آخر عمل درامي شارك فيه الفنان السوري الراحل حاتم علي، الباكورة الكندية اليتيمة، هو فيلم “السلام بالشوكولاتة” (Peace by Chocolate) بتوقيع المخرج الكندي جوناثان كيجسر (Jonathan Keijser) الذي صدر في الصالات السينمائية هذه السنة. جسد علي في الفيلم دور اللاجئ السوري عصام هدهد الذي استقر في بلدة أنتيغونيش في مقاطعة نوفا سكوشا في شرق البلاد وذاع صيته لتميزه ومهارته في صنع الشوكولاتة.
تُنجز الاستعدادات لتقديم مسرحية ’’كرز‘‘ في 15 و16 تشرين الأول / أكتوبر الجاري في’’مركز الانشطة الترفيهية‘‘ التابع لدائرة سان لوران في مدينة مونتريال. ومكان عرض المسرحية يفترض مجانية الحضور مع حجز مسبق.
في ’’مركز الفنون المتعددة الثقافات‘‘ (MAI) في وسط مدينة مونتريال بدأت التمرينات قبل نحو عشرة شهور على مسرحية ’’كرز‘‘ باكورة إنتاجات ’’حي حاتم علي للفنون‘‘. هذه المؤسسة التي لم ترَّ النور إلا بعد وفاة أبرز مؤسسيها الفنان والمخرج السوري حاتم علي. هذا الأخير كان ينوي اللحاق بعائلته التي هاجرت إلى مونتريال والاستقرار في المدينة الكوسموبوليتية قبل أن توافيه المنية قبل تحقيق هذه النية. علما أنه ترك مشاركة سينمائية كندية وحيدة (السلام بالشوكولاتة) توجته كأفضل ممثل في مهرجانات الفن السابع العالمية. وفي مونتريال، ناقش الفنان الراحل مع مجموعة من أصدقائه الفنانين فكرة إطلاق مؤسسة للانتاج الفني ترعى المواهب في كافة الفنون، المنبثقة عن التعددية الثقافية والاثنيات العرقية في مقاطعة كيبيك.
هدفنا جعل أصواتنا أكثر حضورا في المشهد الثقافي الكيبيكي، يجب أن تروى الحكاية على لسان أصحابها الحقيقيين وإلا خرجت هزيلة، غير صحيحة وغير حقيقية.
نقلا عن علياء خاشوق، كاتبة ومخرجة مسرحية ’’كرز‘‘
’’روح حاتم علي موجودة وهذه المؤسسة تكمل مسيرته وبين الأعضاء معنا زوجته وابنته‘‘، تقول العضوة في لجنة التعددية في ’’تجمع المخرجين والمخرجات في كيبيك‘‘ الكندية السورية علياء خاشوق التي كتبت وأخرجت مسرحية ’’كرز‘‘. تعاونها في الإدارة الفنية الممثلة الكندية السورية يارا صبري. تضاف إليهما في الوجوه المحترفة المشاركة في العمل الممثلة الكندية اللبنانية عايدة صبرا. هذه الأخيرة هي بطلة المسرحية من نوع المونودراما وتقدم دورها كله لأول مرة باللغة الفرنسية. تشاركها خشبة المسرح جوقة من 21 شخصا لا يُغني أعضاؤها وإنما يقومون بتلاوة تمثيلية لنصوص بالعربية مأخوذة من سفر ’’نشيد الأنشاد‘‘ في التوراة، على طريقة التراجيديا اللاتينية.
لم يكن الإجهاض خياري، في الواقع أنا لم أختر أي شيء قط في حياتي كلها، عداه هو، زوجي الذي كان خياري الوحيد، كيف، ولمَ هو؟ وقع الأمر هكذا بكل بساطة…لا، كلا، إن الأمر ليس بهذه البساطة!
