لا تزال التصريحات التي أدلى بها الرئيس التونسي، قيس سعيد، الأسبوع الماضي، بشأن المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء في بلاده، تثير ردود الفعل سواء في تونس أو في أماكن أخرى من العالم.
وكان الرئيس التونسي قد دعا الثلاثاء الماضي خلال اجتماع لمجلس الوزراء إلى اتخاذ إجراءات عاجلة ضد الهجرة غير الشرعية لمواطني دول إفريقيا جنوب الصحراء.
أضاف قيس سعيد أن وصول ’’جحافل من المهاجرين غير الشرعيين هو جزء من مشروع إجرامي نشأ في مطلع هذا القرن لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس حتى يتمّ اعتبار تونس دولة أفريقية فقط وتمسّ بطابعها العربي الإسلامي.‘‘
ووصف هؤلاء المهاجرين بأنهم ’’مصدر عنف وجرائم وأفعال غير مقبولة‘.‘
وسرعان ما تمّ تنظيم مظاهرة يوم السبت في العاصمة التونسية للتنديد بهذا الخطاب الذي وصفه المشاركون بأنه ’’عنصري وفاشي‘‘.
وفي بيان، ندّد رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي موسى فكي ’’بشدة التصريحات الصادمة التي صدرت عن السلطات التونسية ضد الاخوة الافارقة والتي تتعارض مع نصّ وروح منظمتنا ومبادئنا التأسيسية.‘‘
ووفقاً للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (Forum tunisien pour les droits économiques et sociaux – FTDES)، فإن ’’تونس هي موطن لأكثر من 21.000 مواطن من دول إفريقيا جنوب الصحراء ، معظمهم في وضع غير نظامي.‘‘
ويبلغ عدد سكان البلاد حوالي 12 مليون نسمة.
وفي مقابلة مع راديو كندا الدولي، عبّرت هدى مزويدات، الناشطة الكندية التونسية المناهضة للعنصرية، عن غضبها من تصريحات الرئيس التونسي.
ورغم أنها تجنّبت وصف تصريحات قيس سعيّد بـ’’الفاشية‘‘، إلا أنها لم تتردد في القول إنها ’’تصريحات شوفينية وشعبوية.‘‘
وأضافت أنّها لم تتفاجأ من تصريحات الرئيس التونسي ’’لأن تونس نفسها تُنكر دائمًا هويتها [الأفريقية] السوداء‘‘، على حد قولها.
لقد تمّ محو التونسيين السود من الهوية التونسية.
نقلا عن هدى مزيودات
وبعد سقوط الدكتاتور التونسي السابق زين العابدين بن علي في 2011، شاركت هذه الطالبة في العلوم السياسية بجامعة تورنتو والمتخصصة في الشؤون التونسية والليبية في حراك التونسيين السود الذين ناضلوا من أجل إصدار قانون مناهض للعنصرية – وتمّ اعتماد هذا القانون في 2018.
وبالنسبة لهُدى مزيودات، هناك جانب ’’إيجابي‘‘ في هذا الجدل إذا ’’أخذنا بعين الاعتبار‘‘ ردة فعل التونسيين الذين خرجوا للتظاهر.
’’أوشكتُ على البكاء. لأوّل مرة ، يشعر التونسيون بكلّ ما أعانيه منذ أن كنت في الثالثة من عمري بصفتي تونسية سوداء .‘‘
دعمٌ لقَيس سعيد
لم يلق خطاب الرئيس التونسي الشجب فقط، بل وجد أيضا داعمين له.
فقد دعا الحزب القومي التونسي على وسائل التواصل الاجتماعي إلى دعم الرئيس في تحرّكه ’’ضد أولئك الذين يزعمون أن شمال إفريقيا كلها سوداء.‘‘
وفي مقابلة هاتفية مع راديو كندا الدولي، أكد سفيان بن الصغيّر، رئيس هذا الحزب، أن هناك ’’خطة أوروبية مُعلَنة لتوطين المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء في تونس حتى لا يصلون إلى أوروبا.‘‘
وكدليل، على حد قوله، ذكّر بتصريحات ثيو فرانكن، وزير الدولة البلجيكي السابق للجوء والهجرة ، الذي أكد في عام 2018 أنه ’’يجب على تونس استقبال المهاجرين [من جنوب الصحراء] ، ليس هناك حل آخر.‘‘
وبالنسبة لرئيس الحزب القومي التونسي، فإن الدول الأوروبية تموّل المنظمات غير الحكومية التي تدافع عن حقوق الإفريقيين من جنوب الصحراء لتنفيذ هذه الخطة.
ونفي أنّه من دعاة نظرية المؤامرة. ’’الهجرة من إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس تتخذ أشكالًا منظمة خارج القوانين التونسية. لديهم جمعيات غير قانونية وراديو. بل حتّى أنّه كانت هناك دعوات لإنشاء مجموعات للدفاع الذاتي في تونس مكونة أفارقة من جنوب الصحراء.‘‘ كما أكّد.
وقد نشر حزبه تقريرا وثّق فيه ’’كل هذه المخالفات.‘‘
نحن ندعم رئيس الجمهورية عندما يتحدث عن محاولات تغيير التركيبة الديمغرافية لتونس وكذا كافة الإجراءات التي ستُتَّخذ لتطبيق قانون إقامة الأجانب على التراب التونسي.
نقلا عن سفيان بن الصغير
ورفض هذا الأخير الاتهامات الموجّهة لحزبه بالعنصرية. ’’لقد قلنا ذلك مراراً وتكراراً : ليس لدينا أي شيء ضد لون بشرة هؤلاء المهاجرين. إنها مسألة مواجهة الاستيطان‘‘، كما قال.
ومن جهتها ، تخشى هُدى مزويدات من أن يؤدي هذا الجدل إلى اعتداءات وتجاوزات ضد المهاجرين الأفارقة.
ونقلت وسائل الإعلام التونسية أخباراُ عن طرد مهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء من مساكنهم. وقد تجمّع بعضهم أمام سفارات بلدانهم طلباً للترحيل.
وذكر سفيان بن الصغير أن حزبه ’’دعا فقط إلى تبليغ الشرطة عن المهاجرين غير الشرعيين. حتى أننا رفضنا تنظيم مظاهرات لتجنب الانزلاقات.‘‘
وطمأن الخميس الماضي الرئيس التونسي المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء ’’الذين يقيمون في تونس بصفة قانونية.‘‘
وأضاف ’’ أودّ أن أتوجّه إلى كلّ المسؤولين في كل المستويات، أن أوصيهم خيراً بكلّ الأشقّاء الأفارقة المقيمين في تونس بصفة قانونية، وأن لا يتعرّضوا لأحد بسوء.‘‘
لكنّه شدّد على أنّه ’’لا يمكن أن نسمح لأيّ شخص بأن يقيم بصفة غير قانونية.‘‘
(مع معلومات من وكالة فرانس بريس.)