تفلس البنوك لأسباب عدة منها ما يتعلق بالأزمات المالية العالمية والركود الاقتصادي، ومنها ما يتعلق ببساطة بـ”سوء الإدارة” أو حتى الرغبة في النمو السريع دون حساب المخاطر، وفي بعض الأحيان قد تلعب عمليات الاحتيال دورا في انهيار بنوك ضخمة تبلغ أصولها مليارات الدولارات.
وفي ما يأتي أبرز الانهيارات المصرفية في العقود الأخيرة، وأغلبها كانت الولايات المتحدة مسرحها الأساسي، وهي مرتبة بحسب ضخامة حجم الانهيار، وقيمة خسارة البنك المنهار:
إفلاس بنك واشنطن ميوتشوال
على الرغم من أن حادثة إفلاس بنك وادي السيليكون في 10 مارس/آذار 2023 قد بدت ضخمة جدا، خاصة أن قيمة أصوله بلغت 209 مليارات دولار، فإن التاريخ قد شهد إفلاسا أكبر من ذلك، مع إفلاس “بنك واشنطن ميوتشوال” (Washington Mutual Bank) الذي بلغت قيمة أصوله 307 مليارات دولار، وأعلن إفلاسه يوم 25 سبتمبر/أيلول 2008.
كان بنك واشنطن ميوتشوال بنك ادخار وقروض رائدا في الولايات المتحدة، وقد بلغ عدد موظفيه أكثر من 43 ألفا، مع 2200 مكتب فرعي في 15 ولاية، وبلغت قيمة ودائعه 188.3 مليار دولار.
وبحلول عام 2008 وخلال مدة لم تتجاوز 10 أيام، سحب المودعون ما يقرب من 17 مليار دولار
من ودائعهم، متعللين بعدم ثقتهم بالبنك.
ويعزى انهيار هذا البنك إلى الفشل الإداري بشكل أساسي، فقد وسّع فروعه بسرعة كبيرة، حتى بات في موطن ضعف في الكثير من المواقع، كما قدم الكثير من الرهون العقارية العالية المخاطر لمشترين غير مؤهلين.
كما قدم قروضا كثيرة للإسكان في كاليفورنيا تحديدا، في وقت كانت فيه أسعار البيوت في انخفاض مفاجئ، وفي نهاية المطاف زادت قيمة كثير منها على 100% من قيمة المنزل.
مع ذلك، كانت هنالك عوامل خارجية ساهمت في انهيار بنك واشنطن ميوتشوال، منها انهيار “أغسطس/آب 2007” للسوق الثانوية للأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري، وإفلاس “بنك ليمان براذرز” في 15 سبتمبر/أيلول 2008، مما جعل المودعين يصابون بالذعر ويبدؤون سحب أموالهم.
إفلاس بنك وادي السيليكون
نما بنك وادي السيليكون بوتيرة سريعة، حيث تضاعفت أصوله 4 مرات تقريبا بين عامي 2018 و2021. وكان البنك السادس عشر في الولايات المتحدة بحلول نهاية عام 2022.
وكانت قيمة أصول “بنك وادي السيليكون” تبلغ 209 مليارات دولار، أما ودائعه فبلغت 175.4 مليار دولار، وأعلن إفلاسه بتاريخ 10 مارس/آذار 2023.
لكن يعتقد المحللون أن هذا النمو السريع كان مؤشر خطر بحد ذاته، فقد حذر الاحتياطي الفدرالي البنك في وقت سابق من احتمال انهياره، وقد أفلس البنك في نهاية المطاف،
ويعزى السبب إلى “سوء الإدارة”.
فقد تراجعت قيمة السندات الحكومية التي كان يشتريها البنك بأموال المودعين مع ارتفاع أسعار الفائدة، لكن الإدارة لم تدرك خطورة الأمر إلا في وقت متأخر، وحاولت جمع السيولة عن طريق بيع بعض سنداتها بخسارة.
أثار ذلك ذعر المودعين الذين سارعوا إلى سحب أموالهم، حيث سحبوا 42 مليار دولار في يوم واحد، ليتحول بنك وادي السيليكون بعد ذلك إلى ثاني أكبر فشل مصرفي في تاريخ بنوك العالم.
بنك سغنتشر
“بنك سغنتشر” (Signature Bank) مؤسسة مصرفية مقرها نيويورك، تمتلك 40 فرعا وأصولا بقيمة 110.36 مليارات دولار، وودائع بقيمة 88.59 مليار دولار.
لكن بعد يومين فقط من إفلاس بنك وادي السيليكون، أغلقت وزارة ولاية نيويورك للخدمات المالية “بنك سغنتشر” بهدف حماية المودعين والحفاظ على استقرار النظام المالي.
وقد تأسس البنك عام 2001 بديلا أكثر ملاءمة للأعمال التجارية للبنوك الكبرى، وتوسعت نشاطاته ليدخل عالم العملات المشفرة عام 2018، مما ساعد على زيادة نمو ودائعه في السنوات الأخيرة.
فقد أنشأ البنك شبكة مدفوعات على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لعملاء التشفير، وكان يملك ودائع بقيمة 16.5 مليار دولار من العملاء المرتبطين بالأصول الرقمية.
وجاء انهيار هذا البنك نتيجة طبيعية مع انتشار حالة الذعر بشأن البنوك ذات المستويات المرتفعة من الودائع غير المؤمنة، ومع تفاقم التحديات التي تواجه البنوك الأميركية، بما في ذلك فترات الركود أثناء جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)، وهبوط أسهم العملات المشفرة.
