شعب العراق شعب متقلّب ، شديد المراس يحب التغيير ولا يرضى على الحاكم مهما فعل من إصلاحات وقدّم من خدمات . ونظرة تاريخية متأنّية للحكام الذين حكموا العراق والعراقيين ، نرى أن الحاكم مهاب الجانب الذكي الذي يعرف كيف يختار المقربين منه أي (حاشيته ) وكيف يتأكد من إخلاصهم وولائهم هو من إستمرّ
أكثر من غيره في الحكم ،والحاكم المهاب الجانب أفضل من الحاكم المحبوب العادل كما في حالة الزعيم عبدالكريم قاسم ، ( فالجبروت هو العدل ) .
وكلام العدالة والمساواة والمواطنين كأسنان المشط في عين العدالة ، بغض النظر عن العرق والجنس والدين والمذهب واللون والفكر ، إنه كلام جميل ولكن ليس له أسنان ، ولا يردع من تسوّل له نفسه .وكما قال عنترة بن شدّاد :
ينادوني في السلم يا إبن زبيبة وعند صدام الخيل يا إبن الأطايب
وإذا بليت بظالم كن ظالم وإذا لقيت ذوي الجهالة فاجهلي
وجاء عبد السلام عارف للحكم بعد مقتل عبد الكريم قاسم ، ولولا سقوط طائرته لكان هناك تاريخ أخر ، ولكن شقيقه عبدالرحمن كان مسالماً ضعيفاً ، فكان إنقلاب البعث في 1968 ، وبعدها حكم أحمد حسن البكر وثمّ صدام حسين ، الذي دام حكمه
أكثر من ثلاثة عقود ، ولولا الأمريكان لكان صدام إو أحد أولاده لا يزال حاكماً . ا
يستشف مما تقدّم أن الحزم والقوة مطلوبان للحاكم ، أو على الأقل تنفيذ ما تعهد به ولو بالقوة ،
وكذلك التغييريقود إلى تغييرات اخرى لصالح تثبيت أركان الحكم ، والقائد المقدام لا يهاب أحداً ولا يجامل على حساب ما يؤمن به وتنفيذ ما تعهد به .
ولذلك ومنذ سقوط النظام فشلت كل الحكومات المتعاقبة ، رغمّ الموارد المالية الضخمة ، لأن الفساد بات ينخر جسد الحكم في كلّ مفاصله ، والميليشيات أصبحت أقوى من الدولة ، والحاكم يخشى تحجيمها ، فما العمل ؟ وأين يكمن الحل ؟
النقاط التي تطرقنا إليها لم تكن من بنات أفكارنا وإنما دروس مستقاة من الواقع المعاش ومن تاريخ العراق الحديث ، عسى أن تفيد الحاكم الحاذق الحصيف ، فيعيد التاريخ نفسه ويقضي على الفساد والفاسدين ويثبّت أركان الحكم بقوة وعزيمة لا تلين ، ويدوّن إسمه في التاريخ كإبن العراق البار الوطني ، وإن غداً لناظره قريب .
منصور سناطي