تسعى السلطات المصرية إلى تلميع صورتها بإطلاق سراح عدد من المعتقلين قبل استضافة قمة المناخ في شرم الشيخ، لكن خبراء يرون أن تحالف القاهرة مع موسكو قد يكون بمثابة إشكالية في علاقات مصر الخارجية!
قبل شهر من استضافة قمة المناخ/ كوب27 في مدينة شرم الشيخ المصرية ، سعت السلطات المصرية إلى تلميع صورتها عبر إطلاق سراح العديد من المعتقلين السياسيين وتدشين مشاريع بيئية جديدة. وفي ذلك، كتب محمد سليمان، الخبير المصري في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن، في أواخر أكتوبر / تشرين الأول إن مصر تحاول “تقديم نفسها كممثل للجنوب العالمي بحكم هويتها كدولة أفريقية وعربية في الوقت نفسه وأيضا بوصفها بوابة للقارة الأفريقية ومنطقة الشرق الأوسط”.
وأضاف الخبير بأن القاهرة “تحاول تصوير نفسها باعتبارها الحليف الذي يمكن لجميع الأطراف الاعتماد عليه “. ويبدو أن روسيا من بين هذه الأطراف خاصة وأن العلاقات بين القاهرة وموسكو تمتد منذ سنوات طويلة إذ كانت مصر خلال حقبة الحرب الباردة بمثابة الحليف الرئيسي للاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط. ومؤخرا وعقب تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي زمام الأمور ، أضحت مصر شريكا مهما لروسيا حيث أصبحت العلاقات بين البلدين أكثر تقاربا.
“استمرار التواصل”
يشار إلى أن السيسي قال خلال مؤتمر في مدينة سان بطرسبرج الروسية في يونيو / حزيران الماضي إن روسيا تعد شريكا هاما لمصر في مختلف المجالات، واصفا العلاقات الثنائية بــــ “المتميزة”. في المقابل، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أواخر سبتمبر / أيلول الماضي خلال استقباله السفير المصري الجديد إن بلاده تعتبر مصر “أحدى أهم شركائنا في إفريقيا والعالم العربي ونحن على تواصل مستمر مع الرئيس السيسي”.
ويرى مراقبون أن هناك قواسم مشتركة بين بوتين والسيسي إذ انتقدت روسيا موجة الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بالرئيس المصري الأسبق حسنى مبارك عام 2011 قبل عودة البلاد إلى الحكم الاستبدادي بقيادة الجيش في ظل حكم السيسي. وفي ضوء السجل الحقوقي السيء، فإن السيسي ربما يتشارك مع بوتين نفس المشاعر تجاه الاحتجاجات السياسية فضلا عن أن روسيا لا تأخذ في عين الاعتبار تحسين حقوق الإنسان في مصر أو حتى إصلاح اقتصاد البلاد على عكس الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وفي مقال رأي نشره المجلس الأطلسي مطلع العام، قال الصحافية المصرية شهيرة أمين إنه بسبب انتقادات “زعماء الولايات المتحدة والدول الأوروبية.. سعى السيسي إلى تنويع شراكات مصر العالمية من خلال تعزيز العلاقات مع نظيره الروسي الذي يعد مستبدا لا يهتم بالديمقراطية وحقوق الإنسان”.
ما زال الناشط المصري علاء عبد الفتاح معتقلا رغم الدعوات والمظاهرات لإطلاق سراحه
المصالح المصرية – الروسية
ويبدو أن التشابه بين شخصيتي السيسي وبوتين قد أدى إلى تعزيز العلاقات الخارجية والتجارية والعسكرية بين البلدين منذ عام 2014. وفي هذا الصدد، تزايد حجم التبادل التجاري بين روسيا ومصر التي تستورد غالبية ما تحتاجه من القمح من روسيا فيما يشكل السياح الروس حوالي 40 بالمائة من إجمالي عدد السائحين الذين يزرون مصر، وهو ما يعد بالأمر الهام لقطاع السياحة الذي يسهم بنسبة تقترب من 12 بالمائة بإجمالي الدخل في مصر.
وقد بلغ حجم التجارة بين روسيا ومصر العام الماضي حوالي 5 مليارات دولار مقارنة بمعدل بلغ 3 مليارات دولار عام 2013. ووقع البلدان اتفاقية التعاون الاستراتيجي في أكتوبر / تشرين الأول عام 2018 خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لروسيا. وتشمل الاتفاقية قيام روسيا بإنشاء أول محطة للطاقة النووية في مصر فضلا عن تحديث شبكة السكك الحديدية وإنشاء منطقة تجارة حرة خاصة لروسيا داخل البلاد.
بيد أن مراقبين يرون أن الحرب الروسية في أوكرانيا قد تلقي بظلالها على هذا التعاون في ضوء أن روسيا سوف توجه مواردها تجاه الحرب وهو الأمر الذي قد يؤثر على وتيرة تنفيذ المشاريع التي يطلق عليها السيسي “”المشاريع الضخمة” في البلاد. ورغم أن مصر تحصل على أسلحة من الولايات المتحدة وأوروبا، إلا أن روسيا تعد أحد أكبر بائعي الأسلحة لمصر وقد تكون الأكبر في ضوء أن الدول الغربية تضع شروطا على صفقات الأسلحة على عكس روسيا.
