فاز الفيلم الوثائقي ’’شباب فرنسي‘‘ (Jeunesse Francaise) بتوقيع السينمائي الكندي جيريمي باتاغليا بجائزتين في مهرجان السينما الناطقة بالفرنسية في مدينة مونتريال (Cinémania). وتوج بجائزة ’’ما بعد الحداثة‘‘ كما حاز على تنويه خاص في منافسة الأفلام الوثائقية.
شكلت هجمات باريس عام 2015 نقطة تحوّل في حياة السينمائي الشاب جيريمي باتاغليا من أصول إيطالية الذي كان يعيش قرب مارسيليا ولديه العديد من الأصدقاء من دول المغرب العربي. قرأ وحلل وتساءل السينمائي عن الأسباب التي تدفع عددا من هؤلاء الشباب إلى الانتماء إلى التطرف والضلوع في مخططات إرهابية. وشاء أن يروي قصة مختلفة عما كان سائدا لجهة وصم الشباب الفرنسيين العرب في ذلك الوقت بالإرهاب والعنف.
في مارسيليا كنت على احتكاك دائم بشباب فرنسيين آتين من شمال افريقيا، هؤلاء لم ينخرطوا في منظمات إرهابية وليسوا قطاع طرق فلما وصمهم بالإرهاب؟نقلا عن جيريمي باتاغليا، سينمائي كندي من أصل فرنسي
وبدأ المتحدث البحث عن قصة مختلفة توفي أبناء دول المغرب العربي حقهم وتصور جانبا آخر مختلفا تماما عما يصوره الإعلام الفرنسي والعالمي.
مصارعة الثيران في استعارة لمحاربة العنصرية
شاءت ’’الصدفة السعيدة‘‘ أن يشاهد جيريمي سباقات مصارعة الثيران الترفيهية الشهيرة (من دون إراقة دماء) في مدينة كامارغ (Camargue) في جنوب فرنسا، مكتشفا أن عددا كبيرا من أبطال هذه الحلبات هم فرنسيون ينحدرون من أصول شمال افريقية.
يعتبر السينمائي الكندي بأن هناك مدلولات أبعد من مجرد مصارعة ثور لدى هؤلاء المهاجرين. هم يدفعون الثمن باهظا مغامرين بأجسادهم في محاولة لإيجاد مكان لهم في مجتمعهم الجديد سيّان عندهم الندوب التي يمنون بها في كل سباق يشاركون فيه.
تجدر الإشارة إلى أن مصارعة الثيران في كامارغ تأخذ بعدا أقل دموية عما هي الحال عليه في الـ Corrida de toros في إسبانيا مثلا حيث لا تتوفر لجسد المتصارع الحماية الكافية من قرون الثور التي ولا بد أن تكون حادة وأن يكون الثور قوياً ضخماً صحيح البنية وينتهي الأمر في بعض المرات بمقتله على يد الثور الهائج إن لم يستطع هو ترويضه أو قتله.
يرى السينمائي أن هناك غاية ينشدها بطلا فيلمه من أصل مغربي جواد وبلقاسم من خلال ممارستهما رياضة مصارعة الثيران القاسية. ’’إنهما يسعيان إلى دحض العنصرية الممنهجة بحقهما وتثبيت مكانتهما في مجتمعهما الجديد في رياضة تقليدية ورثها الأجداد عن الأسلاف في كامارغ‘‘. من جهته يؤكد الشاب جواد بكلول أن هذه الرياضة غير موجودة على الإطلاق في بلده الأم المغرب. حتى والده كان يظن أن ابنه منخرط في فريق كرة قدم إذ ظل يمارس رياضة مصارعة الثيران سرا لمدة طوsser le widget ?
