قالت وسائل إعلام وخبراء إن الاشتباكات التي اندلعت في العاصمة الليبية “انتهت بفشل محاولة باشاغا للإطاحة بحكومة منافسه”، وأن مجموعات مسلحة محايدة في هذه المواجهة، ولا سيما “قوة الردع” لعبت دورًا حاسمًا في نتيجة القتال.
عاد الهدوء إلى طرابلس الأحد (28 آب/ أغسطس 2022) غداة اشتباكات بين مجموعات مسلحة اندلعت في العاصمة الليبية ليل الجمعة السبت أسفرت عن سقوط 32 قتيلاً و 159 جريحاً، حسب حصيلة رسمية.
وسمع إطلاق نار كثيف ودوي قصف مدفعي طوال ليل الجمعة ويوم السبت حتى حلول الظلام في عدد من أحياء العاصمة وسط فوضى سياسية مع حكومتين متنافستين.
هزيمة للمرة الثانية
وذكرت وسائل إعلام وخبراء أن الاشتباكات “انتهت بهزيمة محاولة باشاغا للإطاحة بحكومة منافسه“. ولعبت مجموعات مسلحة محايدة في هذه المواجهة السياسية، ولا سيما “قوة الردع” التي وقفت إلى جانب الدبيبة، دورًا حاسمًا في نتيجة القتال.
ويعد هذا هو الانقلاب الثاني الفاشل الذي يقوم به باشاغا وزير الداخلية السابق لمحاولة إزاحة منافسه من السلطة التنفيذية.
جرت الاشتباكات على نطاق غير مسبوق منذ فشل محاولة خليفة حفتر في حزيران/يونيو 2020 لاحتلال العاصمة عسكرياً، في ذروة الحرب الأهلية التي أعقبت سقوط نظام معمر القذافي في 2011.
ولم يرد باشاغا الذي نصب حكومته مؤقتًا في سرت (وسط) ليبيا، على هذه الهزيمة الجديدة. وظهر خصمه الدبيبة في مقطع فيديو ليل السبت في أحد مقار قواته وهو يحيي المقاتلين الداعمين لحكومته.
وصافح الدبيبة الذي كان محاطا بحراسه أنصاره، والتقط صورًا تذكارية وتبادل بضع كلمات تشجيعية معهم. وقال لحشد من المقاتلين في تسجيل نشره على حسابه على تويتر إن “هذا البلد لن نتركه للأوغاد” مشيراً إلى أن الهجوم مدعوم “داخلياً وخارجياً”. وعلت هتافات تأييد في صفوف المقاتلين وقادتهم المحيطين به.
وأعلنت وزارة الصحة الليبية اليوم ارتفاع ضحايا الاشتباكات إلى 32 قتيلاً و159 مصاباً. ونشرت الوزارة، عبر صفحتها بموقع “فيسبوك” اليوم، إحصائية جديدة لضحايا الاشتباكات ، مشيرة إلى أن إجمالي الوفيات بلغ 32 والجرحى 159، وحالات الإيواء داخل المستشفيات 102حالة.
أضرار جسيمة
سبب القتال أضراراً جسيمة في العديد من المباني بينما احترقت عشرات السيارات وأصيبت ستة مستشفيات في إطلاق النار. وأُرجئت امتحانات المرحلة النهائية للمدارس الثانوية وأغلقت جامعة طرابلس حتى إشعار آخر. كما تم تعليق الرحلات الجوية في مطار معيتيقة الدولي، وهو الوحيد الذي يخدم طرابلس.
وأمر عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة طرابلس، باعتقال أي شخص متورط في “الهجوم على طرابلس” سواء كان “عسكريًا أو مدنيًا”. وقالت قوة العمليات المشتركة وهي مجموعة مسلحة قوية مقرها في مصراتة داعمة للدبيبة، في بيان صحافي الأحد، إنها أوقفت العديد من “المهاجمين” المتورطين في محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها باشاغا.
لكن الأزمة لم تنته بعد، والوضع الأمني غير مستقر إطلاقاً لا سيما في طرابلس، حيث ما زال عدد لا يحصى من الممجموعات المسلحة ذات الولاءات المتغيرة “مؤثراً جداً”.
وشهد وسط العاصمة مواجهات مسلحة بين قوات جهاز دعم الاستقرار وقوات الكتيبة 777 بقيادة هيثم التاجوري توسعت بعدها إلى أربع جبهات على خلفية الصراع بين باشاغا والدبيبة.
وأظهرت مقاطع مصورة حجم الخراب الذي حل بالممتلكات العامة والخاصة وسط المدينة، ومن ضمنها مبنى البريد الرئيسي وأحد مقار السجل العقاري، بالإضافة لبعض المرافق الصحية والخدمية والمنازل والسيارات.
“قصة لا نهاية لها”
وقال “فولفرام لاخر” الخبير الدولي في شؤون ليبيا إن “المجموعات المسلحة التي وجدت نفسها في جانب واحد في قتال الأمس في طرابلس، ستشتبك غدا على الأراضي والمواقف والميزانيات”.
وأضاف الخبير في المعهد الألماني للسياسات الدولية والأمنية أن “الفصائل التي كانت موالية للدبيبة أمس ستتحداه غداً (…)، هذه قصة لا نهاية لها”.
وكانت ليبيا غارقة في أزمة سياسية كبيرة منذ نهاية حكم القذافي مع التنافس بين المناطق الرئيسية وصراعات على السلطة والتدخل الأجنبي.
وشكلت حكومة مؤقتة في طرابلس مطلع 2021 في إطار عملية رعتها الأمم المتحدة ومهمتها الرئيسية تنظيم انتخابات في كانون الأول/ديسمبر الماضي. لكن الانتخابات تأجلت إلى أجل غير مسمى بسبب خلافات شديدة على الأساس القانوني للانتخابات ووجود مرشحين يسببون انقساماً بينهم بالتحديد الدبيبة وباشاغا وحفتر، إلى جانب نجل القذافي المثير للجدل سيف الإسلام.
ونظراً لانتهاء مدة ولايته، عيّن البرلمان الشرقي في شباط/فبراير الماضي باشاغا رئيسًا للوزراء، ما دفع الدولة الواقعة في شمال إفريقيا إلى أزمة سياسية خطيرة. من جانبه أكد الدبيبة مرات عدة أنه لن يخضع إلا لحكومة منبثقة عن صناديق الاقتراع.
من جانبها، دعت الأمم المتحدة الأطراف الليبية إلى “الحوار” لحل الخلافات. وحثت في بيان، كافة الأطراف على”الانخراط في حوار حقيقي لحل المأزق السياسي الحالي وعدم اللجوء إلى القوة لحل خلافاتهم”.
وتتنافس حكومتان على السلطة منذ آذار/مارس: واحدة مقرها طرابلس ويقودها عبد الحميد الدبيبة، والأخرى بقيادة فتحي باشاغا ويدعمها المشير خليفة حفتر رجل الشرق.
ع.ح./ا.ح. (أ ف ب، د ب ا)