بقلم: رحمن خضيرعباس
كانت أمي ترتاح قليلا بعد أنْ بذلت جهدها في صناعة الكليجة . وجدت نفسها وحيدة في المطبخ ، فخاطبت نفسها بهمس :
“ احنا – وتعني أهل الشطرة – نسميها كليجة. وأهل بغداد يسمونها كليچة. وأهل العشاير يسمونها كليّية”
لكنها لم تتوقع أن بناتها يسترقن السمع إلى صوتها الهامس من الشباك. وَإِنَّ كلامها أصبح نكتة نتناقلها بوجودها ، وهي تشاركنا الضحك إلى حدّ الدموع.
وحينما نشم رائحة الكليجة نشعر بقرب العيد ، فهي الحلوى الوحيدة التي نتمتع بها ، لذلك فقد انغرست لذتها في أعماق ذوقنا الجمعي.
كانت أمهاتنا توزع علينا حصصنا. وتحاول الاحتفاظ بما تبقى إلى ضيوف محتملين. ولكننا نجترح المعجزات للعثور على بقايا الكليجة ، في غفلة عن أهلنا. فنسرقها ونلتهمها بشغف ، مما يساهم في احراج أهلنا أمام الضيوف.لذلك يقومون بصنع كليجة إضافية .
كبرنا ، ورحلنا بعيدا ، وزرنا بلدانا عديدة ومدنا غريبة ، وتذوقنا أنواع المأكولات وأنواع الحلوى. ولكن لذة الكليجة في الحَلْق ما فتئت تلاحقنا أينما ذهبنا.
طريقة صنعها. من الدقيق والسكر وماء الورد والزيت وبعض الهيل ، التمر الذي يختفي في ثناياها ، المشط الخشبي الذي يصنع خطوطها ودوائرها .
تبادل الكليجة بين الجيران والمعارف والأصدقاء .
نأكلها مع الشاي بشهية . فنشعر عندئذ أننا نعيش لحظات العيد.
السنين تمر كعجلات القطارات المسرعة ، وتطوي سكك العمر المتشعبة .
تموت الأم ونكبر ،وتتغير الحياة وتتسع ، ونرحل إلى بلدان غريبة ، فيها ما لذّ وطاب من أنواع الحلوى. ندخل المطاعم التي تقدم لنا الأنواع العديدة من المأكولات والمرطبات والمشهيات .
ولكن رائحة الكليجة مازلت تطاردنا في المهجر .
تشعّ فينا بشكل خفي ، وتفجر فينا رشاشا من الروح العراقية التي لا تقبل التجزئة