يعود مهرجان ’’أوريانتاليس‘‘ (Orientalys) حضوريا هذه السنة بعد نسخة افتراضية في العام 2020 ونسخة هجينة العام الماضي.
النسخة الأولى ما بعد جائحة كوفيد-19 هي الثانية عشرة في عمر هذا المهرجان الذي يشكل تحية للثقافات والفنون الممتدة ’’عبر ثلاث قارات من المغرب الكبير إلى الصين، مروراً بإسبانيا وتركيا وسوريا ولبنان وإيران وكمبوديا والهند واليابان والعديد من دول الشرق الأخرى‘‘، نقرأ في الموقع الإلكتروني لهذا المهرجان الصيفي بامتياز.
يتفرّع مهرجان ’’أوريانتاليس‘‘ من ’’مهرجان العالم العربي‘‘ العريق في مونتريال، ولكن الصيغة مختلفة تماما في مهرجان الصيف القصير في الهواء الطلق، عن مهرجان الخريف الذي يمتد على نحو عشرة أيام في الصالات الداخلية. علماً أن الفريق المتعدد الجنسيات والثقافات والأعراق هو واحد لكل من المهرجانين وينتمي إلى المؤسسة الفنية: ’’الشيمي، إبداعات وثقافات‘‘ (Alchimies, Créations et Cultures). ’’يجمع بين أعضاء الفريق المنضوي في هذه المؤسسة حسن الاستماع وحب المشاركة والانفتاح على الآخر، ولعل الميزة الفضلى هي أن هناك رؤية واحدة واضحة وجلية لجميع أعضائه بالنسبة إلى ما يقدّمونه، كما يجمعهم إيمان كبير في بناء الجسر الوثيق بين الثقافات الشرقية والغربية‘‘، كما توضح نائبة مدير مهرجان العالم العربي ومديرة العلاقات العامة في ’’أوريانتاليس‘‘ ليلى محيوت.
تطلّب الأمر مشقة وصعوبات لتأسيس نواة قوية ومستديمة منذ العام 1999، تاريخ إطلاق النسخة الأولى من مهرجان العالم العربي في مونتريال. تآلفنا على مرِّ السنين مع التحديات من كلّ شكل ولون، ولعل استمرارنا اليوم هو نتيجة المشاركة المنسجمة والمتناغمة بين كل الأعضاء المنضوين تحت لواء هذا التظاهرة الثقافية السبّاقة[…] أصبح لدينا الحدس في معرفة، من النظرة الأولى، من يستطيع أن ينجح في العمل معنا وينضم إلى أسرتنا. هناك بلا شك مميزات يجب توافرها في المرشح للعمل في فريقنا.
نقلا عن ليلى محيوت، مديرة العلاقات العامة في Orientalys
مجانية مطلقة…
لا يحتاج العابر إلى أزقة المرفأ القديم في وسط مدينة مونتريال إلى تذكرة وجواز سفر من أجل ولوج فضاء المهرجان على أقدام الساعة الكبرى (Quai de l’Horloge).
(في الفيديو أدناه: لقطة من عرض ’’الدراويش‘‘ على الطريقة المولوية التي أسسها جلال الدين الرومي، خلال فعاليات نسخة العام 2013 في مهرجان ’’أوريانتاليس‘‘)
في ساحة ’’أوريانتاليس‘‘ فُرجةٌٌ ليست للعين فحسب، بل إنما أيضا للقلوب التي ترفرف في فضاءات جميلة مزهوة بالألوان تذكر بألف ليلة وليلة. الجميع مرحب بهم من أهل مونتريال وسياحها بمجانية مطلقة ’’إنه ليس المهرجان الذي يعود علينا بالإيرادات ولا نريده كذلك، فهو مشروع من دون ربح مادي‘‘. وتردف ليلى محيوت بأن منحا من مجلس الفنون الكندي (Conseil des Arts du Canada) وبلدية مونتريال، بالإضافة إلى رعاية شركات تجارية ومؤسسات خاصة محلية ودولية، تساهم في تغطية ميزانية المهرجان. ’’لا شك أنه مسار طويل وشاق لجمع التمويل لمهرجان أوريانتاليس، خصوصا أن حكومة كيبيك توقفت تماما عن تمويله. مما دفعنا إلى البحث عن شركاء دوليين، كتلك الشراكة مع ’’الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي‘‘، التابعة لوزارة الثقافة في الجزائر، كانت شريكا معنا لعدة سنوات ولكن للأسف توقف التعاون بيننا منذ الجائحة‘‘.
تركت ليلى محيوت بلدها الأم الجزائر في مطلع التسعينيات من القرن الماضي بهدف الدراسات العليا في مونتريال، ولكنها التحقت مباشرة بميدان العمل في اختصاصها في هندسة المعلوماتية. انضمامها إلى ’’مهرجان العالم العربي‘‘ في مونتريال كان في العام 2007. بدأت محيوت المشوار عريفة للحفلات بحضورها الواثق والرصين لتتقلد منصب نائبة رئيس المهرجان ومؤسسه جوزف نخلة وفي ’’أوريانتاليس‘‘ أسندت إليها مهمة العلاقات العامة.
