في مدينة مونتريال، تزامن اثنين الفصح بحسب الطقس المسيحي الغربي يوم الأول من نيسان/أبريل الماضي، مع إطلاق العرض الأول خارج لبنان لفيلم ’’الرب يراني‘‘ عن سيرة حياة الطوباوي الأخ اسطفان نعمة من الرهبانية اللبنانية المارونية، بتوقيع السينمائي اللبناني طوني نعمة.
لمن أتى لحضور الفيلم بداعي التعرف على الكثير عن حياة الطوباوي الأخ اسطفان نعمة فهو بلا شك رُدّ خائبا. ويعود السبب في ذلك بحسب السينمائي إلى ندرة المضمون الروائي عن سيرته. وقد استقى كاتب الفيلم منير معاصري معلوماته من كتاب ’’في أثر الأخ اسطفان‘‘ للأب ايلي قزّي وكتاب نثري بعنوان ’’ابن الضيعة‘‘ للأب الراحل يوسف خشان. وعن استخدام قصص الأعاجيب للطوباوي المؤرخة في سجلات الرهبانية المارونية لدعم وإثراء المعالجة الدرامية، يقول طوني نعمة ’’إن ولوج هذا الباب قد يمسّ بدعوى تقديسه في حاضرة الفاتيكان‘‘. علما أنه وإن كان يُسمح بتكريم الطوباوي في الصلوات والعبادات على مستوى الأبرشيّة أو الرهبنة التي انتمى إليها، إلا أنه يجب انتظار أن يُعلن البابا قداسته ليصار إلى تكريمه والاحتفاء به على مستوى الكنيسة الجامعة.
نجاح يندر في سينما المؤلف
لم ينشد المخرج الزمن الفصحي لعرض فيلمه وإنما أتى الأمر من قبيل الصدفة المحضة بعد اتصال شركة الانتاج الفني الكندية ’’نيو دايمنشن أوف ذو يونيفرس‘‘ (New Dimension Of The Univers) به لاستقدام فيلمه إلى كندا. وسرّع هذه العملية توفر الترجمتين الفرنسية والإنجليزية للفيلم. تقول مديرة شركة الإنتاج الرئيسة المشاركة في إطلاق مهرجان الفيلم اللبناني في كندا هاي لوف حدشيتي: ’’إن شركتها تمرست في كيفية التعاطي مع الجهات الكندية المختصة ومعرفة الشروط والمعايير المطلوبة للسماح بعرض فيلم أجنبي على الأراضي الكندية‘‘. وتوضح أن لكل مقاطعة شروطها وأطرها الخاصة وما يسري في كيبيك يكون ساريا في بقية المقاطعات والعكس ليس صحيحا، لأن الشروط صعبة جدا في المقاطعة ذات الأغلبية الناطقة بالفرنسية.
إن النجاح الكبير الذي حققه فيلم نعمة في شباك التذاكر في مونتريال يعد سابقة في تاريخ الشركة في باقة أفلام المؤلف والأفلام الدينية التي قدمتها إلى اليوم.
حرص على الدقة والحداثة
يعزو المخرج طوني نعمة أسباب الإقبال إلى جهود السيدة حدشيتي وفريقها ورعاية المطرانية اللبنانية المارونية في كندا للفيلم وكذلك مطرانية الروم الملكيين.
إلا أن هذه الأسباب لا تكفي لتعليل الازدحام على شباك التذاكر، وقبلها تأتي جدارة اللغة والتقنية السينمائيتين بتوقيع المخرج المخضرم الذي أعاد المونتاج أكثر من ست مرات. حتى أنه أصر على تكبد تكاليف إعادة مشهد كامل الصيف الماضي وقضى يوما كاملا في التصوير بسبب تفصيل صغير لم يكن ليدركه أحد غير الأب قزي كاتب القصة. مشاهد حراسة الحقل وأدواتها، كذلك منشرة الخشب ورعاية الماشية وغيرها من مظاهر الضيعة اللبنانية أتت حقيقية تماما. بالملابس والمناظر التي تواكب الحقبة التي عاش فيها الطوباوي اللبناني الذي ولد في نهاية القرن التاسع عشر. كان يُعرف الأخ اسطفان بلقب ’’رئيس الحقل‘‘، وقد اشتهر بعبارة ’’الرب يراني‘‘ ملتصقا في نهاية الفيلم بالعالم السماوي الأرحب حيث أتى دوره ليرى هو الرب، مشهد فائق الروعة في نهاية الفيلم.
