لأول مرة منذ عامين يعود لعيد الفصح، غدا الأحد حسب الطقس المسيحي الغربي، رونقه وبهجته.
صدحت الكنائس المشرقية في مونتريال من جديد بأجواق المؤمنين وابتهالات الحشود المصلّية يوم عيد الشعانين بحسب الطقس المسيحي الغربي يوم الأحد الماضي.
اكتظت الكنائس لأول مرة منذ عامين وسط أجواء من الألفة والبهجة والحبور، وقد تزين الأطفال بأبهى حلّة حاملين شموع العيد في ظل طقس كان على الموعد أيضا وسمح بخروج جموع المصلين إلى الخارج والتطواف حول الكنائس.
رجعنا، نشكر الله
تقول لي السيدة فريال كرم المتطوعة في خدمة دير وكنيسة القديس مار أنطونيوس (نافذة جديدة) للرهبانية اللبنانية المارونية في حيّ أوترومون في وسط مدينة مونتريال.
بشائر الفرح بادية على وجهها وتقول إنها مسرورة جدا برؤية أبناء الرعية يعودون إلى حضن الكنيسة بعد طول غياب. إن أكبر أجر لي هو هذه العودة للمؤمنين إلى بيت الله، كنا نراهم يعودون رويدا رويدا منذ بدء الصوم الكبير ولكن عددهم الكبير اليوم أعاد فيّ الروح.
لقد تهافت الناس على شراء شموع الشعانين لأطفالهم قبل ثلاثة أسابيع، الأمر الذي لم نكن نشهده في السنوات الماضية قبل الكوفيد، حيث كانت الشموع تنفذ فقط في يوم عيد الشعانين.
نقلا عن فريال كرم الناشطة في كنيسة مار أنطونيوس الكبير في مونرتريال
على الرغم من أن قيود التباعد الاجتماعي زالت ولم يعد هناك حد أدنى مسموح به في الكنيسة إلا أنه لم يسمح بعد بإزالة القناع الواقي وسط الحشود وفي التجمعات الشعبية.
وترى السيدة كرم بأنه لم يظهر أي انزعاج من الناس بلبس الكمامة. لا بل فهي وجدت أنهم أكثر استرخاء وثقة وسلاما.
خلال العامين الماضيين كنا نلمس الخوف والرعب عند أبناء الرعية من جائحة كوفيد-19 وخطر العدوى منها، وهذا ربما عزّز التزامهم بالتدابير الوقائية ولم تحدث أية مشاكل
نقلا عن فريال كرم تؤكد محدثتي أن شرطة مونتريال زارت مرة واحدة دير مار انطونيوس بعد شكوى مفادها أنهم يستقبلون عددا أكبر من المؤمنين من العدد المسموح به. ولكن رجال الأمن لم يحرروا بنا أية مخالفة لأننا كنا نتبع القوانين بحذافيرها. فعدا عن صالة الكنيسة، هناك صالتان كبيرتان في المبنى ساهمت في استقبال حد أقصى من المصلّين، إذ كانت السلطات دوما تعطي العدد الأقصى المسموح به في صالة واحدة.
كاهن الوباء
قد يكون لقبا مقيتاً، أن يلّقب شخص بإسم وباء قاتل. ولكن هذه التسمية كاهن الكوفيد
محببة إلى قلب ضيفي الاب راجي (إيلي) صالح، الكاهن المساعد في كنيسة سيدة البشارة لطائفة الروم الملكيين (نافذة جديدة)في غرب مونتريال، التي تتبع أيضا الطقس المسيحي الغربي.
عمر ضيفي في الكهنوت من عمر الكوفيد، فهو ارتسم كاهنا في مونتريال في أول حزيران/يونيو 2019، لتأتي الجائحة بعد شهور قليلة وتخرّب عليه كل المخططات والمشاريع وتقعده في المنزل.
أطلق علّي أحد أبناء الرعية لقب كاهن الكوفيد، وأنا كنت جد ممتن لأنني اعتبر هذا مديحا وليس شتيمة. فأنا الكاهن الذي وجد نفسه منذ البداية على فوهة بركان، وبدأ التحدي لرسالة لن تكون بدايتها سهلة.
نقلا عن الأب راجي (إيلي) صالح
يسرد ضيفي أنه أطلق طيلة الشهور الأربعة الأولى في الموجة الأولى من الجائحة رسالة رجاء
قصيرة بصوته عبر قناة يوتيوب للعائلات المسيحية. حضّ الكاهن الكندي المصري في رسائله المسيحيين على الثبات في إيمانهم على الرغم من كل الصعوبات المحيطة بهم، خصوصا أن أخبار انتشار الوباء القاتل كانت تشيع أجواء الهلع والذعر في نفوس الجميع.
