’’من المدهش دائماً رؤية سياسيين ذوي خبرة يرتكبون أخطاء واضحة بقدر ما يمكن تجنبها. بالطبع، لا يوجد شخص مثالي وصحيح أنّ الرجال والنساء الذي يمارسون حالياً العمل السياسي يواجهون ضغوطاً هائلة‘‘، كتب هوغو لافاليه على موقع راديو كندا في تعليق على أخطاء السياسيين، لاسيما زعماء الأحزاب، في الحملة الإنتخابية الجارية في مقاطعة كيبيك حالياً، وهي أخطاء يستفيد منها الخصوم لانتقاد الساسة المعنيين، على حد تعبيره.
ويتابع لافاليه بأنّ رئيس الحكومة الكيبيكية الخارجة، زعيم حزب التحالف من أجل مستقبل كيبيك (’’كاك‘‘ CAQ)، فرانسوا لوغو، يدرك، منذ الانتخابات العامة الأخيرة عام 2018 على أقرب تقدير، أنّ قضية الهجرة حساسة للغاية.
في ذلك الوقت تعهّد لوغو بخفض عدد المهاجرين الدائمين الذين تستقبلهم كيبيك إلى 40 ألفاً سنوياً، لكنه تعثّر في تفاصيل اقتراحه. هذا لا يعني أنه يجب تجنب تناول ملف الهجرة، لكن على الأقل يجب أن تكون لدى من يفعل ذلك من الساسة أفكار واضحة عن الموضوع.
’’الكيبيكيون مسالمون، لا يحبون الشجار، لا يحبون المتطرفين، لا يحبون العنف، لذلك علينا أن نتأكد من الإبقاء على الوضع كما هو عليه الآن‘‘، قال لوغو أمس عندما سُئل عن رأيه في زيادة عدد المهاجرين الدائمين إلى كيبيك في وقت تفكر فيه الحكومة الفدرالية بزيادة عددهم إلى كندا إلى 450 ألفاً سنوياً.
لدينا قيم وتحدثنا كثيراً عن العلمانية في السنوات الأخيرة، وهذه إحدى القيم، والاحترام أيضاً. هناك طريقة للعيش لدينا ونريد الاحتفاظ بها.
نقلا عن فرانسوا لوغو، زعيم حزب التحالف من أجل مستقبل كيبيك (’’كاك‘‘) ورئيس الحكومة الكيبيكية الخارجة
قد يكون بالإمكان تفسير كلام زعيم الـ’’كاك‘‘ بطرق عدة، لكن يمكننا القول بأمان إنّه كان، على أقل تقدير، غامضاً. فالجمعُ بين الهجرة واللغة والعلمانية والتطرف والجانب السلمي للكيبيكيين في الجواب نفسه لا يمكنه إلّا أن يتحوّل إلى أمر سيء، يقول لافاليه في تحليله.
وفي لمح البصر احتشد جميع خصومه، من حزب التضامن الكيبيكي (QS) اليساري إلى حزب المحافظين الكيبيكي (PCQ)، ضدّه للتنديد بهذه ’’الحماقة‘‘ التي ارتكبها، يقول لافاليه.
حتى حكومة جوستان ترودو الليبرالية في أوتاوا انضمّت إلى منتقدي كلام زعيم الـ’’كاك‘‘، وهي التي لا تفوّت أيّ فرصة، منذ بداية الحملة الانتخابية، لوضع فرانسوا لوغو في موقف دفاعي، حسب لافاليه.
ومع ذلك، تثير الزيادة في أعداد المهاجرين إلى كندا العديد من الأسئلة المشروعة، دون شك. وكان بإمكان لوغو أن يتطرق إلى الاندماج في سوق العمل وتعلّم لغتيْ كندا الرسميتيْن وإلى الضغط القوي أساساً على الخدمات العامة وأزمة الإسكان، ولمَ لا، إلى العلمانية والوزن الديموغرافي لمقاطعة كيبيك في الاتحادية الكندية، يقول لافاليه.