نقلا عن تقول أزَل في مسرحية ’’كرز‘‘ وهي الشخصية التي تجسدها الفنانة عايدة صبرا
تشرح خاشوق بأن موضوعا واحدا تتمحور حوله المسرحية وهو العنف الزوجي وتأثيراته النفسية على المرأة. تنسج الكاتبة خلاصة عدة روايات على ألسنة نساء من الشرق والغرب عن تعرضهن للعنف. تحذر الكاتبة من أن المسرحية ليست لكافة الأعمار لأن فيها ’’إباحية وإيروتيكية مستمدتان من النص الشعري العاطفي الغزلي لنشيد الأنشاد، إضافة إلى نقلها العنف النفسي الذي هو أشد إيلاما من العنف الجسدي.‘‘
تؤكد الفنانات الثلاث على العلاج النفسي الذي أفاد منه جميع المشاركين في المسرحية، خصوصا لجهة إفراغ كل شحنات العنف الموجودة في ذواتهم، لأن في رأيهن أن كل إنسان يمكن أن يكون قد تعرض لنوع من أنواع العنف والقمع في حياته.
تقول خاشوق: ’’نتشارك كمهاجرين قادمين من الشرق في المعاناة من العنف المنظم، الذي وإن اختلفت أشكاله وأنواعه، هو واحد. بالفن وحده تشفى الأرواح وتصير حياتنا أفضل ليحدث بعدها الاندماج في المجتمع الكندي الجديد.‘‘
’’كرز‘‘ عنوان يحمل مدلولات كثيرة
تشرح الكاتبة علياء خاشوق التي تقدم باكورة أعمالها المسرحية، أن كرز هو اسم الجنين في المسرحية لأن أمه حملت به في موسم الكرز. ولكن الكرز بلونه الأحمر هو دلالة أيضا على الدماء، ’’إذ إن كل شيء على المسرح يُصبغ باللون الأحمر ويكثر العويل والصراخ‘‘.
كان يمكن للمتحدثة أن تقدم القصة على الشاشة الذهبية ولها فيها باع طويل، ولكنها هذه المرة فضلت أن تحكي الحكاية في شكل مباشر لجمهور ’’غير مستلقي على كنبته في منزله‘‘. أرادته أن يتفاعل نُصب عينيها ويشارك بدوره في الاستماع بكل جروحه وحواسه، تريده يقظا وحاضرا ليلعب دور الصديق الذي يباح له بكل الأسرار.
إن ’’هناك رهانات كثيرة على العرض الباكورة ولعل الرهان الأبرز هو نجاحنا في تشجيع المرأة التي لا زالت تلتزم بالصمت وتقبل العنف بحقها وتتعايش معه، على رفع الصوت عاليا ونبذ الخوف والتنديد بالتابوهات التي تنتهك حريتها وكرامتها.‘‘
مسرحية كرز ليست مهداة للمرأة المعنفة وإنما هي دين عليها ولكي تسدده عليها أن تخرج عن صمتها وتكسر حاجز الخوف.
نقلا عن علياء خاشوق، كاتبة ومخرجة مسرحية كرز
تحديات كبرى في تجسيد شخصية البطلة ’’أزل‘‘ التي تمثل كافة النساء المعنفات
تشير المتحدثة إلى حساسية وصعوبة الدور الذي تؤديه عايدة صبرا وهو ’’يشكل تحد لأي ممثلة محترفة‘‘، بسبب كمية المشاعر المتناقضة التي تجتاح هذه الشخصية العنيفة التي تنعي الخراب والدمار ’’متسببة بأنهار دماء في كل مكان‘‘. ’’ليس أجدر من عايدة صبرا للعب هذه الشخصية وأنا ممتنة لها قبول هذا التحدي‘‘، تقول علياء خاشوق.
من جهتها تنقل عايدة صبرا تحدي اللغة الفرنسية، وهي تؤدي لأول مرة في مشوارها مع الدراما ’’نصا طويلا وعميقا بلغة موليير‘‘. هي التي لم تكن في صغرها موهوبة لتعلم هذه اللغة على مقاعد الدراسة كما تقول.
