سامي عميمور (28 عاما) فرنسي سوري ينتمي إلى تنظيم ’’الدولة الإسلامية‘‘ (’’داعش‘‘)، فجر نفسه بعد مشاركته في تنفيذ الهجوم على مسرح باتاكلان في العاصمة الفرنسية باريس عام 2015، الذي أسفر عن مقتل 90 شخصا.
تروي الصحافية والسينمائية الفرنسية البريطانية ميريام فرنسوا ما بعد ذلك الهجوم والهجمات الإرهابية عموما في الفيلم الوثائقي التسجيلي ’’العثور على عائشة‘‘ (Finding Aicha) الذي صيغ بإيقاع الأفلام الروائية. تعالج تحديدا العواقب على أولى ضحايا سامي عميمور وهم والده عز الدين ووالدته منى وطفلته عائشة.
بتكليف مشترك من القسم الإنجليزي لهيئة الإذاعة الكندية وهيئة الإذاعة البريطانية (BBC Our World و BBC Arabic)، قامت ميريام فرنسوا بإخراج الوثائقي القصير. تعالج السينمائية الفرنسية البريطانية، التي تربطها علاقة وثيقة بالعالم العربي وتحمله في قلبها، على حد تعبيرها، موضوعا سبّاقا. تحاول إظهار الوجه غير المنظور للإرهاب مسلطة الضوء على عمق الألم الذي يعيشه ذوو الإرهابي. ’’إنهم لا يتشاركون مع ذوي الضحية في الفقدان على مستوى واحد فحسب بل على عدة مستويات‘‘، تقول فرنسوا.
تشابكات الإسلاموفوبيا والإرهاب
تقف الصحافية على مسافة واحدة من أهالي الجناة وأهالي الضحايا وتلتقيهم في منتديات مشتركة في فرنسا وبلجيكا في إطار فعالية بعنوان ’’لنعِد نسج الروابط‘‘ (Retissons les liens) التي تحاول رأب الصدع بين أفراد المجتمع الواحد الذين ’’قسّمهم الإرهاب وتسييس الإرهاب من قبل الحكومات‘‘، كما ترى السينمائية الشابة، مما عزز الخوف من الإسلام.
إن إشراك المجتمع الفرنسي والديّ سامي عميمور بالذنب الذي اقترفه ابنهما يشبه تماما إلصاق هذا المجتمع تهمة الإرهاب بالإسلام. ’’بمجرد أن الإرهابي مسلم، فالمسلمون جميعهم مذنبون مما أباح الإسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية.‘‘ وتؤكد السينمائية أن هذا لم يكن لسان حال عائلة سامي عميمور فحسب بل أيضا العديد من العائلات المسلمة التي التقتها.
شعرت بالحاجة إلى عرض وجهات نظر مزدوجة ومتضادة […] خلّفت الهجمات الإرهابية مجتمعا منقسما ومشتتا يفتقر إلى التعاطف والإنسانية. يضع هذا المجتمع عائلة الإرهابي في خانة الإرهاب متغافلا عن عمق مأساته وتشعبها وتضادها، ولعل فجيعة عائلة الإرهابي هي أضعاف فجيعة عائلة الضحية.
نقلا عن ميريام فرنسوا، صحافية، سينمائية وكاتبة
تشرح المتحدثة أن منى وعز الدين عاشا أولا الفقدان النفسي والمعنوي عندما كانا يشاهدان انزلاق سامي إلى الإرهاب من دون استطاعة ردعه. ’’أن تخسر ابنك وهو بجانبك هي خسارة دراماتيكية جدا، إنه ألم كبير في صدر كل أم وأب‘‘.
المستوى المأساوي الثاني وقع بمغادرة سامي إلى سوريا عام 2013 من دون أدنى فكرة لوالديه أنه تطوع مع ’’داعش‘‘. المستوى الثالث هو لحظة الهجوم في باتاكلان وتفجير سامي نفسه بالحزام الناسف. عز الدين ومنى لا يبكيان الضحايا وابنهما الذي مات فحسب، بل تجتاحهما أيضا مشاعر متضاربة من الحزن والأسى والغضب والأسف والذهول وعدم التصديق بأن من ارتكب الجريمة من صلبهما.
لم أبكِ، لم أذرف دمعة واحدة…كنت حزينا وغاضبا من ابني في آن معا.
عز الدين، والد سامي عميمور
ابني لم يولد إرهابيا، بل هو أصبح إرهابيا […] هذا ليس له علاقة البتة بالإسلام، الإرهاب لا يمت بأي صلة للإسلام.
نقلا عن منى، والدة سامي عميمور
عائشة انتمت صدفة إلى عائلة عميمور
في الوقت الذي قامت فيه العائلة بكل ما في وسعها في تربية ابنها، أصبحت مدانة اليوم ويشار إليها بالأصابع، ’’وِزرٌ ثقيل يلقى أيضا وايضا على كاهل عائلة عميمور التي اخترتها على سبيل المثال لا الحصر‘‘، توضح السينمائية.
علاوة على كل ما سبق، مأساة أخيرة تعيشها هذه العائلة مذ علمت بولادة حفيدتها ’’عائشة‘‘ بعد أيام على هجوم باتاكلان.
عندما بدأ تصوير الفيلم عام 2019، كانت الطفلة تعيش مع والدتها كهينة في مخيم في شمال شرق سوريا، وتبدأ رحلة البحث عنها منذ المشهد الأول.
وكانت السلطات الفرنسية ألقت القبض على كهينة أرملة سامي عميمور عند عودتها من سوريا في الصيف الماضي، وأخذت منها أطفالها الثلاثة ووضعتهم في إحدى دور الرعاية، علما أن الطفلين من زواجها الثاني بعد وفاة سامي.
برأيي أن مأساة والديّ سامي لم يتم فهمها ولم تصل إلى الأسماع […] أنا لا أعتبر أن عز الدين ومنى مسؤولَيْن عن أفعال ابنهما، تماما كما أن جورج سالين والد الضحية لولا التي قتلت في هجوم باتاكلان، ليس مسؤولا عن خيارات سامي… من المؤكد أن سامي وحده هو المسؤول عن أفعاله ولا أحد سواه.
نقلا عن ميريام فرنسوا، سينمائية فرنسية بريطانية
تؤكد المتحدثة على وجوب سقوط الرؤية الثنائية بمعنى أن يكون هناك فريقان يتواجهان: أهالي الضحايا من جهة وأهالي الجناة من جهة أخرى. برأيها ان الاثنين يتشاركان في ألم فقدان أحبتهم، وعبر الحوار والكلمات وتعزيز النقاط الانسانية المشتركة فيما بينهما تتحقق المصالحة.
تشدد المتحدثة على أنها لا تريد على الإطلاق المساواة بين وفاة مرتكب العمل الإرهابي ووفاة الضحية، ’’لا بل إنني أقصد أن ذوي الضحايا من الجانبين يلتقيان في الألم والفقدان، جورج سالين هنا يشبه عز الدين عميمور.‘‘
تشير فرنسوا إلى أن نحوا من 38 ألف أجنبي يعيشون في المخيمات شمال شرق سوريا، 60% منهم أطفال وعائشة تمثلهم جميعهم. ’’عائشة هي ضحية جانبية لخيارات والدها وهي تمثل كل الأطفال الذين ولدوا في سوريا في المخيمات ولم يختاروا أن يكونوا جزءاً من الحرب أو أن يشاركوا في أفعال أهلهم وخياراتهم.‘‘