إنه الهواء الذي اتنشقه
إنه عشق من النظرة الأولى بين ليلى محيوت وفريق ’’ألشيمي، إبداعات وثقافات‘‘ وبعد شهور من مراسلة المدير التنفيذي جوزف نخلة ’’الذي فُتنت بكتاباته والتجاوز الفكري لديه‘‘، أتتها الموافقة على طلبها بالانتساب وصارت جزءا مكملاً لهذه المؤسسة التي توّسع انتشارها و اضطلعت برسالة الدمج الجريئ بين الثقافات المتعددة من خلال الأنشطة والفعاليات الطليعية غير المسبوقة.
ما أقوم به هو ذلك الأوكسيجين الذي يُحييني، أكثر ما جذبني هو أن المهرجان لا يخص جالية بعينها ولكنه شمولي يريد أن يجمع الكون بأسره ويضعه على مائدتنا لنتذوق ونتفاعل مع كل الثقافات والحضارات التي تُكوّن المشهد الفسيفسائي في مدينتنا الكوسموبوليتية مونتريال. إن مهرجاننا لا يترك أحدا غير مبالي، بل يجد كل فرد نفسه مدعوا إلى المشاركة والانصهار […] إن ما أفعله اليوم هو تحقيق لحلم قديم قصرّني عنه تأثير والديّ علي وعلى توجيهي الأكاديمي، لأجد في كنف مؤسسة ’’ ’’ألشيمي، إبداعات وثقافات‘‘ ما كنت أنشده طيلة عمري، تلك المساحة من الحرية والإنفلات في فضاءات فسيحة.
نقلا عن ليلى محيوت، مديرة العلاقات العامة في Orientalys
تعمل المتحدثة بدوام عمل كامل في مصرف ’’ديجاردان‘‘ المرموق (Caisse Desjardins)، علما ان العمل في ’’مهرجان العالم العربي‘‘ ومهرجان ’’أوريانتاليس‘‘ يتطلب أيضا تفرغا تاما على مدار العام. ’’لا تسأليني كيف أجد الوقت، أنا نفسي غير مدركة لأسباب هذا الشغف المُطبق الذي يستولي على كل كياني ووجودي ويمنحني الطاقة والقوة‘‘.
ليست ليلى محيوت وحدها التي تشعر بهذا الانتماء القوي للمؤسسة الثقافية الريادية، بل معها مجموعة من الاختصاصيين الذين يعطون بسخاء لتحقيق التألق الدائم والإبهار في ’’مهرجان العالم العربي‘‘ وفي مهرجان ’’أوريانتاليس‘‘. لا تتقاضى ليلى محيوت أجرا على عملها وهكذا هي حال الغالبية العظمى من المتطوعين المنضمين إلى المؤسسة الثقافية التي تقدم مهرجانَي مونتريال.
توضح محيوت أن هناك ما لا يقل عن 25 شخصا من المتطوعين في مهرجان ’’أوريانتاليس‘‘ الذين يكثفون الاجتماعات والاستعدادات في هذا الوقت عشية إنطلاق المهرجان يوم الخميس المقبل 18 آب / أغسطس الجاري ويستمر حتى يوم الأحد 21 أغسطس.
’’منذ قليل تلقيت اتصالا من المسؤولة اللوجستية في المهرجان المسؤولة عن المتطوعين تيتما بِشوكَة، التي قالت لي بأنه يجب توفير المزيد من الأشخاص للمساعدة اللوجستية لأن الإقبال كما يبدو سيكون كثيفا في هذه النسخة خصوصا أننا نعود بعد انقطاع جزئي دام عامين‘‘، تقول محيوت.
العمل التطوعي مقدس في كندا
تعلّل السيدة محيوت أن انجذاب المتطوعين إلى المهرجان يعود إلى أن كندا تعزز العمل التطوعي وتحفّز عليه. ’’إنه مطلوب في السيرة المهنية ويُحبِذه الجميع، لذا تجدين أن المهرجان يجذب كل سنة المزيد من المتطوعين‘‘. وليس هذا هو السبب فحسب، توضح المتحدثة، فمما لا شك فيه أن هؤلاء يؤمنون أيضا برسالة المهرجان ومسيرته، وإلا لما كانوا عادوا ليعملوا معنا عاما بعد عام.
