في ما بعد ظهيرة يوم حارّ من أيلول/سبتمبر، نصب غيوم روزريه ميكروفونا في مزرعة عضوية في شمال قطر، لتسجيل حفيف الريح في الأعشاب العالية وزقزقة العصافير وطنين الحشرات وهدير للآلات الزراعية والسيارات والطائرات، ليحوّلها في نهاية المطاف إلى عمل فني.
ويعتبر الفنان الفرنسي البالغ 44 عاما أن لديه مهمّة، هي أن يجعل العالم يتمهّل قليلا وينصت من جديد.
وطوّر روزريه هذا “الفنّ الصوتيّ” في الإمارة الخليجية الصغيرة حيث يقيم منذ تسع سنوات، مستفيدا من الدعم الذي تقدمه حكومتها للفنّ.
يقول لوكالة فرانس برس في مقابلة إنّ بطولة كأس العالم لكرة القدم التي تنطلق في قطر في 20 تشرين الثاني/نوفمبر، قدّمت دفعا قويا للمشهد الفني المحلي.
في “متحف”، المتحف العربي للفن الحديث في المدينة التعليمية بالدوحة، على مقربة من أحد ملاعب كأس العالم الثمانية، يطرح التجهيز الفني الذي أطلق عليه روزريه اسم “العالم كما نعرفه يتغير” مسألة علاقات البشر بالمياه العذبة وتأثير التلوث الضوضائي على قدرتنا على الاستماع.
يجلس الزوار في غرفة مظلمة، محاطين بأربعة مكبرات صوت، منغمسين في تركيبة تجمع بين الأصوات المسجلة على مدار عامين على ضفاف المياه في قطر وأماكن أخرى، وضجيج النشاط البشري، وكذلك نصوص بعدّة لغات تروي ذكريات على صلة بالمياه.
ولتحقيق “الاستماع العميق” في عالم تحكمه المرئيات، يعرض روزريه على الحائط صورة دوامة من المياه تصب في مكبر صوت يهتز مع صدور الأصوات المختلفة.
فرصة كأس العالم
ويوضح روزريه أن “فن الصوت هو تخصص يكون فيه الوسيط الرئيسي هو الصوت والهدف منه هو الاستماع، حتى لا يتم الخلط بينه وبين الموسيقى (المؤلفة) من الأصوات المنظمة”.#photo1
ويتابع بحماس “منذ وصلت إلى هنا، كان هناك دائما دعم للفنانين المحليين والدوليين”.
واستفاد من هذا الدعم بالحصول على إقامة إبداعية من مشروع “مطافئ”، وهو مساحة للفن المعاصر، فقدّم عملا بتكليف من المشروع بعنوان “اسمح لي” لمحطة مترو مشيرب في وسط العاصمة الدوحة.
قبيل انطلاق المونديال، تسعى الإمارة إلى إظهار دعمها للفنون، بقيادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني، رئيسة متاحف قطر وشقيقة الأمير الحاكم.
ويرى روزريه أنه “كان هناك بالأساس ديناميكية قوية” في الإمارة باتجاه الاستثمار في الفنون، لكن مع اقتراب كأس العالم “أدرك الجميع أن هذه فرصة للظهور على الساحة الدولية”.
تم الكشف مؤخرا عن تأليفه الفنّي “المرونة الهشة”، المستوحى بصريا من أشرعة المراكب التقليدية التي انتشرت في منطقة شبه الجزيرة العربية لعدة قرون، في مقر منظمة اليونسكو في باريس خلال حدث نظمته مؤسسة قطرية.
ويُعرض تأليف آخر يتناول موضوع المياه، تم تسجيله جزئيا في قطر، منذ منتصف أيلول/سبتمبر في متحف محلي.
-“لم نعد ننصت”-
وعلق روزريه على تجهيزه “العالم كما نعرفه يتغير”، فقال إنّ هدفه هو “اصطحاب الجمهور في رحلة للاستماع والانفصال عن العالم”.#photo2
وأضاف “أصبح الأمر أكثر أهمية بالنسبة لي لأنّنا، وقد أكون مخطئا، نعيش خلال السنوات العشر أو الخمس عشرة الماضية في مجتمعات سريعة الخطى إلى حدّ أنّنا لم نعد ننصت”.
كان روزريه مفتونا بالصوت منذ طفولته في منطقة أو دو فرانس في شمال فرنسا، حيث اختبر أصوات فرقعة البالونات وكيف يتردد صداها في بيئات مختلفة.
وعمل مدير أعمال لموسيقيين في بريطانيا، قبل أن ينتقل لاحقا إلى بلجيكا ويقرر في النهاية تكريس حياته للفن الصوتي في قطر.
ومذاك، باتت جلسات تسجيل الأصوات بمثابة طقوس يتّبعها.
ويوضح “أتجول في الموقع الذي أرغب في استكشافه وأترك أذني ترشدني إذا سمعت أي شيء يجذبني”.
ويتابع “أحيانا ، أراقب الطيور (…) لأحاول أن أرى أين تحدث حركة”. لكنّه يقر “إنها مسألة حظ”.
ويشرح “أضع الميكروفون وأغادر. لا أستمع إلى (التسجيل) قبل أن أعود إلى الاستوديو”.
وهو يزور كل موقع عدة مرات. ويوضح “الزيارة الأولى لاستكشاف المكان والثانية للاختبار، وإذا لم تنجح المرة الثانية أمنح نفسي فرصة ثالثة مع تغيير التوقيت أو الظروف المناخية”.
هكذا تتشكل بحسب روزريه “ذاكرة الصوت”.