تشير تقارير مختلفة إلى تصاعد ملحوظ في أعداد المصريين الذين يحاولون عبور البحر المتوسط. يقول بعضهم عند الوصول للسواحل الأوروبية إنهم قادمون من ليبيا لكن بعضهم قال إنه خرج عبر السواحل المصرية.
منذ سقوط نظام القذافي تحولت ليبيا إلى نقطة انطلاق رئيسية لآلاف المهاجرين الذي يحاولون الوصول إلى أوروبا هرباً من الفقر والحروب
كان من بين المهاجرين أعداد من المصريين تصاعدت وانخفضت معدلات استخدامهم لمسار ليبيا – أوروبا عبر البحر المتوسط خصوصاً مع عدم صعوبة عبور المصريين للحدود البرية الغربية ودخول ليبيا.
تصاعد في أعداد المهاجرين المصريين
لكن المسار إلى أوروبا عن طريق البحر المتوسط عبر السواحل الليبية وصولاً إلى سواحل أوروبا يشهد في الآونة الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في أعداد المصريين الذين يستخدمونه، إذ أنه وفقًا لأحدث البيانات التي نشرتها المنظمة الدولية للهجرة (IOM) ، كان هناك 117156 مهاجرًا مصريًا في ليبيا بين ديسمبر/كانون الأول 2021 ويناير/كانون الثاني 2022 .
ويشكل المواطنون المصريون ثاني أكبر عدد من المهاجرين في ليبيا، ويمثلون 18٪ من إجمالي المهاجرين.
ولا يسافر جميع المهاجرين الذين يصلون ليبيا إلى أوروبا، اذ من المعروف أن بعض المهاجرين المصريين يقيمون في ليبيا لفترات أطول، حيث أفاد 46٪ من المهاجرين المصريين الذين شملهم الاستطلاع من قبل المنظمة الدولية للهجرة أنهم بقوا في ليبيا لأكثر من عامين.
وليبيا معروفة بإعادة المهاجرين غير النظاميين المصريين لكن لا يتم الأمر بشكل مشدد على نحو دائم. على الرغم من عدم توفر البيانات الرسمية حول عدد المهاجرين المصريين العائدين من ليبيا في الأشهر الأخيرة، تظهر تقارير وسائل الإعلام المحلية أن السلطات الليبية قد أعادت عددًا من المهاجرين غير النظاميين المصريين مؤخرًا.
على سبيل المثال ، في آذار / مارس 2022 ، تمت إعادة 135 مهاجراً عبر (معبر إمساعد) الحدودي بين البلدين. وبين عامي 2019 و 2020 ، أعيد ما لا يقل عن 5693 مهاجرًا مصريًا من مراكز الاحتجاز في ليبيا إلى مصر عبر معبر إمساعد الحدودي من قبل إدارة مكافحة الهجرة غير الشرعية الليبية.
في أحدث البيانات التي نشرتها فرونتكس، كان هناك ما مجموعه 3292 حالة رصد لمواطنين مصريين على طول طريق وسط البحر الأبيض المتوسط إلى الاتحاد الأوروبي بين يناير/كانون الثاني ومايو/أيار 2022. لذلك كان المصريون هم الجنسية الأكثر شيوعًا التي تم اكتشافها على طول طريق وسط البحر الأبيض المتوسط خلال هذه الفترة الزمنية، حيث يمثلون 20 ٪ من اكتشافات وسط البحر الأبيض المتوسط خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022.
بين كانون الثاني (يناير) وأبريل (نيسان) 2022 ، كان هناك ما مجموعه 2601 عملية رصد لعبور حدودي غير قانوني من قبل مواطنين مصريين، وهو ما يمثل 4٪ من جميع العمليات التي تم الكشف عنها خلال هذه الفترة.
من بين 2601 عملية رصد لمواطنين مصريين عبروا البحر المتوسط وأبلغت عنها وكالة فرونتكس في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2022 ، وقعت 2355 حالة هجرة (91٪) على طول طريق وسط البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا.
