في فيلم “ذا ميتركس The Matrix”، يكتشف بعض البشر أنهم في سبات صناعي، وأن أدمغتهم موصولة بحواسيب مبرمجة أن تضعهم في عالم افتراضي صنعه الذكاء الصناعي ليوهمهم أنهم يعيشون حقيقة، وفي أحد المشاهد لا يصدق نيو – الذي أُفِيقَ لتوّه من سباته – ما حصل ويكذّب هذا بشدة قائلاً: “ليس هذا حقيقة!”، فيسأله القائد مورفيوس: “ما الحقيقة؟ كيف تُعرّف كلمة حقيقة؟ إذا كانت الحقيقة هي ما يمكن أن تشعر به وتشمه وتتذوقه وتنظر إليه فإن كلمة حقيقة هي ببساطة إشارات كهربائية يفسرها عقلك”، وكلامه صحيح، وكما أن لغة الحاسب أساسها الأرقام والتي أنتجت لنا الإنترنت كلها بما فيها من صور وكتب ومقاطع فيديو وتقنيات تواصل صوتي ومرئي.. إلخ، فكذلك عالم ميتركس الوهمي: لغة أرقام تصنع عالماً كأنه حقيقي.
لهذا لا يمكن أن يفر المرء من التساؤل: هل عالمنا الحقيقي هذا – إن كان حقيقياً فعلاً! – مُبرمَج بنفس هذه الطريقة؟ هل لو فحصنا أصله وحمضه النووي وجدنا واحدا وصفرا كالأساس الذي صُنِعَت منه الدنيا بأسرها؟
في المدرسة مرت عليك نظرية فيثاغورس وهو عالِم يوناني عاش في القرن السادس قبل الميلاد وعُرف بعدة مبادئ رياضية منها تلك النظرية الشهيرة في الهندسية الإقليدية، ولكن قد لا تعرف أن فيثاغورس عشق الأرقام حتى رأى أن الأرقام توجد في الطبيعة لو تأملها الشخص، وهذا لا بأس به وقد تكون صحيحة، إلا أن الفلاسفة فيما بعد ممن عرفوه قالوا إنه لم يكتفِ بذلك، بل رأى أن الوجود كله والحياة كلها أساسها الأرقام، لم يدوّن فيثاغورس هذا بنفسه بل نُقِل عنه لأنه لم يترك آثاراً مكتوبة، لكن كما ترى فنظريته تلك مطابقة لما أتى في فيلم ميتركس، والذي أتى بعد العالم الشهير بألفين وخمس مئة سنة!
العلم لم يثبت صحة كلامه حتى الآن، ولا يزال أمامنا طريق طويل حتى نصل لهذه الدرجة من العلم – إن كان يمكن أن نصل لها أصلاً – لكنها تظل تثير التشويق: هل كل شيء مصنوع من أرقام؟