هاجرت عايدة صبرا إلى كندا مطلع التسعينيات وعاشت طيلة خمس سنوات في مونتريال لتقرر بعدها الاستقرار في بيروت إيمانا منها بنهوض لبنان من كبوته. كذلك حصلت الممثلة اللبنانية هيام أبو شديد على الإقامة الدائمة في كندا منذ زمن، ولكنها كانت تكتفي بين الفينة والأخرى بزيارة ابنتها في تورونتو وابنها في فانكوفر.
اليوم تغيرت حياتهما وشكل انفجار مرفأ بيروت ’’الضربة القاضية، تقول أبو شديد، التي قضت على كل أمل لنا بكرامة إنسانية في وطننا الأم.‘‘
تَهدّم محترف التمثيل الذي كانت تملكه قبالة المرفأ وليس في جيبها مال لإعادة إعماره ولا في قلبها أمل باسترجاع إنسانيتها في وطن جلّ اهتمامات مواطنه ’’أن يأكل ويشرب وينام.‘‘
ناضلتُ حتى النفس الأخير ولم يعد لدي طاقة على الاحتمال وتلقي الضربات وتكديس النكبات واحدة تلو أخرى[…] لذا قطعت الحبل السري الذي كان يربطني بلبنان.
نقلا عن هيام أبو شديد، إعلامية، أستاذة جامعية، كاتبة سيناريو وممثلة لبنانية
كذلك تسرد عايدة صبرا كريشندو الكوارث الذي أطبق على صدرها فتربص بها اليأس والإحباط وضاقت فسحة الأمل، من احتجاجات 17 أكتوبر 2019 ، إلى انفجار مرفأ بيروت ثم جائحة كوفيد-19.
لقد فقد زوجها من جديد وظيفته كما أنها توقفت عن تقديم المسرحيات التي تمولها من جيبها الخاص من دون مردود مالي، في الوقت الذي يحتاج فيه أولادها الكنديون ولوج الصروح الجامعية. حتّمت كل هذه الأسباب عودة صبرا مع عائلتها مجددا بعد أكثر من عقدين إلى ’’الملاذ الآمن‘‘ كندا.
’’أعطني خبزاً ومسرحاً.. أعطيك شعبًا مثقّفاً‘‘، يقول المسرحي الألماني برتولت بريخت (BERTOLT BRECHT)
أيُّ مسرح أقدّمه في بلد جلّ هواجس مواطنيه التفكير في تأمين خبزهم وقوتهم اليومي…صرت أخجل من نفسي عندما أفكر في أخذ المال لقاء تقديم دراما تحاكي الرقيّ الفكري والأدبي والاجتماعي عند شعب يتضوّر جوعا وحرمانا.
نقلا عن عايدة صبرا، استاذة جامعية، مخرجة، كاتبة وممثلة مسرحية كندية لبنانية
هذا لأن الخبز يأتي قبل أي شيء آخر، تضيف المتحدثة، حيث يعطي المسرحي الألماني الأولوية في تطور الشعوب للقمة العيش يليها المسرح.
تشير المتحدثة إلى أن زوجها لم يجد إلى اليوم عملا ثابتا في مونتريال، ومع ذلك فهو مطمئن يكفيه الشعور بالاستقرار النفسي.
تجد صبرا ’’أن ميزة المجتمع الكندي أنه ينظر إلي كإنسانة مهما كان لون بشرتي أو ديني أو حجم أرصدتي في البنوك. يهمه كيف أفكر وكيف أتعامل معه، كيف نتشارك معا لنبني مجتمعا مثقفا ومنفتحا.‘‘
ما زاد في الطين بلّة، أن الدواء الذي تحتاجه لم يعد متوفرا في لبنان، وهي بحاجة إلى التردد على عيادة طبيب مختص بشكل دوري، بنفقات لم يعد بمقدورها سدادها. مما يعزز ثقتها بأنها اتخذت القرار الصائب بالاستقرار في كندا حيث مجانية الطبابة وتوفر الدواء بأسعار معقولة.
