قبل نحو ست سنوات، وتحديداً عام 2016، خضعت المرشحة الرئاسية للانتخابات الأمريكية حينذاك، هيلاري كلينتون، للتحقيق في قضية إساءة تعامل مع سجلات رسمية سرية خلال فترة توليها منصب وزيرة الخارجية. التحقيق بحث في استخدامها بريدها الشخصي في مراسلات رسمية.
في 2022 يرزح الرئيس السابق دونالد ترامب -مجدداً- تحت عدسات التحقيقات، هذه المرة بشأن وثائق حكومية حساسة.
إلا أن أحداً لا يستطيع الجزم إن كان التحقيق الحالي الذي يجريه مكتب التحقيقات الفدرالي بخصوص وثائق موجودة في مقر إقامة ترامب في مار إيه لاغو سيؤدي إلى توجيه اتهامات جنائية، حيث أن تاريخ التحقيقات المشابهة يجعل من الصعب التنبؤ بالخطوة القادمة، فالكثير منها انتهت دون توجيه اتهامات مبنية على القوانين الناظمة.
يقول أستاذ القانون في جامعة تكساس ستيفن فلاديك: “هذه قوانين لم يتم تطبيقها تاريخيا لأقصى حد”.
لا يزال الوضع غامضاً بشأن عملية البحث التي شنها مكتب التحقيقات الفدرالي الاثنين في مقر ترامب، بما في ذلك طبيعة الوثائق التي يبحث المحققون عنها والسبب في ذلك. إلا أن أشخاصاً مطلعين يقولون إن الأمر يتعلق بتحقيق مستمر في وزارة العدل بشأن اكتشاف وثائق سرية في صناديق سجلات البيت الأبيض استردتها إدارة المحفوظات والسجلات الوطنية من مار إيه لاغو في وقت سابق من هذا العام.
للحصول على أمر تفتيش، كان على وزارة العدل إقناع القاضي بوجود احتمال ارتكاب جريمة، رغم عدم وضوح الانتهاك وموضوعه حسب تقديرات المسؤولين.
تعتبر قوانين فدرالية متعددة التفريط بسرية المعلومات أمر يرقى إلى مستوى جريمة، سواء كان ذلك عبر نقلها والاحتفاظ بها في مكان غير مصرح به، أو إساءة استخدام معلومات الدفاع الوطني، بما في ذلك الخرائط والصور والوثائق، أو إرسالها إلى شخص غير مخول.
هناك قوانين أخرى كذلك يمكن اللجوء إليها في مثل هذه القضايا، لا تتعلق صراحة بالمعلومات السرية. مثلاً قانون معين يجعل من حيازة أي شخص سجلات حكومية أو تشويهها أو طمسها أو تدميرها عمداً جناية. ويعاقب هذا القانون بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، وينص على أن أي شخص يُدان به يُحرم من تولي منصب الرئاسة في المستقبل، على الرغم من أن مؤهلات من يمكنه الترشح للرئاسة يحددها الدستور.
إلا أنه بالاستناد إلى سوابق، فإن مجرد إساءة التعامل مع المعلومات السرية ليس كافياً دائماً للاتهام بجناية، أو توجيه أي تهم من الأساس.
وفقاً لديفيد لوفمان، المحامي في واشنطن الذي أشرف بصفته رئيس قسم مكافحة التجسس ومراقبة الصادرات بوزارة العدل على تحقيق هيلاري كلينتون: “غالباً ما يرجع الأمر إلى ما إذا كانت هناك عوامل مشددة في هذه القضايا”.
وتشمل العوامل مقدار المعلومات السرية التي أسيء التعامل معها، ومدى معرفة الشخص بحيازته لمعلومات سرية، ومدى حساسية المادة وما إذا كان تعرضها يعرض الأمن القومي الأمريكي للخطر، بحسب لوفمان.