حادثان يكشفان عن واقع مختلف
قبل نحو اسبوعين أفادت وكالات الأنباء بغرق مصريين وفقدان 19 آخرين وإنقاذ 6 عندما انقلب بهم قارب كان يحمل 26 مصرياً قيل إنه انطلق من ليبيا، فيما تتواصل جهود الإنقاذ في مدينة تولميتا الساحلية في ليبيا، وفقًا لبيان صادر عن وزارة الهجرة في 30 أغسطس / آب.
وتستضيف مصر أكثر من تسعة ملايين مهاجر، وفقًا للتصريحات الرسمية المصرية. ومع ذلك، فإن ضعف الاقتصاد وانهيار العملة يدفع أكثر من 1000 مصري سنوياً إلى ترك بلادهم وخوض الرحلة الخطرة عبر المتوسط بحثًا عن حياة في مكان آخر.
مصدر متخصص في قضايا الهجرة واللجوء في أوروبا قال لمهاجر نيوز إن قارباً خرج من مصر قبل أسابيع لكن من عليه وصلوا إيطاليا وأبلغوا السلطات أنهم جاءوا من طبرق على متن سفينة بها حوالي 612 شخص منهم على الأقل 590 مصري والباقي سوريين وسودانيين كانوا في مصر.
المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه قال أيضاً لمهاجر نيوز إنه قبل عدة أيام كان هناك قارب عليه 23 شخصا منهم 22 مصريا وشخص سوري وتم إنقاذهم عن طريق سفينة تجارية من داخل المياه الاقليمية المالطية بتوجيه من سلطات مالطا، وأن السفينة توجهت الى ميناء بورسعيد بالتنسيق مع الجهات المختصة في القاهرة.
يضيف المصدر أن المهاجرين وصلوا بالفعل إلى بورسعيد لكن في الأوراق الرسمية تم تسجيل العثور على 22 شخصاً فقط بحسب ما أكدت مفوضية شؤون اللاجئين في مصر، ما جعل تساؤلات تدور حول مصير الشخص المفقود، لكنه أكد أن جميع من تم إنقاذهم لا يزالون قيد الاحتجاز في بورسعيد.
مصر.. من دولة عبور إلى دولة هجرة؟
في هذا السياق يقول محمد الكاشف الباحث والاستشاري في مجال الهجرة واللجوء بمنظمة Migreurop إن مصر كانت دولة عبور أو استضافة ومنذ 2016 توقف التعامل معها كدولة منشأ للهجرة بسبب تراجع أعداد السفن المنطلقة منها بعد واقعة سفينة رشيد المفصلية والتي رجحت التقديرات أنها كانت تحمل مابين 400 و 600 شخص لقي أكثر من 200 منهم حتفهم ما سبب لمصر حرجاً شديداً وأثار انتقادات متعددة من جهات مختلفة.
ويقول الكاشف إن إعادة قارب الهجرة المصري من مالطا يدخل ضمن إطار الاتفاقيات التي وقعتها مصر مع دول أوروبية مختلفة مثل إيطاليا واليونان (خصوصاً بعد اتفاقيات إعادة ترسيم الحدود البحرية معها) والتشيك وهي الاتفاقيات التي تمت بشكل منفرد بين مصر وكل دولة منها على حده، إلى جانب الاتفاقيات التي وقعتها القاهرة مع الاتحاد الأوروبي بهذا الشأن.
في هذا السياق يقول مصدر خاص لمهاجر نيوز إن الكثير من المصريين يصلون السواحل الإيطالية على وجه الخصوص لا يذكرون أبدأ أنهم قدموا من مصر خوفاً من إعادة ترحيلهم بسبب توقيع تلك الدول لاتفاقيات إعادة المهاجرين إليها، ولذلك يؤكد الكثير من المهاجرين أنهم قدموا من السواحل الليبية حتى أن بعضهم يؤكد أنه من جنسية أخرى غير المصرية.
الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية.. أهم أسباب الهروب
يضيف الكاشف أنه بعد هذا الحادث وجهت أوروبا منحة ضخمة لمصر لتعزيز حماية السواحل وحراسة الحدود كما أن مصر أخذت الأمر بجدية شديدة حتى أن تشديد الإجراءات يكاد يكون أوقف حركة سفن الصيد البحري ما دفع الكثيرين لترك المهنة وفاقم من سوء الوضع الاقتصادي.