لم يُضّح طوني نعمة بالحداثة السينمائية على حساب رفاه المشاهد، وقصد عدم الوقوع في ’’الكلاسيكية الرتيبة‘‘ عبر اللجوء في شكل مبالغ فيه ربما، إلى ’’الفلاش باك‘‘ مستهلا فيلمه بموت البطل ليعود تباعا بالمشاهد إلى طفولته وشبابه.
في لبنان يتبوأ فيلم الرب يراني المركز الأول في البوكس أوفيس للأسبوع الخامس على التوالي.نقلا عن طوني نعمة، مخرج سينمائي
لا يخفي المتحدث دهشته لهذا الإقبال الكبير على الفيلم الروائي الطويل الثاني في مسيرته المهنية، علما أن الأول كان أيضا عن سيرة المكرم اللبناني في الكنيسة الملكية الكاثوليكية الأب بشارة أبو مراد.’’لعل السوشيال ميديا أصبحت اليوم أكثر انتشارا عما كانت عليه في العام 2010، تاريخ صدور فيلمي الروائي الأول ’’سراج الوادي‘‘، يضاف إلى ذلك، توق لدى المشاهد السينمائي المحلي والاغترابي على حد سواء لاستعادة أصالة الضيعة اللبنانية القديمة والتواصل مع الجذور وكل ما يمثله لبنان الماضي من رموز وقيم نفتقدها اليوم‘‘، يقول طوني نعمة.
تمثيل طوائف كل لبنان
هذا الفيلم المسيحي الروحاني بامتياز لم يشارك فيه ممثلون من كافة الأديان في لبنان فحسب، بل إن هؤلاء هم من الصف الأول. وليس هذا فحسب أيضا وأيضا، بل إن أدوار هؤلاء لم تأت على قدر شهرتهم بل كانت جزئية صغيرة بمساحتها كبيرة بدلالاتها ومعانيها أثبتت جدارة الممثل والمخرج على حد سواء. أضف إلى ذلك أن أجور هؤلاء بسبب ميزانية الفيلم البسيطة كانت رمزية ولا تقاس بخبرتهم.
لا بد هنا من الإشارة مثلا إلى مشهد الممثلة القديرة رندة كعدي بكل تفاصيله الذي كان أشبه بلوحة فنية مبهرة.
رعاية السلطات الدينية
لا يجد السينمائي المخضرم أن هناك تباينا بين التزامه المسيحي والتزامه الإنساني الأخلاقي. كما أنه يعتبر أن رعاية الكنيسة الكاثوليكية لأعماله السينمائية لا تقيده كمخرج بل تعطيه مساحة من الحرية وتعفيه من المسؤولية الفكرية والأدبية، مزيلة عنه ’’الخطر‘‘، كما يقول.
والجدير ذكره أن الفيلم أخذ موافقة السلطة الكنسية المارونية قبل عرضه. ومنذ البداية، حرص المخرج على اتباع توجيهات الكنيسة.
في عروض الفيلم الثلاثة في مونتريال، وقف الجمهور السينمائي في طابور طويل بانتظار الدخول إلى القاعة التي امتلأت فيها كل المقاعد حتى الصفوف الأمامية التي لا تصلح عادة للمشاهدة السينمائية.
هذا الإقبال دفع بالسيدة حدشيتي إلى إضافة عرض رابع في مونتريال يوم الأحد 21 نيسان/أبريل المقبل في صالة سينما ’’غوزو‘‘ في مدينة سان لوران شمال مونتريال.
قبل هذا التاريخ يعرض الفيلم في أوتاوا يومي الأحد والأثنين من هذا الأسبوع. ويتابع بعد ذلك في دور السينما في عدد من المدن في مقاطعة أونتاريو. وتدرس حدشيتي إمكانية عرضه في فانكوفر وكالغاري وهاليفاكس عشية إطلاق فعاليات النسخة الثامنة من مهرجان الفيلم اللبناني في كندا الذي يجري بين الأول والسادس من شهر حزيران/يونيو المقبل.
راديو كندا