توقع أحد الخبراء فرضية فشل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تحقيق هدفه المعلن بضم كندا بالقوة الاقتصادية، وطرح سؤالا مثيرا للجدل، ماذا سيحدث إذا أمر أقوى جيش في العالم بغزوها؟
ويرى بعض الخبراء والأكاديميين أن هذه فكرة سخيفة للغاية لدرجة يصعب معها حتى التفكير فيها، لكن عائشة أحمد ليست واحدة منهم.
وقالت أستاذة العلوم السياسية بجامعة تورنتو، التي نشرت الشهر الماضي مقالًا حول هذا الموضوع في مجلة “ذا كونفرزيشن”: “عندما ننظر إلى اختلال توازن القوة بين الولايات المتحدة وكندا، فإن الغزو سيؤدي فورًا إلى هزيمة القوات المسلحة الكندية”.
وأضافت: “لكن النصر العسكري التقليدي ليس نهاية المطاف، إنه مجرد البداية”.
بدأ ترامب التفكير علنًا في جعل كندا الولاية رقم 51 في ديسمبر، وفي 7 يناير، قال إن الولايات المتحدة قد تستخدم الجيش للسيطرة على غرينلاند وقناة بنما.
وعندما سُئل في ذلك اليوم عما إذا كان سيستخدم القوة العسكرية لضم كندا، أجاب: “لا، القوة الاقتصادية”.
وتركت هذه التعليقات التحريضية الكنديين يتساءلون إلى أي مدى سيذهب ترامب لتحقيق مثل هذا الاستيلاء الجريء على السلطة.
وتقول عائشة أحمد، التي درست التمرد لأكثر من 20 عامًا، إنه إذا كانت الولايات المتحدة “متهورة” بما يكفي لغزو جارتها الشمالية، فإن القمع العنيف للشعب الكندي سيُنذر ببداية مقاومة تستمر عقودًا.
وقالت عائشة، التي عملت مستشارة للجنرالات في البنتاغون بشأن استراتيجيات مكافحة التمرد: “من المستحيل ضم كندا دون عنف، لا أحد يولد متمردًا أو مقاتلًا في المقاومة، هذا شيء يحدث للناس عندما تُقتل أمهاتهم، أو عندما لا يتمكن أطفالهم من الوصول إلى المستشفى، الناس يقاومون لأنهم مضطرون لذلك”.
وأوضحت إنه لولا ذلك، لكان المواطنون العاديون قد بدأوا في الانخراط في عصيان مدني خفيف، قطع الأسلاك، وتحويل الأموال، وإحباط المحتلين بطرق بسيطة.
قد يتصاعد آخرون إلى أعمال تخريب وكمائن وغارات، تنشر الفوضى وتستنزف ببطء طاقة الجيش الغازي وموارده.
وسيوفر الجيران للمتمردين ملاذات آمنة، مما يسمح لهم بالتلاشي والعودة إلى صفوف السكان.
وكتبت أحمد في صحيفة “ذا كونفرسيشن”: “تُظهر الأبحاث حول حروب العصابات بوضوح أن الأطراف الأضعف يمكنها استخدام أساليب غير تقليدية لشل عدو أقوى على مدى سنوات عديدة”.
ولو عمل واحد بالمائة فقط من سكان كندا على تقويض القوات الأمريكية، لكان ذلك 400 ألف متمرد، وهذا يُعادل حوالي عشرة أضعاف عدد مقاتلي طالبان الذين صمدوا أكثر من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة خلال حرب وحشية استمرت 20 عامًا في أفغانستان، كما قالت أحمد.
وقالت إن للأمريكيين سجلًا ضعيفًا في مكافحة التمرد، مشيرةً إلى الحروب التي قادتها الولايات المتحدة في العراق وفيتنام وأماكن أخرى.
من جهته، وافق هوارد كومبس، مدير مركز الملكة للسياسة الدولية والدفاعية في كينغستون، أونتاريو، على أن الغزو الناجح لن يستغرق وقتًا طويلاً، لكنه أصر على أنه لن يكون عنيفًا بشكل خاص.
وقال إن الجيش الأمريكي سيحاول الحد من حجم الدمار والقتل لمنع خلق شعب ساخط.
وأضاف أن هذه الاستراتيجية أظهرت بعض النجاح للجيشين الأمريكي والكندي خلال حرب أفغانستان.
كومبس، الذي تقاعد من الخدمة بدوام كامل في الجيش الكندي عام 2003، طعن أيضًا في قدرة الكنديين على شن مقاومة طويلة وعنيفة.
وقال: “جميعنا نميل إلى الاعتقاد في أعماق قلوبنا بأننا سنقاتل حتى النهاية، لكنني بصراحة لا أعتقد أن هذا سيكون الحال”، مضيفًا أن التمرد لن يدوم طويلًا لأن الإمدادات ستنفد بسرعة.
وتابع : “ليس لدينا حدود سهلة الاختراق تسمح بشحن الإمدادات إلى الكنديين… هل ستشحن روسيا مواد عبر ألاسكا إلينا؟ هل سنحصل على إنزال جوي من المملكة المتحدة؟”
وجادلت أحمد بأن روسيا والصين ستكونان حريصتين على دعم أي صراع من شأنه أن يضعف قوة أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم.
وقالت إن البلدين يمكنهما تهريب الأسلحة والإمدادات سرًا عبر وكلائهما.
في غضون ذلك، قال المؤرخ العسكري الأمريكي إليوت كوهين إن على الكنديين ألا يقلقوا بشأن غزو أمريكي.
وقال كوهين، العميد السابق لكلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة في واشنطن العاصمة: “الفكرة برمتها سخيفة، حتى هذه الإدارة (الأمريكية) الغبية لن تحلم بفعل ذلك”.
وقال كوهين إنه لا ينبغي أخذ تهديدات ترامب وتهديداته على محمل الجد.
في مقال نُشر مؤخرًا في مجلة “ذا أتلانتيك”، استخدم كوهين أسلوبًا ساخرًا لتحذير الأمريكيين من غزو كندا، مشيرًا إلى أن المحاولات السابقة أدت إلى نتائج كارثية.
ويبدأ استعراضه للإخفاقات العسكرية الأمريكية في عام 1775، عندما غزت القوات الأمريكية كيبيك، حيث وزعت منشورات – مترجمة إلى الفرنسية – تعلن بشكل غريب: “لقد تم غزوكم إلى الحرية”، انتهت الحملة بهزيمة نكراء للجيش القاري الأمريكي في ديسمبر 1775.
وخلال حرب عام 1812، قال الرئيس الأمريكي السابق توماس جيفرسون إن غزو كندا “مجرد زحف”.
وكتب كوهين: “هذا غير صحيح، شنت الولايات المتحدة ثماني أو تسع غزوات لكندا خلال حرب عام 1812، ولم تنتصر إلا في معركة واحدة عقيمة، أما في بقية الأوقات، فقد مُنيت بهزيمة نكراء”.
وقال كوهين إنه أراد أيضًا تذكير الأمريكيين بالتضحيات الجسيمة التي قدمتها كندا خلال الحربين العالميتين وفي أفغانستان. هلا كندا