبكة معاوني منفذي الهجوم الإرهابي الذي وقع مساء أمس الجمعة، وفق البيان ذاته.
وأكّدت أجهزة الأمن الروسية أن المشتبه بهم كانت لديهم “جهات اتصال” في أوكرانيا، إلى حيث كانوا يعتزمون الفرار.
ونقلت وكالة “تاس” للأنباء عن أجهزة الأمن الروسية قولها إنه “بعد تنفيذ الهجوم الإرهابي، كان المجرمون يعتزمون عبور الحدود الروسية الأوكرانية وكانت لديهم جهات اتصال مناسبة على الجانب الأوكراني”.
كييف ترفض الاتهامات الروسية
وفي السياق، قالت كييف إنها ترفض الادعاءات الروسية بوجود صلة بين أوكرانيا ومنفذّي الهجوم. وقال المستشار الرئاسي ميخايلو بودولياك، على منصة “إكس”، إن “الروايات التي تقدّمها الأجهزة الخاصة الروسية في ما يتعلق بأوكرانيا غير مقبولة وسخيفة”.
وفي الوقت الذي أعلن تنظيم “داعش” الإرهابي مسؤوليته عن الهجوم، تجزم رواية الأجهزة الأمنية بأن المسلحين تلقوا تدريباً عسكرياً أو تدربوا على الرماية، وفق ما نقلته صحيفة “كوميرسانت” الروسية، لافتة إلى أنهم تعاملوا بشكل منسق، وكأنهم اعتادوا مثل هذه الأعمال.
وما يعزز واقعية هذه الفرضية الهدوء الذي توجهت به المجموعة من مرتدي أزياء تمويهية إلى قاعة العروض، وكأنها عناصر أمنية تتولى تأمين الفعاليات، ثم أطلقت النار عبر زجاجات الأبواب والواجهة، وأصبحت تقتل كل من صادفته في طريقها، ولاذت بالفرار في نهاية المطاف.
ولما كانت الواقعة تشبه من الوهلة الأولى حادثة احتجاز رهائن المسرحية الموسيقية “نورد أوست” بالقرب من وسط موسكو في عام 2002، إلا أن الفارق الرئيسي يكمن في أن المسلحين الشيشانيين احتجزوا حينها رهائن لطرح مطالب أمام السلطات، ولكن هذه المرة، دخل خمسة مسلحين حملوا رشاشات إلى البناية، ثم انصرفوا من دون تقديم أي مطالب.
وبدأت الأحداث في “كروكوس سيتي هول” تتطور عند الساعة الثامنة مساءً تقريباً، قبيل انطلاق حفل لفرقة الروك “بيكنيك”، إذ دخلت السيارة التي خرج منها خمسة مسلحين يرتدون لباساً تمويهياً إلى ساحة الانتظار بجوار المجمع قبل تنفيذ الهجوم.
وفي الوقت الذي تداولت فيه وكالة “رويترز” خبر تبني تنظيم “داعش” الإرهابي المسؤولية عن الهجوم، ثمة تلميحات، بل اتهامات صريحة، وجهها كبار المسؤولين الروس إلى أوكرانيا بالوقوف وراءه.
وتوعد نائب رئيس مجلس الأمن، الرئيس السابق دميتري مدفيديف، الجناة، كاتباً في منشور على قناته على “تليغرام” في ساعة متأخرة من مساء أمس: “لا يفهم الإرهابيون سوى الإرهاب الجوابي. لن تفلح أي محاكم وتحقيقات طالما لم تُواجَه القوة بالقوة، وتُواجَه الوفيات بإعدامات شاملة بحق الإرهابيين وقمع عائلاتهم”.
وأضاف: “إن تأكد أن هؤلاء إرهابيو نظام كييف، فمن المستحيل التعامل معهم هم وملهميهم الفكريين بطريقة أخرى، بمن فيهم مسؤولو الدولة التي ارتكبت مثل هذه الجنح”، علماً أن كييف نفت وقوفها وراء الهجوم الذي أثار انتقادات دولية واسعة.