كاهن الكوفيد التفت إلى الأشخاص المعزولين بسبب الحجر وأخذ على عاتقه مسؤولية التواصل معهم للتخفيف من آلام الوحدة التي هي أمرّ من الكوفيد.
إن دعوتي ورسالتي الكهنوتية تعمّقت أكثر فأكثر مع موجات جائحة كوفيد-19 الخمسة، ولا لم أيأس أو أُحبط أو أقنُط من رحمة الله.
نقلا عن الكاهن المساعد في كنيسة سيدة البشارة راجي صالح
إيمان المسيحي الممارس للشعائر الدينية تعمّق وغير المؤمن بدأ بطرح الأسئلة
يرى الأب راجي صالح إيجابية حملتها الجائحة لتغيير العلاقة مع الله ومع الإيمان ومع أفراد الأسرة الواحدة.
إن المسيحي الممارس لدينه اكتشف أنه يمكن له أن يجد الله خارج جدران الكنيسة أيضا والزوج تعرّف أكثر على زوجته وأولاده عندما لزم كل أفراد العائلة المنزل في الشهور الستة الأولى.
طبعا لم تكن كل الألوان وردية وحصلت بعض حالات الطلاق والانفصال بسبب أن الزوجين لم تسمح لهما الظروف من قبل بالتواجد لوقت طويل تحت سقف واحد.
يقول محدثي إن المسيحيين الذين لا يمارسون الشعائر الدينية أو يواظبون على الصلوات حملتهم الجائحة إلى التساؤل عن جدوى تكديس المال وتحقيق الثروة والقوة، في الوقت الذي لا يمكن لأي من هذه العناصر أن تقيهم من شر الموت. كذلك بدأ الأشخاص غير المؤمنين أو الملحدين بطرح الأسئلة ليعيد عدد منهم حساباته ويبدأ بطرح الأسئلة من جديد عن إله خالق السماوات والأرض.
يجيب محدثي عما يدعيه البعض بأن هناك مؤامرة ضد دور العبادة فيقول: أنا أؤمن أن هناك مؤامرة على الكنيسة من الشيطان لأنه عدو الخير، “إن أي شرّ هو من الشيطان”، على حدّ تعبيره.
في كل الأحوال، يتابع محدثي، لا يترتب علي تحليل كل نظريات المؤامرة التي يتم ادعائها، المهم أن أقوّي علاقتي مع الله وأبدأ بنفسي ومن ثم ضمن عائلتي وبعد ذلك في كنيستي لانتهي بمجتمعي. إنها سلسلة مترابطة تقوّي بعضها البعض
.
عبارة أرددها دوما: أنا حَ صلّي مهما حصلي
نقلا عن الكاهن الشماس سابقا في القاهرة راجي صالح
تشبه هذه العبارة التي يعتنقها الأب صالح جملة انتشرت خلال الجائحة في كندا وعُلقت على شبابيك البيوت وفي المستشفيات ودور العجزة وفي كل مكان عام، تقول: ستسير الأمور إلى أفضل
.
إنني كمسيحي، مدعو في الشدة إلى أن أعيش إيماني والرجاء والمحبة والسلام، أن أعيش الفرح على الرغم من الألم. لأننا نؤمن بمسيح قائم من بين الأموات.
وعما إذا كان التوافد إلى الكنيسة قد عاد إلى سابق عهده قبل الجائحة فيقول الأب راجي صالح بأن العدد لا زال أقل من المعتاد. ويشرح محدثي أن سبب ذلك قد يعود إلى أن عددا من أبناء الرعية لا يزالون يتخّوفون من الوباء، ويمكن أن يكون البعض قد اعتاد على متابعة الاحتفالات والقداسات عبر المنصات الالكترونية، التي لا زالت تنقل الاحتفالات والقداسات في شكل مباشر إلى اليوم من الكنائس المشرقية في مونتريال.
هذا وأعرب محدثي عن ثقته بأن العودة حضوريا إلى الكنيسة تتم تدريجيا وستعود المقاعد لتغّص من جديد بالمصلين، وإن أخذ هذا الأمر المزيد من الوقت ليتحقق.
يجوز أن تكون هناك ميزة في الجائحة هي أنها جعلت المؤمن يكتشف أن حضور الله وأعماله لا ينحصر وجودها في الكنيسةفحسب، لا بل ايضا في حياتهم ككل، فالله موجود في البيت وداخل الأسرة وفي العمل والحي والمجتمع.نقلا عن الأب راجي صالح
يقول ضيفي الكاهن المتزوج والأب لشابتين بأن دعوته الكهنوتية تتعمق يوما بعد يوم في كندا، فإلى جانب تحديات الكاهن المتزوج وتحديات الجائحة، هناك تحديات المجتمع الكندي المتنوع الثقافات والأعراق والأديان، وكل ذلك يساهم في إضفاء الغنى والعمق والالتزام على رسالته الكهنوتية