شهد عام 2023 أحداثاً مناخية متطرفة تمثلت بحالات الجفاف الشديد، وحرائق الغابات المروعة، والفيضانات والأعاصير العارمة، وارتفاع درجات حرارة سطح الأرض والمحيطات إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة، وازدياد معدلات ذوبان الجليد في قطبَي الكوكب.
ويتفق العلماء على أن زيادة حرارة الأرض هي نتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري التي تنتج بدورها عن زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن النشاط البشري في قطاعات النقل والصناعة وإنتاج الطاقة اعتماداً على الوقود الأحفوري، التي تشكل طبقة عازلة للأرض تؤدي إلى رفع متوسط درجة حرارتها وتغيير أنماط المناخ على المدى الطويل.
يساهم الاحترار العالمي في زيادة شدة موجات الحر وزيادة التبخر على سطح الأرض، مما قد يفاقم موجات الجفاف، ويخلق الظروف الملائمة لحرائق الغابات، كما يرتبط الاحترار العالمي بأحداث هطول أمطار غزيرة وحدوث أعاصير كثيفة ومدمرة نتيجة زيادة قدرة الهواء على الاحتفاظ بالرطوبة.
نسلط الضوء في هذا التقرير على أبرز الأحداث المناخية والأرقام القياسية التي حطمها المناخ في عام 2023 الذي اختتم بقمة مناخية عالمية في محاولة لإنقاذ كوكب الأرض.
أرقام قياسية مناخية
حطَّم عام 2023 الأرقام القياسية المناخية وأصبح العام الأعلى حرارة في تاريخ البشرية، ومع ارتفاع مستويات الغازات الدفيئة، وارتفاع حرارة سطح البحر، وانخفاض قياسي في الجليد البحري في القارة القطبية الجنوبية، شهد العالم ظواهر جوية متطرفة، تمثلت في الجفاف الشديد ونقص إمدادات المياه، وأعاصير وفيضانات عارمة خلّفت وراءها الموت والدمار.
ومن المتوقع أن تبلغ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية أعلى مستوياتها على الإطلاق هذا العام، وفق تقرير صدر مؤخراً عن مركز أبحاث المناخ في النرويج (CICERO).
وتُظهِر بيانات صادرة عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن المتوسط العالمي لدرجة الحرارة بالقرب من السطح عام 2023 (حتى أكتوبر/تشرين الأول) زاد بنحو 1.40 درجة مئوية عن درجة الحرارة المرجعية في عصر ما قبل الثورة الصناعية، فيما ارتفعت درجات حرارة سطح البحر إلى مستويات قياسية في الشهور من أبريل/نيسان حتى سبتمبر/أيلول، وتظهر البيانات أيضاً ارتفاع مستوى سطح البحر في عام 2023 إلى مستوى قياسي يعكس استمرار ارتفاع درجة حرارة المحيطات، وكذلك ذوبان الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية.
تشير المنظمة أيضاً إلى انحسار مساحة الجليد البحري في القارة القطبية الجنوبية إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق منذ 1979 حتى الوقت الحاضر، وسجَّلت مساحة الجليد مستوى قياسياً منخفضاً في يونيو/حزيران والشهور التي تليه.
وأثرت الحرارة الشديدة في أجزاء كثيرة من العالم، أبرزها جنوب أوروبا وشمال إفريقيا، خصوصاً في النصف الثاني من شهر يوليو/تموز، إذ وصلت إلى مستويات قياسية في تونس العاصمة (49 درجة مئوية)، وأغادير المغربية (50.4 درجة مئوية) والجزائر العاصمة (49.2 درجة مئوية).
ظاهرة النينيو
شكلت ظاهرة النينيو عام 2023 أحد أكبر وأبرز الأحداث المناخية فيه، إذ أصبح المحيط الهادي الاستوائي أكثر دفئاً بمقدار 3 درجات مئوية.
وأعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في مايو/أيار عن انتهاء ظاهرة النينيا الباردة التي دامت ثلاث سنوات، والتي كانت بمثابة كابح مؤقت للزيادة في درجات الحرارة العالمية، ما يسمح بتطور ظاهرة النينيو المعاكسة لها، وقد يؤدي إلى ارتفاع جديد في الاحترار العالمي، وزيادة فرصة بلوغ أرقام قياسية جديدة في درجات الحرارة تكون أكثر وضوحاً في عام 2024.
وترتبط ظاهرة النينيو بحدوث فيضانات على السواحل الغربية لبيرو والإكوادور، ويمكن لظاهرة النينيو القوية أن تضيف ما يصل إلى 0.2 درجة مئوية إلى متوسط درجة حرارة الأرض.
أزمات المياه والجفاف
واجهت أوروبا ربيع هذا العام أزمة مياه حادة تفاقمت بسبب الجفاف الذي دام سنوات عديدة، نتيجة لانخفاض هطول الأمطار والثلوج في فصل الشتاء.
أثرت الندرة المستمرة وموجات الحر سلباً على المحاصيل، واضطر بعض الدول الأوروبية، مثل إسبانيا، إلى فرض قيود على استخدام المياه لأغراض الزراعة والصناعات وكذلك لري الحدائق العامة وإعادة ملء حمامات السباحة وسط شهر أبريل/نيسان الأكثر جفافاً في تاريخ البلاد.
وشهدت فرنسا شتاءً هو الأكثر جفافاً منذ ستة عقود، إذ بقيت لأكثر من 30 يوماً متتالياً من دون هطول كميات كبيرة من الأمطار في الفترة ما بين يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط هذا العام، وبالإضافة إلى ذلك، كان تساقط الثلوج منخفضاً للغاية، مما يعني انخفاض ذوبان الثلوج لإعادة تغذية الأنهار في الربيع.
وفي إيطالياً انخفض تساقط الثلوج بنسبة 64% بحلول منتصف أبريل/نيسان على المستوى الوطني مقارنة بالسنوات الـ12 الماضية، وتراجع نهر بو إلى أدنى مستوى له كما حدث في الصيف الماضي، وانخفض مستوى بحيرة غاردا شمالاً إلى أقل من نصف مستواها المتوسط.
فيضانات وأعاصير
شهد عام 2023 فيضانات وأعاصير مدمرة في أنحاء عدة من العالم، وتُعَدّ المحيطات مصدر تغذية الأعاصير المدارية بالطاقة، ومع استمرار ارتفاع درجة حرارة سطح المحيط تزداد معدلات التبخر ويحمل الهواء الدافئ بخار الماء إلى طبقات الجو المرتفعة، إذ يشكل سحباً ركامية كثيفة تغذي الأعاصير وتحملها بكميات كبيرة من الهطولات المطرية الغزيرة.
ويصنف الإعصار المداري فريدي، الذي تشكل في فبراير/شباط وحتى مارس/آذار، أحد أطول الأعاصير المدارية عمراً في العالم، وخلف دماراً كبيراً وعشرات القتلى ومئات المشردين في مدغشقر وموزمبيق وملاوي.
ليبيا:
اجتاح الإعصار المتوسطي دانيال مناطق في شرق ليبيا في 10 سبتمبر/أيلول، وأدى إلى فيضانات كبيرة تركزت في درنة التي تضررت بشكل كبير نتيجة انهيار سدود المياه فيها، وخلفت الفيضانات دماراً واسعاً أودى بحياة الآلاف من سكان المدينة، وأضراراً جمّة لحقت بالبنى التحتية في المدينة.
الصين:
شهدت الصين نهاية شهر يوليو/تموز فيضانات اجتاحت المدن الكبرى، وهطولات مطرية في العاصمة بكين تجاوزت 140 مليمتراً، تزامناً مع مرور بقايا إعصار دوكسوري، الذي يُعَدّ إحدى أقوى العواصف التي تضرب الصين منذ سنوات، وأدت الأمطار الغزيرة إلى مقتل العشرات في أماكن متفرقة من البلاد ونزوح وإجلاء مئات الآلاف من منازلهم.
