’يحيا المقاتلون!‘‘ بهذه العبارة يشجّع بول أتريدس، بطل كثيب 2 ، مقاتلي قبيلة الفريمن من كوكب أراكيس ضد الهاركونان الذين يسيطرون على هذا الكوكب الصحراوي الغني والمصدر الوحيد في الكون لِلتوابل.
وتمّ نشر هذا المشهد منذ عدة أشهر في الشريط الإعلاني الثاني لفيلم المخرج الكندي دوني فيلنوف الذي صدر في مطلع الشهر الجاري وحقق إيرادات إجمالية تزيد عن 500 مليون دولار أمريكي.
وقالها البطل في لغة الفريمن، تشاكوبسا. وهذه العبارة ما هي إلا اقتباس لأحد الشعارات التي رددها الشعب الجزائري في الأيام الأولى لاستقلال بلاده عام 1962.
وفي رواية الخيال العلمي ’’كثيب‘‘ الصادرة عام 1965 والتي اقتبسها للسينما دوني فيلنوف، يستخدم المؤلف الأمريكي فرانك هربرت عبارة ’’تحيا شهداء.‘‘
وهو تعبير غير دقيق ، حيث أن الجزائريين كانوا يردّدون بدلا من ذلك عبارة ’’تحيا الجزائر‘‘.
لكن استخدام هذه العبارة يُظهر تأثير حركات التحرر لشعوب الجنوب وثقافات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل عام على المؤلف في كتابة روايته وعلى اقتباسها للسينما لاحقاً.
فعلى سبيل المثال، اسم شعب كوكب أراكيس، الفريمن (القريب من الرجال الأحرار بالإنكليزية)، ليس إلا ترجمة لكلمة ’’أمازيغ‘‘ (الرجال الأحرار) التي تطلقها شعوب المغرب الكبير الأصلية على نفسها.
وترمز التوابل المطلوبة على كوكب أراكيس إلى النفط الذي هو مصدر الصراعات والحروب في الشرق الأوسط كما هو الحال في عالم كثيب.. تحمل السيدة جيسيكا في فيلم ’’كثيب: الجزء الثاني‘‘ وشماً على وجههاالصورة: WARNER BROS. ENTERTAINMENT
أماّ الوشم على وجوه نساء بني غيسريت، وهي جماعة من النساء يتمتعن بنفوذ ديني وسياسي كبير في الإمبراطورية، يذكّربوشم نساء الأمازيغ في شمال إفريقيا.
وتستعير لغة الفريمن، تشاكوبسا، التي اخترعها فرانك هربرت، عدّة كلمات من اللغة العربية مع تعديلات طفيفة. وقد أضاف المؤلف معجماً في نهاية كل مجلد من سلسلته المؤلفة من ستة مجلدات لفائدة القراء.
واستعمل الكاتب كلمة ’’فدايكين‘‘ اسماً لِمقاتلي الفريمن. وهي استعارة من الكلمة العربية ’’فدائيين‘‘، جمع فدائي.
وويؤمن الفريمن بـ’’لِسان الغيب‘‘ أو المهدي الذي سيقودهم إلى الجنة. وهذه إشارة مباشرة إلى أحد المعتقدات الإسلامية حول مجيء المهدي الذي سينقذ البشرية في نهاية الزمان.
ويُطلَق اسم ’’شيء خلود‘‘ على ديدان الكثبان الرملية العملاقة، من بين أمثلة مأخوذة من ملحمة فرانك هربرت المستقبلية والتي وجدت طريقها إلى فيلم دوني فيلنوف.
تبييض
لكن بعض النقاد أعابوا على دوني فيلنوف قيامه بـ’’تبييض‘‘ القصة من خلال إزالة بعض الكلمات المستخدمة في الرواية من الفيلم
وفي مجلة ’’نيويوركر‘‘، انتقد مانفير سينغ، أستاذ الأنثروبولوجيا المساعد بجامعة كاليفورنيا في ديفيس، مبتكر اللغة الاصطناعية ديفيد جيه بيترسون، الذي شارك في الفيلم، لإزالته العديد من الكلمات المستوحاة من اللغة العربية في لغة الفريمويبرر بيترسون هذا الاختيار بمسألة مصداقية اللغة المستخدمة في الفيلم. وعلى شبكة التواصل الاجتماعي ’’ريديت‘‘ (Reddit)، كتب أن ’’العمق الزمني لرواية ’كثيب‘ يجعل من المستحيل معرفة مدى بقاء اللغة العربية معروفة إلى ذلك الحين.‘‘
واستخدم فرانك هربرت في روايته كلمة ’’جهاد‘‘ للحديث عن الحرب التي يشنها بول أتريدس مع الفريمن ضد الهاركونين.