وأكد الخبير في مجال الهجرة واللجوء أنه على الرغم من التصريح الحماسي لوزير الخارجية المصري في أحد مؤتمرات الأمن بميونيخ بأن مصر وصلت إلى (صفر مراكب هجرة) “إلا أن الحقيقة هي أن الأعداد تراجعت فقط لكن الهجرة عبر السواحل المصرية لم تتوقف”.
ويشير الكاشف إلى أن تدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر وخصوصاً في الأعوام الأخيرة جعل كثيرين يفقدون الأمل ويتخذون قرارهم بالهروب إلى أوروبا عبر البحر
مصدر آخر تحدث إلى مهاجر نيوز أكد أن “الضغوط المتزايدة في المشهد السياسي الداخلي بمصر وقتل الحياة السياسية والملاحقات الأمنية المستمرة لكل من يبدي رأياً، كلها أمور جعلت كثيرين يفكرون في اللجوء لهذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر”.
تهديد بموجات لاجئين مصريين
المصدر أشار أيضاً إلى أنه لا يستبعد مطلقاً أن تكون عودة رحلات الهجرة للمصريين انطلاقاً من مصر سواء بالفرار أحياناً من رقابة خفر السواحل المصري وحرس الحدود المصريين أو عبر “غض الطرف” عن عبور المصريين للحدود مع ليبيا وانطلاقهم إلى أوروبا من السواحل الليبية قد يكون وسيلة ضغط من النظام المصري على الاتحاد الأوروبي لدفعه لتقديم مزيد من المساعدات في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد المصري بشدة.
يذكر أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ألمح في حوار مع اذاعة “دوتش لاند فونك”. الألمانية أن نظامه يحمي البلاد من الانهيار ويبذل جهوداً لمنع تدفق اللاجئين عبر حدوده البحرية، وقال : “شاهدتهم بأنفسكم كيف جاء السوريون وآخرون إلى أوروبا وألمانيا”.
وفي أكتوبر من عام 2021 كرر السيسي حديثه عن منع مصر موجات الهجرة غير المنظمة التي كانت تخرج من بلاده سابقًا باتجاه أوروبا، في سياق مطالبته الدول اﻷوروبية بمزيد من الدعم لمصر، وللدول التي تعاني من أوضاع غير مستقرة تؤدي لهجرة مواطنيها، مستخدماً هذا الطرح في الدفاع عن أوضاع حقوق الإنسان المتردية في مصر بحسب ما نشر موقع مدى مصر.
ويشير محمد الكاشف الخبير الدولي في ملف الهجرة واللجوء إلى أن هجرة المصريين إلى ليبيا لم تتوقف خلال السنوات الماضية وأن هذا الأمر مستمر لكن في عام 2022 بدا أن أعداد المصريين الذين يتخذون طريق البحر آخذة في الزيادة بشكل مضطرد
وفيما أكد الكاشف أن البحرية المصرية تعد أحد أقوى الأسلحة من نوعها في البحر المتوسط وربما في العالم إلا أن الإمكانيات القتالية لا تصلح في مثل هذه المواقف لأن هذا هو دور حرس الحدود إلا أن إمكانياته فقيرة ما دفع الاتحاد إلى صرف 80 مليون يورو لمصر لرفع كفاءة حرس الحدود وخفر السواحل
يذكر أنه في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 تم إطلاق الصندوق الاستئماني للطوارئ التابع للاتحاد الأوروبي لأفريقيا (EUTF) بهدف تعزيز الاستقرار ومكافحة “الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية والنازحين في أفريقيا”. تمت الموافقة على خمسة مليارات يورو لـ 250 مشروعًا في 26 دولة أفريقية وحصلت مصر على 60 مليون يورو في عام 2017 في إطار مشروع لتحسين إدارة الهجرة.
قفزة نوعية في الأعداد
بحسب تقرير لوكالة الاتحاد الاوروبي للهجرة والذي صدر في يوليو 2022 (ويتحدث عن الفترة من مارس/آذار 2022 إلى يونيو/حزيران 2022) فإنه في مارس 2022 ، وصل عدد المصريين المتقدمين للحصول على اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي إلى أعلى مستوياته منذ 2014 على الأقل. وبالنسبة للربع الأول من عام 2022 ، كانت 24٪ من القرارات المتعلقة بطلبات المصريين إيجابية وافقها في الغالب قرارات بالحماية المؤقتة.