’’أيّ وطن أريد؟‘‘
تعقب هيام أبو شديد قائلة: ’’لا يستطيع الفنان أن يكون فنانا محترما قبل أن يكون إنسانا محترماً.‘‘
ماذا يعني أن يعيش المرء بكل الاحترام في بلده؟ ما هي خاصية المواطن المحترم؟ ما هي مقومات الدولة التي تحترم مواطنيها وكيف لون الحياة فيها؟ أنا لم أختبر ذلك في عمري كلّه كما اختبره وأعيشه في كندا.
نقلا عن هيام أبو شديد، إعلامية، أستاذة جامعية، كاتبة سيناريو وممثلة لبنانية
تضيف المتحدثة، ’’كان لا بد من قلب الطاولة عندما بدأت أطرح السؤال عن معنى وجودي في بلد بنيت فيه ولكنه لم يبن لي شيئا. هل كل همي في الحياة تأمين الخبز والمياه والكهرباء والبنزين؟ لماذا أرضى أن أكون حجرا في لعبة الداما يحركونه كيفما شاءوا؟ إنني بحاجة إلى الشعور بأنني بأمان وبأن مساحة الإبداع تتسع ولا تضيق.‘‘
لا تندم أبو شديد على قرارها بالهجرة إلى كندا وتضييع فرصة مشاركتها في أدوار درامية كانت معروضة عليها. عدا رفضها العديد من تلك الأدوار بسبب رفضها المساومة على قناعاتها، تهم هيام أبو شديد ’’إنسانيتها أكثر مما يهمها بريق الشهرة ولمعانها[…] أحتاج إلى الشعور بالأمان وألا يسلب أحد إنسانيتي.‘‘
الغد في مونتريال
تعوّل الفنانتان المخضرمتان على النضوج والخبرة في رصيدهما الفني لتسهيل إطلاق مشاريعهما الخاصة.
بعد تعديل شهاداتها، تُدرس هيام أبو شديد اليوم المسرح للأطفال في إحدى مدارس مونتريال الخاصة. كذلك تطلق قريبا محترف تمثيل للصغار والكبار. وأكثر ما تطمح إليه هو إيجاد عمل كوسيطة في تقريب وجهات النظر، علما أنها تحمل شهادة بذلك من جامعة القديس يوسف في بيروت. هذا وتعتقد المتحدثة بأنه ليس من السهل على الممثل العربي أن يخوض في عالم التمثيل في كيبيك أو في كندا.
انخرطت عايدة صبرا في مؤسسة ’’حي حاتم علي للفنون‘‘ في مونتريال، وتسافر قريبا إلى فرنسا للمشاركة في عروض مسرحية ’’أم‘‘ (Mère) بتوقيع المسرحي الكندي اللبناني وجدي معوض المقيم في فرنسا. تقدم عروض المسرحية على خشبة المسرح الوطني الفرنسي (Théâtre de la Colline)، حيث عُيّن معوض مديره منذ عام 2016.
العمل مع وجدي معوض لا يمكن مقارنته مع أي من الأعمال المسرحية الأخرى التي مارستها في حياتي المهنية. الاحتراف عال جدا والإمكانيات كذلك مما يجعل الفنان يُركز على أدائِه فحسب.
نقلا عن عايدة صبرا، مخرجة مسرحية
ترغب كل من هيام أبو شديد وعايدة صبرا في الوقت الحالي، البناء لحاضرهما فحسب. برأيهما ’’لا أحد يبني من الصفر، وسنكمل من النقطة التي وصلنا إليها.‘‘
أنا سعيدة جدا بعد مضي نحو 4 شهور على وصولي إلى مونتريال. لا يزعجني أي شيء… لم أعد أصحو في الليل وأشعل ضوء الهاتف لأن الكهرباء مقطوعة. من اليوم يحق لي الحلم والعيش مع احتفاظي بوطني الأم في قلبي.
نقلا عن هيام أبو شديد، إعلامية، أستاذة جامعية، كاتبة سيناريو وممثلة لبنانية