فبعدم تفصيله فكرته وتوضيحها، أعطى لوغو انطباعاً بأنه حاول قول أشياء دون أن يكون راغباً حقاً في قولها.
وسارع لوغو للقول على وسائل التواصل الاجتماعي إنه لم يقصد ’’ربط الهجرة بالعنف‘‘ وإنه ’’آسف إذا كانت كلماته قد أدت إلى الالتباس‘‘، مضيفاً أنّ ’’الهجرة تشكل ثروة لكيبيك‘‘.
وقد يضع هذا الاستدراك السريع حدّاً للجدل، لكن من المرجَّح أنّ هذا الجدل الذي تسبب به لوغو سيترك آثاراً، إذ يعطي حزبُه الانطباع، مرةً أُخرى، بأنه يتناول ملف الهجرة باستخفاف، يرى لافاليه.
حالة حزب التضامن الكيبيكي
أمّا ’’الحماقة‘‘ التي ارتكبها حزب التضامن الكيبيكي (QS) بشأن اقتراحه فرض ضريبة على الأصول التي تزيد عن مليون دولار، فهي بالتأكيد ذات طبيعة مختلفة، لكنها تنتمي أيضاً إلى فئة الأخطاء التي يمكن تجنبها، يقول هوغو لافاليه في تحليله على موقع راديو كندا.
فبفوزه في الانتخابات العامة الأخيرة عام 2018 بـ10 مقاعد في الجمعية الوطنية (الجمعية التشريعية) التي تضمّ 125 مقعداً، لم يعد حزب التضامن هامشياً. ومن المحتَّم، في هذا السياق، أن تخضع التزاماته لمزيد من التدقيق من جانب وسائل الإعلام وأحزاب المعارضة، وعليه بالتالي أن يحرص على دقّة مقترحاته، يرى لافاليه.
ويلفت لافاليه إلى أنّ العديد من الاقتصاديين والمثقفين ركّزوا في السنوات الأخيرة على التفاوتات الناجمة عن تراكم أصول هائلة وعمليات توريثها.
وإذا كان بالإمكان الدفاع عن مقترحات حزب التضامن في هذا المجال، فمن المحتَّم أنها تثير استياء المزارعين.
فمنذ عدة سنوات ووسائل الإعلام تفرد بانتظام مساحات واسعة للحديث عن المضاربات في أسعار الأراضي الزراعية. هذا دون الأخذ بعين الاعتبار ارتفاع أسعار الآليات والأسمدة وأعلاف المواشي.
غابريال نادو دوبوا، الناطق المشارك (بمثابة الزعيم المشارك) باسم حزب التضامن، يؤكد بأنّ حزبه استثنى من الأساس الأراضي الزراعية من اقتراحه الضريبي.
لكن، لم يرد ذكر لهذا الاستثناء في الوثائق التي قدمها الحزب للصحفيين يوم الإعلان عن الاقتراح، يلفت لافاليه.
وعلى غرار الخطأ الذي ارتكبه فرانسوا لوغو، فإنّ زلّة حزب التضامن ستترك آثاراً، خاصة وأنها تعزّز صورته كحزب حضري منفصل عن واقع المناطق التي تقع خارج المراكز الحضرية الكبيرة، وهي صورة يحاول خصومه تثبيتها عليه، يضيف لافاليه.
ويختم هوغو لافاليه بالقول إنه لا شك في أنّ جميع زعماء الأحزاب سيكونون أكثر يقظة في الأيام المقبلة لتجنب إعطاء بعضهم البعض الذخيرة، لأنهم يدركون بأنه سيكون هناك دائماً شخص آخر يستغلّ أخطاءهم التي يمكنهم تجنبها، كونهم أوّل من سيفعل ذلك عندما يتعثر خصومهم.
(نقلاً عن تحليل لهوغو لافاليه (نافذة جديدة) وعن تقارير على موقع راديو كندا، ترجمة وإعداد فادي الهاروني)