أثار توجه العراق نحو إنشاء مدن صناعية جديدة، تساؤلات بشأن إمكانية نجاحها في جذب الاستثمارات الأجنبية دون مضايقتها للصناعات المحلية والاقتصاد العراقي بشكل عام.
وتعتبر المدن الصناعية الخاصة، مناطق محددة جغرافيًّا تخضع فيها الشركات لقواعد خاصة تختلف عن تلك الموجودة في بقية البلاد، وغالبًا ما يُمنح المستثمرون إعفاءات ضريبية، وأخرى من الرسوم وحوافز مالية.
وتمثل تلك الطريقة وسيلة أساسية لجذب الاستثمارات ورؤوس الأموال والتكنولوجية العصرية وأنظمة الإدارة العصرية في تنظيم التخزين والعمليات التسويقية.
ويعد إنشاء المنطقة الحرة بين العراق ومصر عام 2001 إنجازًا مهمًّا في تفعيل السوق العربية المشتركة، باعتبارها أول اتفاقية للتعاون التجاري بين دولتين عربيتين وقتذاك، لكنها سرعان ما تلاشت على وقع الغزو الأميركي للبلاد عام 2003.
ويقول المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي مظهر محمد إن “العراق لديه الآن نحو 5 مناطق حرة، واحدة منها قيد الإنشاء، وكلها ذات طبيعة تسويقية، وتقارب مفهوم بضاعة الأمانة، وهي سلع معدة للتصدر إلى داخل البلاد فورا عند الحاجة، وتنتظر الطلب الداخلي فحسب بالغالب”.
وأضاف محمد، في تصريح لـ”سكاي نيوز عربية”، أن “قانون (البصرة عاصمة العراق الاقتصادية) الذي أقر عام 2017، لم ينفذ حتى الآن، وهو يعد تغييرًا جوهريًّا في فلسفة تأسيس وبناء المناطق الحرة، إذ ركز القانون على إدارة مناطق تجارية حرة، هي أقرب إلى فكرة المدن الصناعية والخدمية الحرة”
0 seconds of 2 minutes, 18 secondsVolume 100%
العراقيون لم يلمسوا الآثار الإيجابية لزيادة أسعار النفط
وأوضح المستشار العراقي أن “منظمة التجارة العالمية نفسها وضعت شروطًا لرعاية المناطق الحرة في العالم بغية تشجيعها، إذ تضمنت اتفاقية منظمة التجارة العالمية (WTO) تفاصيل ما يسمى بالإعانات والتدابير التعويضية (SCM) لتعبر عن شروط وفوائد المناطق الحرة لمختلف بلدان العالم”.
ورغم أن فكرة إنشاء المدن الصناعية في العراق تبدو جيدة للوهلة الأولى في تحويل المناطق النائية إلى صناعية، وتشغيل العاطلين، كما أن العراق يملك معادن يمكن الاستفادة منها في إنشاء مئات المصانع، فإن هناك مخاوف من التأثير على الاقتصاد العراقي، أو مزاحمة الصناعات المحلية.
شبح الفساد
يحذر المتخصصون من إمكانية أن يتغلغل الفساد الذي يعاني منه العراق إلى المنطقة الحرة، فضلًا عن الممارسة الخاطئة للفكرة الصحيحة، وتأثير ذلك على البيئة والمواطن والاقتصاد.
في هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي صلاح الموسوي إن “الاستثمارات الأجنبية بشكل عام، ظاهرة إيجابية وناجحة في بعض البلدان، وهناك ضرورة بالفعل للصناعات الاستثمارية الأجنبية والعراقية ولتأسيس المدن الصناعية في العراق، فضلًا عن التعاون مع البلدان المجاورة والدول العربية وغيرها، لكن ضمن شروط منصفة للعراق وللصناعيين العراقيين ومنصفة أيضًا للمستثمر العراقي”.
وأضاف الموسوي، وهو عضو اتحاد الصناعات العراقية، في حديث لـ”سكاي نيوز عربية”، أن المنطقة الصناعية “فكرة جيدة لكنها تحتاج إلى مراقبة دقيقة حتى لا تتحول إلى (حصان طروادة) بإدخال مواد أجنبية كاملة تقريبًا إلى المنطقة دون جمارك بحجة المنطقة الصناعية، ومن ثم تورّد على أنها مصنعة في العراق وتعفى من الضرائب، وبالتالي تضايق الإنتاج المحلي الذي لن يستطيع منافستها”.
ويرى الموسوي، وهو مرشح سابق لمنصب رئاسة الوزراء، أن “الدولة بشكل عام في العراق غير مؤهلة لتطبيق ضوابط المنطقة الحرة، لجملة اعتبارات تتعلق بهيكلية الإدارة الداخلية”.
وتسعى الصناعة العراقية إلى تعزيز حضورها في السوق المحلية من خلال تفكيك العقبات التي تكبلها بالنظر إلى رخص السلع المهربة والتي تتسرب من المنافذ الحدودية، وتقادم المصانع نتيجة الحروب المتتالية خلال العقود الأربعة الماضية.
وفي نوفمبر 2020، قالت وزارة الصناعة إنها تعتزم إنشاء 9 مدن صناعية جديدة في محافظات الديوانية والمثنى وبابل وواسط والنجف وميسان وصلاح الدين وديالى وكربلاء بعد إكمال تحويل ملكية الأراضي، وأنها تعمل على إكمال تنفيذ أربع مدن أخرى.
وأسهمت عوامل كثيرة في تدهور الصناعة أبرزها تولي مناصب المسؤولية من قبل شخصيات لا تتسم بالكفاءة بسبب المحاصصة الطائفية وتشجيع الطبقات السياسية على الاعتماد على الاستيراد لتمرير صفقات الفساد.