من المقرر أن تقوم مجموعة روساتوم الروسية بإنشاء أول محطة للطاقة النووية في مصر بتكلفة تقدر بنحو 26 مليار دولار
وبالإضافة إلى التعاون العسكري والاقتصادي، فإن هناك قواسم مشتركة في السياسية الخارجية لكلا البلدين إذ تدعم القاهرة وموسكو قائد الجيش الليبي خليفة حفتر، فضلا عن دعم الدور الروسي في سوريا ناهيك أن عن موقع مصر في شرق البحر المتوسط يجعلها ذات أهمية للجانب الروسي.
التوازن الصعب
ورغم زخم التعاون الوثيق بين مصر وروسيا، إلا أن القاهرة أبدت حرصا على عدم الاصطفاف إلى جانب موسكو مع اندلاع الحرب في أوكرانيا إذ حافظت على توازن صعب بين روسيا من جهة والغرب من جهة أخرى. فعلى سبيل المثال، نفت الحكومة المصرية إرسال مراقبين إلى أوكرانيا في سبتمبر/ أيلول لمراقبة الاستفتاءات التي نظمتها السلطات الروسية في المناطق الأوكرانية التي ضمتها. وترددت الأنباء أن هناك خططا في مصر لتسهل استخدام السائحين الروس بطاقات “مير” المصرفية التي تسمح للروس بالدفع في الخارج.
وفي هذا الصدد، ذكرت مجلة الإيكونيميست الشهر الماضي أن روسيا سوف تستغل سماح السلطات المصرية للسائحين الروس باستخدام بطاقات مير “للتأكيد مجددا على أن دول نامية هامة باتت مستاءة من ممارسة الولايات المتحدة ضغوط عليها لتبني موقف مناهض لروسيا بشأن قضية أوكرانيا.” ورغم ذلك، فقد ذكرت وسائل إعلام مصرية أنه جرى تعليق هذه الخطة بسبب المخاوف المصرية من الوقوع تحت طائلة العقوبات الأمريكية المفروضة على أي مؤسسة مالية تتعامل مع النظام المالي الروسي.
وكانت شركة Dezan Shira and Associates الرائدة في الاستشارات التجارية الدولية قد كشفت عن مدى مساع القاهرة لتحقيق توازن في علاقاتها الخارجية في تحليل أفاد بأن هناك سياسة تجارية متساوية البعد. وأضافت الشركة أن مصر توازن تعاملها التجاري بين روسيا والعالم الغربي إذ قامت بتقسيم ذلك على نحو دقيق بين الولايات المتحدة ودول أوروبا الشرقية.
ساعدت شركات روسية في تحديث شبكة السكك الحديدية بمصر وبتوريد 1300 عربة بتكلفة تصل إلى 900 مليون دولار
وفي هذا الصدد، قال محمد سليمان الخبير المصري في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن، في مقابلة مع DW أن روسيا ومصر تستفيدان بشكل متساوٍ من تعزيز العلاقات الثنائية. وأضاف أنه رغم أن العلاقات مع روسيا قد تكون ذات أهمية لمصر، إلا أنها ليست الحليف الأهم بالنسبة للقاهرة.
وأشار إلى أنه رغم أن مصر ودول الخليج في تحالف قوي، إلا أن هناك “بعض الاختلافات تكتيكية”، مضيفا أن السعودية والإمارات “تقومان بضخ المليارات في مصر بصورة استثمارات وقروض للمساعدة في دعم الاقتصاد.”
وقال إنه في المقابل فإن الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ومصر تمتد إلى “مجالات الطاقة والهجرة والتجارة، لكن الولايات المتحدة تظل الخيار الاستراتيجي الأفضل للقاهرة في الوقت الحالي خاصة بعد الأخطاء التي ارتكبتها روسيا في أوكرانيا.” بدوره، قال ديميتار بيشيف، المحلل في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، إن روسيا لديها نفس الشعور تجاه مصر على الأرجح.
وأضاف “مصر تعد واحدة من بين مجموعة كبيرة من الشركاء الذين تتعامل معهم موسكو في السعي لتحقيق مكاسب دبلوماسية واقتصادية”. وفي سياق متصل، قال سليمان إن الحكومة المصرية تمكنت على مدار الأشهر الماضية من “رسم مسارها الخاص”، مضيفا أنه في هذا الصدد “جاء التصويت لصالح مشروع القرار الأممي الذي يدين ضم روسيا لمناطق في أوكرانيا وتم الحفاظ على خط ساخن مع موسكو والعمل مع الاتحاد الأوروبي حيال قضية أمن الطاقة.. كل هذا يأتي بالتزامن مع الحفاظ على علاقات ودية مع موسكو.”
وفي مقابلة مع DW، أكد سليمان أن مصر ليست الدولة الوحيدة التي تسلك هذا المسار فيما يتعلق بالعلاقات مع روسيا. وأضاف “يتعين على الغرب إدراك أن العالم لم يعد ثنائي القطبية لكنه أصبح عالما متعدد الأقطاب ومتعدد الحضارات، لذا يتعين على الغرب تفادي ارتكاب خطأ في النظر إلى رد فعل العالم على الغزو الروسي لأوكرانيا باعتباره ثنائيا (بمعني أما الوقوف مع روسيا أو الوقوف مع الغرب) وأيضا تجنب إجبار الدول على اختيار طرف على الآخر”.
كاثرين شاير / م ع