ويشير التقرير إلى أن معظم المواطنين المصريين الذين يسافرون بشكل غير نظامي إلى الاتحاد الأوروبي يفعلون ذلك عن طريق القوارب على طول طريق وسط البحر الأبيض المتوسط إلى إيطاليا.
وتنطلق معظم القوارب التي تقل مواطنين مصريين إلى إيطاليا من ليبيا ، فيما تنطلق نسبة صغيرة من تركيا باستخدام القوارب للوصول إلى سواحل الاتحاد الأوروبي.
ويشير التقرير إلى أنه في حين كان العدد الشهري للوافدين إلى إيطاليا في عام 2022 كان أقل من فترة الذروة بين أغسطس ونوفمبر 2021 – عندما كان أكثر من 1200 مصري يصلون كل شهر – بلغ عدد الوافدين المصريين كنسبة من إجمالي عمليات الوصول للسواحل الإيطالية ذروته في فبراير 2022 .
قبل هذه الفترة كان واحد من كل خمسة ممن يصلون إيطاليا يحمل الجنسية المصرية، لكن في الفترة بين يناير وأبريل كان ثلاثة من كل خمسة أشخاص هو من المصريين، وكانت الأغلبية (79٪ منهم) من الرجال البالغين، كما تصاعدت في الفترة الأخيرة أعداد القصر من المصريين غير المصحوبين بذويهم .
ويقول التقرير إنه من المفهوم أن المصريين الذين يهاجرون إلى الخارج يتأثرون في المقام الأول بالعوامل الاقتصادية والبحث عن عمل. فقد انخفضت قيمة العملة بشكل كبير منذ بداية العام بعد تخفيض البنك المركزي لقيمة العملة أمام الدولار، وارتفع التضخم وزادت أسعار المواد الغذائية على الرغم من تدخل الحكومة للسيطرة على سعر الخبز.
يشير التقرير أيضاً إلى سوء أوضاع حقوق الإنسان في مصر ويعده عاملاً مؤثرًا في قرار العديد من المهاجرين المصريين الراغبين في السفر إلى الاتحاد الأوروبي. وفي هذا الإطار يشير التقرير إلى استمرار المنظمات الدولية في الإعراب عن قلقها بشأن القيود المفروضة على حرية التعبير، وسوء أوضاع السجون، وحالات الاختفاء القسري، والتعذيب والقتل خارج نطاق القضاء في البلاد.
ووفقًا لوزارة الداخلية الإيطالية، تم إنزال 3935 مصريًا في إيطاليا بين 1 يناير/كانون الثاني و 13 يونيو/حزيران 2022. وبالتالي ، شكل المصريون 18٪ من عمليات الإنزال خلال هذه الفترة ، ولم يفوقهم سوى البنغلاديشيون. وبحسب البيانات التي نشرتها مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) ، فإن المواطنين المصريين يمثلون نسبة كبيرة من الوافدين عن طريق البحر إلى إيطاليا منذ أغسطس 2021.
وتم تسجيل أعلى إجماليات شهرية للوافدين المصريين بين أغسطس/آب ونوفمبر/تشرين الثاني 2021 ، حيث وصل أكثر من 1200 مصري كل شهر وبلغت ذروتها بوصول 1893 وافداً في نوفمبر/تشرين الثاني. أما بين يناير ومايو 2022 ، فكان أكبر عدد شهري من الوافدين المصريين إلى إيطاليا في مايو ، حيث وصل عدد الوافدين إلى 1881.
ويقول التقرير إنه من المتوقع على المدى القصير أن تظل العوامل الاقتصادية وتردي أوضاع حقوق الإنسان في مصر عاملان قويان يؤثران على عملية اتخاذ القرار بشأن الهجرة، وبالتالي من المتوقع أن تستمر إيطاليا في مواجهة مستويات كبيرة من الهجرة غير النظامية من مصر.