وثائقي متعدد الوسائط” عنوان معرض نايلة دبجي في مركز “الفنون المتعددة الثقافات” في مونتريال المستمر لغاية 16 نيسان/أبريل.
إذا أردنا تسمية أخرى لمعرض نايلة دبجي السبّاق في أروقة مركز MAI (نافذة جديدة)في وسط مدينة مونتريال، فإننا نختار الوجود غير الثابت والمتغيّر
على غرار الذاكرة تماما التي تتغير بتغيّر الأمكنة والأزمنة وبتعدد الهويات والثقافات.
ترّدنا الفنانة التشكيلية التي تتقن أيضا أدوات الفن السمعي-البصري إلى فلسفة اليوناني هرقليطس، وهي على غراره تؤمن أن لا شيء في هذا العالم ثابت عدا التغيير
العالم حولنا في تغيّر وتبدل مستمر، لا يبقى شيء على حاله، وإن الإنسان يعيد بناء صيرورته وكينونته التي تخصّه بذاته، يبني من الجزء كلاً متكاملاً، يعكس وجوده وأفكاره وخبراته وسيرة حياته.
نقلا عن الفنانة نايلة دبجي
سخّرت نايلة دبجي العديد من الوسائط لإيصال فكرتها: الكتابة، الرسم، التصوير الفوتوغرافي والفيديو. ونجد كل هذه الوسائل منثورة في زوايا المعرض على غرار ذاكرتها المشرذمة المثقلة بالصور والذكريات. ذاكرة الفنانة المعاصرة ليست واضحة وقد مَحت بعض التفاصيل وغيبتها تماما. كل ما تحاوله نايلة دبجي هو استرجاع تلك التفاصيل ولكنها لن تنجح في ذلك حتى بعد تكرار المحاولة.إن الماضي مُغَبش وبعيد وأنا لا أتذكر شيئاً.
نقلا عن الفنانة المعاصرة نايلة دبجي
خيط مشترك في كل عناصر المعرض المتعدد الوسائط
تعود فكرة المعرض الحالي للفنانة المعاصرة إلى العام 2019 عندما أطلقت نايلة دبجي فيديو بوميرانغ (التأثير المرتد)، مدته 7 دقائق، في محاولة أولى لاسترجاع ما ورد في محادثة قديمة بينها وبين صديق في لبنان. الزمان إذا في الماضي أما المكان فهو في الحاضر وتحديدا في جزر لامادلين (نافذة جديدة)شرق مقاطعة كيبيك. ويقع الأرخبيل قبلة السياح في وسط خليج السان لوران، بين شبه جزيرة Gaspé في كيبيك وجزيرة Cape Breton في مقاطعة نوفاسكوشيا شرق البلاد.
كنت مستلقية على الشاطئ في إحدى جزر لامادلين عندما اجتاحني فجأة حنين ونسيم من الماضي، أحاول التذكر ولكنني عاجزة. هذا المكان حملني إلى لبنان وتحديدا إلى إحدى القرى حيث كنت بحضرة صديق نتناقش، وأنا أريد أن أتذكر تفاصيل الحديث ولكن عبثا أحاول.
نقلا عن الفنانة نايلة دبجي
وتحاول محدثتي في معرضها اليوم أن تكمل السبحة في بحثها الدائم عن تفاصيل الماضي التي تحتاجها لتستكين روحها وتُحقق غاية الوجود والصيرورة.
تجمع في معرضها بين ذكرى الأمس والواقع اليوم، تماما كما تجمع بين الفن التشكيلي البصري الذي تعلمته في لبنان وفن الفيديو السمعي البصري الذي تعلمته في كندا، علما أن في المعرض أيضا فيديو قصير مدته 12 دقيقة.
زدواجية لغة فنية تعكس ازدواجية هوية وانتماء
تتعدد الأمكنة التي جمعتها عدسة الكاميرا بتعدد الترحال في حياة المهاجرة الكندية اللبنانية؛ ولكنها تظهر للمتفرج كأنها مكانا واحدا ولحظة واحدة لكثرة التشابه والترابط الموجود فيها، والصلة التي نسجتها مخيلة الفنانة فيما بين كل تلك الأمكنة والصور.
تؤكد لي محدثتي إن كل تفصيل صغير في معرضها له دلالة ويشكل جزءا مكملا للكل. العناصر المستخدمة كلها متعلقة ببعضها البعض وهي تحاول إفراغ الذاكرة المشحونة بكمٍ من المشاعر والتفاصيل وضجيج الأمكنة.
معرض سيرة ذاتية مع كثير من الخيال
لم تكن نايلة دبجي في بيروت عند وقوع انفجار المرفأ في 5 آب/أغسطس 2020 ولكنها رسمته كأنها كانت هناك وسمعت العويل والصراخ ورأت الدمار والدماء والظلمة والتقت الوجوه التي ضاقت ذرعا بمسلسل الموت الذي لا ينتهي.
لبنان يعيش فيّ، يمتد جرحه في شراييني ويتنفسه عقلي اللاوعي. لبنان هو القصيدة، هو عالم الشعر الساحر الذي استلهم منه ويغذّي كياني وفني، إنه موجود في أعمالي حتى ولو لم نستطع أن نرى ذلك بالعين المجرّدة.
يحتاج الفنان المرهف إلى مساحة أمان، بقعة ضوء وفسوحات حرية ليجمّل واقعه.
هكذا حالة ضيفتي التي تعتبر أن عملها الفني اليوم هو أشبه بسيرة ذاتية ولكن في الوقت ذاته فيه الكثير من الخيال.
عدم وضوح الرسالة مقصود وهناك عدة مستويات للقراءة في معرض نايلة دبجي
تؤكد محدثتي أن الرسالة غير واضحة في معرضها ومعقدة. هذا لأنها تريد أن تترك الحرية للمتفرج لاستخلاص قراءة ذاتية شخصية بعد زيارة المعرض. أما عن وصول الرسالة أيضا إلى المتلقي الكندي الذي قد لا تكون لديه هوية مزدوجة أو عاش التجربة ذاتها التي عاشتها هي؟
تجيبني محدثتي بكل عفوية: أنا لا أعلم الجواب. ولكنني أتمنى أن تصله رسالتي وأن يحسن بدوره القراءة. أنا لا أفرض أي سيناريو على المتلقي وأترك له كامل الحرية في تصوّر الأحداث وإملاءات الذاكرة.
نقلا عن الفنانة نايلة دبجي
تضيف نايلة دبجي بأن معرض الوثائقي المتعدد الوسائط
هو بكل بساطة دعوة إلى مشاركة الآخر في تجربتها على أمل في أن يجد نفسه هو أيضا في كتاباتها ورسوماتها والصور والفيديو، وهي مجموع الوسائط التي يشتمل عليها معرضها الحالي.
.