بنك وصندوق إلينوي الوطني
كان “صندوق إلينوي الوطني” الذي يتخذ من شيكاغو مقرا له، سابع أكبر بنك في الولايات المتحدة والأكبر في الغرب الأوسط، بأصول تقارب 40 مليار دولار.
أنشئ هذا البنك عام 1910، وبدأت إدارته تنفيذ إستراتيجية نمو سريعة أواخر السبعينيات. وبحلول عام 1981، أصبح أكبر مقرض تجاري وصناعي في الولايات المتحدة. لكن مع حلول عام 1982، أصبح من الواضح أن البنك قد استثمر ببعض الأنشطة المحفوفة بالمخاطر.
حظرت اللوائح في ذلك الوقت على البنوك والشركات القابضة لها التفرع وامتلاك البنوك عبر خطوط الولاية، مما دفع العديد منها إلى شراء قروض من بنوك في ولايات أخرى.
اشترى بنك وصندوق إلينوي الوطني مليار دولار من قروض المضاربة المتعلقة بالطاقة من بنك “بن سكوير”، الذي كان مقره في أوكلاهوما، وهي قروض نشأت من طفرة التنقيب عن النفط والغاز في السبعينيات.
انهار بنك “بن سكوير” في يوليو/تموز 1982، وعرض بنك إلينوي للخسائر، وبدأت شائعات الإفلاس تنتشر حوله، مما أفقده ثقة المودعين الذين سحبوا 10.8 مليارات دولار في مايو/أيار 1984، وتسبب في أكبر فشل مصرفي في تاريخ الولايات المتحدة آنذاك.
بنك الجمهورية الأول
كان “بنك الجمهورية الأول” (First Republic Bank-Dallas) أكبر بنك في الجنوب الغربي من الولايات المتحدة، حيث كان يمتلك 20% من جميع القروض التي قدمتها البنوك التجارية في تكساس.
كافح البنك لإدارة قروضه بشكل مناسب والبقاء على رأس التطورات الجديدة، لكن مسؤولي البنك فشلوا في تحديث تقييماته، رغم انخفاض قيم العقارات بنسبة 10% إلى 15% سنويا.
بالإضافة إلى ذلك، استخدمت إدارة البنك توقعات الإيجار المفرطة في التفاؤل، ومعدلات الشواغر المنخفضة، ومعدلات الخصم المنخفضة، للتنبؤ بتوقعات التدفق النقدي الزائفة.
كل ذلك أدى إلى انهيار المؤسسة المصرفية في نهاية المطاف، وأعلن بنك الجمهورية إفلاسه بتاريخ 29 يوليو/تموز 1988، حيث كانت أصوله تبلغ آنذاك 32.5 مليار دولار.
بنك إندي ماك
كان “بنك إندي ماك” (IndyMac) بنكا متخصصا في الرهون العقارية، وله أصول بقيمة 32 مليار دولار، فعُدَّ أكبر مقرض للرهن العقاري بداية الألفية، ومع ذلك فقد فشل فشلاً ذريعاً خلال أزمة الإسكان، وهو أحد أكبر البنوك التي انهارت في تاريخ الولايات المتحدة آنذاك.
تعتبر حالة إفلاس “بنك إندي ماك” مختلفة عن سابقاتها، فقد تأثر البنك بالكثير من العوامل الخارجية قبل أن يصل إلى مرحلة الانهيار، وكان أبرزها الركود الذي طال أمده في أسواق الإسكان والرهن العقاري في الولايات المتحدة.
كما ساهم انخفاض أسعار المساكن، وتشديد معايير الائتمان، مع انهيار سوق الرهن العقاري في الفشل المصرفي للبنك الذي أعلن إفلاسه بتاريخ 11 يوليو/تموز 2008.
مع ذلك، لعب سوء الإدارة في هذا البنك دورا ملحوظا في إفلاسه، فقد انهار وسط عمليات إقراض مكثفة استهدفت مشتري المنازل من ذوي الدخل المنخفض دون حساب المخاطر المفرطة لهذه العملية.
دفع هذا الأمر الوصي على شركة “إنجي ماك بانكورب” (IndyMac Bancorp) لرفع دعوى قضائية ضد الرئيس التنفيذي السابق للبنك ومديري مجلس إدارته، مدعيا أنهم أساؤوا إدارة البنك بشكل متهور حتى عندما كانت لديهم فرص لإنقاذه من الفشل.
وأعقبت انهيار هذا البنك أضرار جسيمة لحقت بالمؤسسات المالية في مختلف أنحاء العالم، مما أدى في نهاية المطاف إلى حدوث ركود كبير.
بنك كولونيال
عام 1980 نما بنك كولونيال من 166 مليون دولار فقط في الأصول إلى أكثر من 25 مليار دولار، وأكثر من 350 فرعا في وقت إفلاسه سنة 2009.
وجاء إفلاسه نتيجة عملية احتيال ضخمة قام بها شخص يدعى لي فاركاس، كان مالكا لواحدة من كبرى شركات الرهن العقاري في البلاد، وهي “تايلور بين آند ويتاكر”، وقد تورطت هذه الشركة في عملية احتيال بقيمة 3 مليارات دولار.
لم يؤد الاحتيال إلى انهيار الشركة وفقدان ألفي موظف وظائفهم فحسب، بل أدى أيضا إلى انهيار بنك كولونيال في ألاباما.
فقد اشترى البنك رهونا عقارية مزورة من شركة تايلور بقيمة مليار دولار، وهو ما تسبب في انهياره، وقد كان ذلك الانهيار واحدا من كبرى عمليات الفشل المصرفي في تاريخ الولايات المتحدة في ذلك الوقت.
المصدر : مواقع إلكترونية