هذا ما حصل مع هيلاري كلينتون عام 2016، حيث أغلق مكتب التحقيقات الفدرالي القضية دون توجيه اتهامات، فقد خلص التحقيق إلى أنها أرسلت واستلمت رسائل بريد إلكتروني من حسابها الخاص تحتوي على معلومات سرية، ولكن لا يوجد ما يشير إلى أنها كانت تنوي خرق القانون.
في قضية بارزة أخرى، سُمح لمدير وكالة المخابرات المركزية السابق، ديفيد بتريوس، في عام 2015، بالإقرار بالخطأ في جنحة تتمثل في النقل غير المصرح به للمعلومات السرية والاحتفاظ بها، بعد أن شارك دفاتر تحتوي على أسرار حكومية مع كاتب سيرته الذاتية، وبذلك تجنب السجن لأنه اعترف بما فعل وبأنه كان يعرف أنه يفشي معلومات سرية.
أما بخصوص ترامب، فنقلت محاميته كريستينا بوب عن المحققين قولهم إنهم “يبحثون عن معلومات سرية يعتقدون أنه ما كان ينبغي حذفها من البيت الأبيض، وكذلك السجلات الرئاسية”.
وأكدت أن الرئيس نفسه يقرر ما هو السجل الرئاسي، ويمكن لترامب أن يدافع عن كونه سلطة التصنيف الأصلية كرئيس حتى 20 يناير 2021، وقد رفع السرية من تلقاء نفسه عن المواد التي تم استردادها من مار إيه لاغو.
لكن يبدو أن هذه الحجة لن تكون في صالح ترامب برأي فلاديك، حيث ستكون اعترافاً بأن ترامب هدد الأمن القومي برفعه السرية عن هذه الوثائق.
هناك فرضية أخرى أيضاً تقول بعدم دراية ترامب بمحتوى الصناديق، سبق وقال ابنه إريك لشبكة فوكس نيوز إن الصناديق كانت من بين الأشياء التي نُقلت من البيت الأبيض خلال “ست ساعات” في يوم التنصيب. ولكن برأي لوفمان حتى لو كان الأمر كذلك، فالالتزام القانوني يحتم على ترامب إعادة الوثائق بمجرد علمه بوجودها.
ترامب بدوره حتى اللحظة لم يتطرق إلى جوهر التحقيق، بل اشتكى من تصرف مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي وصفه بـ”التسليح لنظام العدالة والهجوم من قبل الديمقراطيين اليساريين الراديكاليين”.
عاصفة سياسية
وأعرب كبار مسؤولي الحزب الجمهوري الثلاثاء عن دعمهم لدونالد ترامب.
وفاقمت عملية الدهم المباغتة الإثنين الضغوط القضائية التي يتعرض لها رئيس الولايات المتحدة الخامس والأربعون، وسط ترحيب من خصومه السياسيين وإدانة من أنصاره.
وحض العديد من مستشاري ترامب السابقين الرئيس السابق على التأكيد بشكل فوري أنه سيكون مرشحا رئاسيا عام 2024.
وقال ترامب (76 عاما) عن عملية التفتيش التي قام بها عناصر الإف بي آي لمقر إقامته في مارالاغو واستمرت طيلة اليوم “لم يحصل شيء كهذا لرئيس للولايات المتحدة من قبل”.
وندد بما وصفه “سوء سلوك من جانب الادعاء العام” و”استخدام لنظام العدالة كسلاح” من جانب “الديموقراطيين من اليسار المتطرف الذي يحاولون بشكل يائس منعي من الترشح للرئاسة في 2024”.
وقالت الناطقة باسم البيت الأبيض كارين جان-بيار إن الرئيس جو بايدن لم يكن لديه أي إشعار مسبق بشأن المداهمة ويحترم استقلالية وزارة العدل.
وردا على سؤال حول احتمال اندلاع اضطرابات ردا على مشاكل ترامب القانونية، أجابت جان- بيار “لا مكان للعنف السياسي في هذا البلد”.
ورفض مكتب التحقيقات الفدرالي الذي يقوده كريستوفر راي الذي عينه ترامب الكشف عن أسباب الخطوة غير المسبوقة بحق رئيس سابق.
المصادر الإضافية • أ ب