وبالنسبة لِمارفن سينغ، ’’رأى هربرت أن الجهاد هو تجسيد للعاطفة الدينية – قوة تحويلية اجتماعية وربما محررة، ولكنها أيضاً خطيرة.‘‘
يتجنب الفيلم هذه الكلمة ويستخدم بدلاً من ذلك عبارة ’’الحرب المقدسة‘‘ لِينأى بنفسه عن أي إشارة إلى التطرف الإسلامي والإرهاب كما يراها الجمهور الأمريكي.
في العالم العربي
أُطلق فيلم كثيب : الجزء الثاني في 29 فبراير/شباط في العالم العربي. وبقي معروضا لمدة أسبوع فقط، سواء في دبي أو الدوحة أو بيروت أو الرياض.
ووفقاً لاستراتيجية التسويق، سيُعاد عرضه مع نهاية شهر رمضان، في 11 أبريل/نيسان المقبل وعادةً ما تكون دور السينما خالية خلال هذا الشهر. ويعود إليها الجمهور مع عيد الفطر.
ويفضل المنتجون إطلاق أفلامهم في هذا الوقت، على غرار إصدارات الأفلام خلال موسم العطلات في أماكن أخرى من العالم.
وشارك دوني فيلنوف وبعض أعضاء فريق الفيلم في العرض الأول لفيلم كثيب 2 في الشرق الأوسط والذي أقيم يوم 18 فبراير/شباط في أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة.
وليس هذا الاختيار من قبيل الصدفة. فقد تمّ تصوير الفيلم في صحراء ليوا في أبو ظبي المعروفة بكثبانها الرملية، وهي بيئة طبيعية لتصوير كوكب أراكيس.
ووفقاً لِسلطات أبوظبي، تم استخدام ما يقل بقليل عن 20 موقعاً للتصوير ’’خلال شتاء عام 2022، وتم توظيف فريق مكون من 300 موظف محلي و250 موظفاً دولياً و500 موظف إضافي خلال 27 يوماً من التصوير.‘‘
وتمّ تصوير جزء من الفيلم في الأردن، ولا سيما في منطقة وادي رم المعروفة بأخاديدها أو وادي عربة.
الاستشراق
بعد موجة العروض الأولى لِفيلمه، أكد دوني فيلنوف الأسبوع الماضي على أمواج هيئة الإذاعة الكندية أنّ فيلمه ’’يعمل بمفرده الآن. لم يعد لدي سيطرة على كيفية تلقي الناس له.‘‘
ومنذ صدور الفيلم، اهتمت وسائل الإعلام في الدول العربية ببراعة الفيلم السينمائية، لكنه لم يتلق انتقادات موضوعية تذكر.
والأربعاء الماضي، كتبت الناقدة السينمائية علياء طلعت على موقع الجزيرة أن فيلم ’’كثيب 2‘‘ هو ’’ رؤية ملحمية لرواية تعيد إنتاج تفوق الرجل الأبيض ‘‘.
وعندما يتحالف بول أتريدس مع شعب الفريمن لمحاربة الهاركونين الذين يستغلون توابل كوكب أراكيس لصالح الإمبراطورية، ترى الناقدة أن ذلك يمثل ’’الاستعمار الأبيض في أفريقيا أو آسيا أو أمريكا اللاتينية.‘‘واعتبرت أن كون بول أتريدس ليس من الفريمن بمثابة إدامة لفكرة أن ’’الشعوب الأدنى يجب أن تخضع للرجل الأبيض.”
وفي مقابلة مع راديو كندا الدولي، تقول مي التلمساني، أستاذة السينما المشاركة في جامعة أوتاوا، إنها تقدّر دوني فيلنوف كثيرا.
وسبق لها أن شاهدت فيلم كثيب للمخرج ديفيد لينش الذي صدر عام 1984 والذي لم ينل إعجابها ’’على الإطلاق‘‘، كما قالت.
لكن عندما شاهدت فيلم كثيب 1 في عام 2022، ’’أذهلني جمال هذا الفيلم. لقد أعجبت حقّا بجودته البصرية، وبناء الفيلم، وسرده‘‘، كما أضافت.