تسرد محيوت قصة المتدربة سيلين التي أتت من فرنسا في إحدى نسخ المهرجان لتخضع لتدريب سيكلّل شهادتها الفرنسية في العلاقات العامة. حصّلت سيلين دبلومها ولكنها لم تنكفئ عن المجيء إلى المهرجان للمشاركة في النسخات التي أعقبت. تأتي سيلين هذه السنة أيضا من باريس خصيصا للمشاركة في تنظيم مهرجان ’’أوريانتاليس‘‘. وتمضي بعد ذلك الوقت كله في مونتريال مشاركة في الاستعدادات لتنظيم النسخة الـ 23 لمهرجان العالم العربي في مونتريال. ’’إن غالبية المتطوعين هم من ذوي الاختصاص ومشاركتهم معنا تعود بالفائدة الفضلى على المهرجان وتساهم في تقدمه وازدهاره‘‘. هذا وتشيد المتحدثة بالدماء الجديدة التي يضخها المهرجان، حيث أصبحت غوى ابنة مدير المهرجان ومؤسسه جوزف نخلة، المديرة التنفيذية لمهرجان ’’أوريانتاليس‘‘. ’’ هذه المستشارة الاستراتيجية في كبرى المؤسسات المصرفية في كندا، ’’ديجاردان‘‘، تضع كل إمكانياتها وخبراتها وطاقاتها ليستمر النبض والروح من جيل إلى جيل‘‘.
تشير ليلى محيوت إلى أن مهرجان ’’أوريانتاليس‘‘ الذي لا يتطلب شراء تذكرة لحضور فعالياته، كان في السنوات التي سبقت الجائحة يغصّ بالزوار، وكانت إدارة المهرجان تضطر إلى رفض دخول البعض لأن المكان مكتظ ولم يعد يستوعب المزيد. ’’هذا ما دفعنا، تقول محيوت، إلى أن نقدم نسخة افتراضية مائة بالمائة في العام 2020 ونسخة هجينة، مع القليل من الأنشطة الحضورية في العام 2021‘‘، حفاظا على سلامة الحضور من تفشي عدوى الإصابة بداء كوفيد-19. ’’كان يهمنا ألا يتوقف نشاطنا وأن نبقي على النبض الحيّ للمدينة التعددية التي تحتضن بكل الدفء والسلام مهرجاننا‘‘.
’’فضاء بلاد الشرق‘‘، قلب المهرجان النابض
تعود في النسخة الحالية فعالية ’’فضاء بلاد الشرق‘‘ التي غابت في العامين الماضيين. في هذا الفضاء الذي هو أشبه بسوق شعبية تجمع أناس من كافة المشارب، تُفتح نوافذ تطلّ على اربعة عشر بلدا في القارات الثلاث: أفريقيا، أوروبا وآسيا. ستتاح رؤية 14 مشهدا مختلفا يستعرض المأكل والمشرب والموسيقى والرقص والغناء والأزياء والطقوس الخاصة في كل بلد من تلك البلدان التي يتفرّد مهرجان ’’أوريانتاليس‘‘ في مونتريال بتمثيلها كلها في مهرجان واحد. وقد يكون هذا التفرّد هو الغاية والسبب في إطلاق هذا المهرجان قبل اثني عشر عاما.
صحيح أن مونتريال مدينة المهرجانات الصيفية بامتياز ولكن الصيغة الفريدة لـ ’’أوريانتاليس‘‘ أعطته ذلك الدفع لترسيخ وجوده وأخذ مكانته بين سائر المهرجانات العريقة الأخرى. دأبنا في الماضي على تقديم أنشطة متفرقة في الصيف في حديقة جان درابو (Parc Jean-Drapeau) الشهيرة جنوب مدينة مونتريال، ولكن توسع بعد ذلك الحلم لنقدم أكثر من فعالية في الصيف. فكان ميلاد مهرجان ’’أرويانتاليس‘‘ الذي تغيّرت ساحاته في السنوات الأخيرة لنستقرّ وننصب خيامنا على أقدام ’’رصيف الساعة‘‘ برونق هذا المكان الخاص في قلب مرفأ مونتريال القديم. يعكس هذا المكان رؤيتنا وروح المهرجان، يشبهنا إلى حدٍ بعيد كشرقيين في حميميته وطرقاته المتعرّجة التي تشبه الطرقات في بلادي، حتى المكان أمسى يعكس هويتنا.
نقلا عن ليلى محيوت، مديرة العلاقات العامة في Orientalys
عروض غنائية وموسيقية على خشبة المسرح ومشاغل لهوايات وصناعة يدوية حرفية
مسرحان في الهواء الطلق تُقدم عليهما عروض متنوعة من رقص وغناء وموسيقى يحييها فنانون يقدِمون من مونتريال ومن خارجها أيضا، من الهند والجزائر والمغرب ومصر ولبنان وسوريا وغيرها من البلدان التي لا تغيب شمسها و يغلفك شعاع دفئها ببعض من حنين واشتياق. ’’إيقاعات من الشرق ستصدح في مونتريال طيلة أربعة ليالٍ، ليغفو أهل المدينة في كل ليلة على حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة ويطيب السمر ويحلو السهر‘‘. كذلك سيكون زوار المهرجان على موعد مع اساتذة حرفيين في الخط العربي ونقش الحنة وغيرها من أشكال الفنون والأدوات الحرفية الشرقية.
(أعدّت التقرير كوليت ضرغام منصف)