يتحلى جواد وبلقاسم بالشجاعة حقا في منطقة عنصرية للغاية في الجنوب الفرنسي النائي. لقد استطاعا أن يكونا جزءا من مجتمع تقطنه غالبية من المسنين والمحافظين واليمينيين المتطرفين…لقد أجبر الشابان البطلان ذلك المجتمع على النظر إليهما بطريقة مختلفة.نقلا عن جيريمي باتاغليا، سينمائي كندي من أصل فرنسي
الثور غاية وجودية
يقول جواد بكلول الذي رافق عروض الفيلم الوثائقي في مهرجان سينمانيا إنه الشغف الذي قاده في البداية إلى سباقات مصارعة الثيران خصوصا أن الثور في كامارغ ملك متوج. ’’ولكن سرعان ما تشكل الانسجام فيما بيننا واعتبر الثور غاية لوجودي فلولاه لا أكون، وهذه الرياضة بثمنها الباهظ أصبحت جزءا من حياتي اليوم‘‘.
يعتبر جواد أنه بفضل الثور استطاع أن يفرض نفسه في البلد المضيف، ومع تحقيق وجوده في حلبات السباقات حقق أيضا وجوده في المجتمع الفرنسي بأسره.
إن ما نعيشه في سباقات مصارعة الثيران يحاكي النضال اليومي الذي نعيشه كمهاجرين يحتاجون إلى تبرير أنفسهم، حيث المشكلة كانت في اسمي وليس مهارتي… لقد نجحت في إثارة انتباه مجتمعي الجديد من خلال تبني ثقافته وتقاليده وأنا من ذهب إليه ليقبلني وينظر إلي بشكل مختلف.نقلا عن جواد بكلول، مصارع ثيران في كامارغ
لم تكن مسيرة جواد وردية وكان نصيبه دوما ’’الغبن وإساءة الفهم والعنصرية الممنهجة‘‘ أكان على مقاعد الدراسة أو في الحياة عموما وبعد ذلك في المسيرة المهنية. وقفت دوما، حسب رأيه، الأحكام المسبقة بسبب أصوله العربية، عائقا دون تحقيق الخطوات الناجحة والثابتة في مجتمعه الجديد. لذا وجد نفسه يخوض هذا الكفاح الصعب.
ينتظر جواد اليوم قبول ترشيحه لوظيفة رجل إطفاء في فرنسا، وظيفة أقل خطورة وأكثر استقرارا خصوصا أن لديه طفل في الشهور الأولى من العمر ويستحق منه تغيير المسار.
’’لأجل طفلي قررت اليوم الانسحاب من سباقات مصارعة الثيران، لن اسمح لنفسي أبدا في أن أورث ابني شغف هذه المصارعة التي لا يحمد عقباها‘‘. وأضاف جواد قائلا: ’’أعتقد أن ابني إذا قرر أن يصبح مصارعا للثيران، فإن ذلك سيكون حقا حبا بالثور وليس قتالا من أجل الحياة. بالنسبة لي كان الأمر حقا بمثابة صراع وجودي مع شغف بالحيوان الملك‘‘.
’’الثور شريك وليس خصم‘‘
يدرب الإسباني تيتو سانشيز الناشئة في كامارغ على مصارعة الثيران، وأول ما يعلمه لهم هو حب الثور والنظر إليه كشريك في المصارعة وليس كخصم حتى ولو تسبب لهم بالأذية، علما أن المصارعين يتعرضون لخطر الإصابة والوفاة أحياناً. ويردع هذا الأمر غالبا الأشخاص الأقل شغفا بهذه الرياضة، كما يقول سانشيز، ’’ولا يمضي قدما في اعتناقها إلا من يملك المهارة والشجاعة الكافيتين لمواجهة الثور‘‘.
فقد تيتو سانشيز شقيقه الماتدور في إحدى سباقات مصارعة الثيران في اسبانيا ولكن ذلك لم يمنعه من الاستمرار في تعليم هذه الرياضة الخطيرة وممارستها. يقول المتحدث إنه شغوف بسباقات مصارعة الثيران التي نشأ عليها منذ نعومة أظفاره في بلد تشكل فيه سباقات مصارعة الثيران جزءا لا يتجزأ من الاحتفالات الشعبية ورمزا للتراث الإسباني، حيث يرتدي المصارعون الملابس التقليدية المزينة بالألوان الزاهية. تُعتبر هذه الملابس جزءًا من العرض الفني الذي يقدمه المصارع في ساحة المصارعة. ولها رمزيّتها في التعبير عن الشجاعة والمهارة.
راديو كندا الدولي