أرى في المسرحية وطنا مارس بحقي العنف، قدمت له الكثير وكانت النتيجة أنه طردني من أرضي وهجرني.
نقلا عن عايدة صبرا، ممثلة كندية لبنانية
تضيف المتحدثة: ’’إنني أتحرر على المسرح من كل ممارسات العنف التي تعرضت لها وكذلك هي حالة جميع المشاركين في المسرحية المتحدرين من أصول شرق أوسطية، هم يحتاجون إلى تحرير نفوسهم بالدراما، وعندما يبوحون بالمعاناة تستكين أرواحهم ويعود لها سلامها وهدوئها.‘‘
ميزة المسرح أنه حقيقي وينقل الواقع، يسلط الضوء على قضايا المجتمع محفزا المتلقي على إعادة التفكير بالمكتسبات والمفاهيم والعادات التي تربى عليها. لا يُلقى على عاتق المسرح إيجاد الحلول وإنما هو يظهر المشاكل تحت مجهر دقيق وفي تشريح معمق محفزا جمهوره على تبني المشكلة والمساهمة في حلها. هكذا أجمعت المتحدثات الثلاث في لقائي معهن في مركز (MAI) في وسط مدينة مونتريال مطلع الأسبوع الماضي.
في البداية كانت فكرة مجنونة لتنتهي بتجربة غنية، غريبة، صعبة جدا ولكنها أيضا ممتعة جدا.
نقلا عن يارا صبري، الشريكة في الرؤية المسرحية والإخراج
تقول المتحدثة إن كل عنصر في مسرحية ’’كرز‘‘ من كتابة النص ومحاكاته مع ’’نشيد الأنشاد‘‘ إلى اختيار المشاركين فيه من غير المحترفين مع الاعتماد على ’’الحجر الأمان المطمئن‘‘، الممثلة القديرة عايدة صبرا، أضفت هذه العناصر مجتمعة طابع ’’المسرح التجريبي‘‘. التحديات كانت كبيرة في البداية ولكنها بدأت تُذلل مع تقدم سير البروفات وانصهار المجموعة مع بعضها البعض ومع فكرة النص والرؤية الدرامية.
من الناحية التقنية الإخراجية، لم يكن من السهل التعامل مع ممثلين غير محترفين مرّ وقت طويل على وجودهم في كندا، هم أيضا لديهم دوامات عمل وغير متفرغين للتمرينات. كان يجب تلقينهم أداء المفردات والحروف بالتشكيل الصحيح بلغة عربية فصحى سليمة. التحدي الأكبر، تقول صبري، ’’كان في ضبط الإيقاع للمجموعة وجعلها واحدة بإحساسها وحركاتها وكلماتها وحتى في أنفاسها‘‘. هناك مستويات عدة في العلاقة بين بطلة المسرحية ’’أزل‘‘ والشخصيات الأخرى، من ناحية علاقتها مع النساء ومن ناحية أخرى علاقتها مع الرجال، كذلك مع مجموعة أعضاء الجوقة ككل وفي النهاية مع النص الذي اختير من سفر ’’نشيد الأنشاد‘‘.
تبرز المتحدثة ’’الطابع الإيروتيكي الموجود في نص ’’نشيد الأنشاد‘‘ بذاته الذي يتحدث عن العلاقة الحميمة بين الشريكين وكيف تم توظيفه بعناية شديدة لخدمة أهداف المسرحية.‘‘ تتنقل الشخصية الرئيسية ’’أزل‘‘ من الحالة المعاشة إلى الحالة المشتهاة في تحول من النقيض إلى النقيض بتمكن واحتراف عالي عند من تجسد هذه الشخصية عايدة صبرا التي تلعب دورها باللغة الفرنسية أما أعضاء الجوقة فيتلون النصوص بالعربية.