من جهته، أكد الناطق الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أنه جرى إخطار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بواقعة إطلاق النار في “كروكوس سيتي هول” خلال دقائق، موضحاً أن الرئيس يتلقى المعلومات عما يجري، والإجراءات المتخذة، عبر جميع خدمات الاتصال القائمة.
وفي وقت لاحق من ليل أمس، أطلع رئيس جهاز الأمن الفدرالي الروسي ألكسندر بورتنيكوف، ووزير الداخلية فلاديمير كولوكولتسيف، ورئيس هيئة “الحرس الروسي” فيكتور زولوتوف، بوتين على سير التحقيق في الهجوم على “كروكوس سيتي هول”، وفق المكتب الإعلامي للرئاسة الروسية.
وأعلن تنظيم “داعش” الذي استهدف روسيا مرّات عدّة، في بيان على “تليغرام”، أنّ مقاتليه “هاجموا تجمّعاً كبيراً (…) في محيط العاصمة الروسيّة موسكو”. وزعم التنظيم أنّ مقاتليه “انسحبوا إلى قواعدهم بسلام”.
وكان جهاز الأمن الفيدرالي (إف إس بي) قد أفاد بأنّ “الحصيلة الأوّلية للاعتداء الإرهابي الذي وقع داخل مجمّع كروكوس سيتي هول بلغت 40 قتيلاً”، وفق ما نقلت عنه وكالات أنباء محلّية.
وأعلن وزير الصحّة ميخائيل موراشكو في وقت لاحق أنّ 115 شخصاً نُقلوا إلى المستشفى، بينهم خمسة أطفال. ومن بين المصابين، هناك 60 شخصاً بالغاً وقاصر واحد في حالة خطرة.
منتج موسيقي عن هجوم موسكو: هذا ما وقع
وقال أليكسي، وهو منتج موسيقي كان في غرفة تبديل الملابس وقت الهجوم، لـ”فرانس برس”: “قبل البداية مباشرة، سمعنا فجأة رشقات ناريّة عدّة من أسلحة رشّاشة وصراخ امرأة ثمّ الكثير من الصراخ”. وأضاف أنّه رأى الجمهور يتدافع سعياً للهرب.
ووفق صحافي في وكالة أنباء ريا نوفوستي العامّة، اقتحم أفراد يرتدون ملابس مموّهة قاعة الحفل، قبل أن يفتحوا النار ويُلقوا “قنبلة يدويّة أو قنبلة حارقة، ما سبّب نشوب حريق”.
وقال الصحافي: “ارتمى الأشخاص الموجودون في القاعة أرضاً للاحتماء من إطلاق النار لمدّة 15 إلى 20 دقيقة، وبعد ذلك بدأوا بالزحف للخروج. وتمكّن كثيرون من الخروج”.
وامتدّت النيران إلى ما يقرب من 13 ألف متر مربّع من المبنى قبل احتواء الحريق، وفق خدمات الطوارئ. لكن حوالى الساعة الواحد فجراً السبت، كان الحريق لا يزال مشتعلاً، وفق الوزارة التي استخدمت مروحيّات في عمليات الإطفاء.
وأورد التلفزيون الروسي أنّ سقف المبنى انهار جزئياً. ولم تتوافر معلومات عن عدد الأشخاص الذين يُحتمل أن يكونوا محاصرين في الداخل.
ونشرت قناتا “بازا” و”ماش”، المعروفتان بقربهما من الشرطة، على “تليغرام” مقاطع فيديو تظهر مسلّحَين على الأقلّ يتقدّمان في القاعة، وأخرى تظهر جثثاً ومجموعات من الأشخاص يندفعون نحو المخرج. وتظهر صور أخرى متفرّجين يختبئون خلف مقاعد أو يغادرون قاعة الحفلات الموسيقيّة.