وغمرت الأمطار الغزيرة المرتبطة بإعصار ساولا، التي تجاوزت 158 ميلمتراً، مدينة هونغ كونغ وأصابت الفيضانات المفاجئة المدينة بالشلل التام مطلع سبتمبر/أيلول، وتسببت بتعطيل حركة النقل البري والجوي وتعطيل ثاني أكبر سوق للأوراق المالية في قارة آسيا.
إسطنبول:
شهدت مناطق في مدينة إسطنبول التركية، مطلع سبتمبر/أيلول، فيضانات مفاجئة نتيجة سقوط أمطار غزيرة ألحقت أضراراً بالممتلكات والأرواح، وسجلت مناطق في القسم الأوروبي من المدينة هطولات بلغت 125 كيلوغراماً للمتر المربع الواحد، ما أدى إلى وفاة شخصين وتضرر مئات المنازل ومقرات العمل.
الأمريكتان:
شهدت سواحل أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية أعاصير مدارية تطورت سرعتها بشكل مفاجئ وأدت إلى دمار كبير وخسائر في الأرواح على سواحل المحيط الهادي والأطلسي والبحر الكاريبي.
وفي هايتي تسببت الأمطار الغزيرة مطلع يونيو/حزيران في فيضان الأنهار وحدوث انهيارات طينية في معظم المقاطعات، أدت إلى مقتل العشرات وتشريد آلاف الأُسَر، ودمر إعصار إداليا مساحات واسعة من ولاية فلوريدا الأمريكية نهاية أغسطس/آب كعاصفة من الفئة 3.
كما ضرب إعصار لي السواحل الأطلسية لكندا والولايات المتحدة في سبتمبر/أيلول، وتحول خلال 24 ساعة من عاصفة مدارية من الفئة الأولى إلى إعصار مدمر من الفئة الخامسة مع رياح عاتية بسرعة 249 كيلومتراً في الساعة.
وفي المكسيك تحوّل الإعصار أوتيس نهاية أكتوبر/تشرين الأول من عاصفة استوائية إلى إعصار خطير للغاية من الفئة الخامسة في غضون 12 ساعة فقط، إذ بلغت سرعة الرياح نحو 270 كيلومتراً في الساعة، وألحق أضراراً بالغة بأكثر من 270 ألف منزل ومنتجع سياحي، إضافة إلى عشرات القتلى والمفقودين.
حرائق الغابات
سجلت حرائق الغابات في كندا أرقاماً قياسية باعتبارها الأكبر في تاريخ البلاد ومن بين أكبر الحرائق على مستوى العالم خلال السنوات العشر الماضية، إذ قدرت مساحة الغابات المتضررة فيها في أكتوبر/تشرين الأول بنحو 18.5 مليون هكتار.
كما اندلعت في المنطقة الحرجية بجزيرة ماوي في ولاية هاواي، أوائل أغسطس/آب، أعنف حرائق الغابات التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأعوام المئة الأخيرة، قُتل خلالها أكثر من مئة شخص.
وفي اليونان تجددت حرائق الغابات في أغسطس/آب وأدت إلى مقتل 20 شخصاً وفقدان آلاف الهكتارات من الغطاء النباتي، بعد أسابيع من تعرض جزيرتَي رودس وكورفو لحرائق غابات واسعة في يوليو/تموز، أجبرت السلطات على إجلاء أكثر من 20 ألف شخص، معظمهم من السياح.
كما تجددت حرائق الغابات في الجزائر في سبتمبر/أيلول تزامناً مع موجة حر غير اعتيادية ضربت شمال البلاد، إذ تجاوزت درجات الحرارة في بعض المناطق 40 درجة مئوية، بعد حرائق سابقة شهدتها البلاد في يوليو/تموز، أدت إلى مقتل 34 شخصاً وإصابة العشرات.
TRT عربي