وأوضحت أنّ تقديرها للفيلم الثاني، كثيب 2، كان مماثلاً. لكن ’’الحديث عن العرب والمسلمين صدمني قليلاً.‘‘
وذكرت أن أحداث الفيلم تدور ’’بالكامل على كوكب صحراوي. وهو تمثيل مباشر للشرق الأوسط والعالم العربي.‘‘
يعرف دوني فيلنوف منطقة الشرق الأوسط جيداً. لقد أخرج فيلماً ممتازاً عن الحرب في لبنان، ’حرائق‘، استناداً إلى أعمال وجدي معوض. وأدهشني أنه تناول خطاب رواية [فرانك هربرت] كما كُتبت وليس لديه رؤية نقدية لها. – تأكيد الصور النمطية عن العرب والمسلمين.
نقلا عن مي التلمساني، أستاذة السينما في جامعة أوتاوا
وبالنسبة لهذه الأستاذة التي تُدرّس مادة الاستشراق في السينما والإعلام، فإن شعب الفريمن هو ’’تمثيل نموذجي للعرب والمسلمين كما في لوحات المستشرقين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. شعب يعتبر الدين مهم جدا بالنسبة له.‘‘
وهي تعتقد أن ’’مخرجاً مثل دوني فيلنوف ليس مقيد اليدين. إنه خيار فني يقوم به.‘‘
وإذا كان البعض قد قارن بين بول أتريدس وشخصية لورنس العرب، فإن مي التلمساني تتحفظ قليلا. ’’لورنس العرب كان في الواقع جاسوساً [على عكس بول]‘‘، كما أكّدت مصرّة على جمال الفيلم و ’’روعة بناء الصور، كما هو الحال في تصوير العواصف الرملية.‘‘
وأوضحت أنه في نقد الاستشراق، ’’لم يُقال أبداً أن ديلاكروا لم يكن رساماً عظيماً. لكن هذا لا يمنع أنه عندما يمثل نساء الجزائر في شقتهن، فهو يمثلهن بطريقة نمطية. المرأة في الحريم…‘‘
وتعتقد مي التلمساني أنه بالنسبة لفيلم كثيب 1 ’’كانت هناك توقعات كبيرة من المنتجين بأنه سيحقق نجاحاً كبيراً، ولم يكن ذلك بسبب تعقيده البصري. لقد كان حقا تحفة بصرية. وأعتقد أن دوني فيلنوف قد استسلم للتوجه السائد لجذب المزيد من الناس في الدول الغربية.‘‘
وهي ترى أن ليس أمام دوني فيلنوف سوى خيار الاستسلام ’’للسياسة الأمريكية وسياسة هوليوود‘‘ كي يتمكّن من اخراج تكملة لفيلم كثيب.
“إذا كانت السياسة الأمريكية وسياسة هوليود تريد الاستمرار على نفس المنوال، أي التمثيل الجوهري للعرب والمسلمين وكأنهم شعوب أأدنى أو يمثلون تهديدا في نفس الوقت، أعتقد أن دوني فيلنوف سوف يستسلم لهذا الضغط لتحقيق تتمة لِفيلمه.‘‘
وفي مقابلة مع راديو كندا الدولي، يقول أحمد عثمان، المختص في المؤثرات البصرية، إنه أُعجب بالفيلم.
وهو يعتقد أن المخرج ليس سيد القصة التي كتبها المؤلف. ’’من الصعب على المخرج أن يغيّر جوهر القصة.‘‘
وبالنسبة له، يمكن تفسير نجاح الفيلم بتعطش الجمهور لهذا النوع من القصص على الشاشة الكبيرة.
انبهر الناس بالفيلم لأنهم منذ عدة سنوات يشاهدون أفلام الأبطال الخارقين ولكن بقصص سطحية للغاية.
نقلا عن أحمد عثمان متخصص في المؤثرات البصرية
ويعتقد هذا المونتريالي ذو الأصل المصري أنه منذ أيام سلسلة أفلام ’’هنغر غايمز‘‘ (Hunger Games) التي انتهت عام 2015، لم يكن لدى الجمهور فرصة مشاهدة أفلام عالية الجودة قبل إصدار كثيب.
تُدرّس مريم الأجراوي السينما في جامعة باريس 1 – بانتيون السوربون. وتمكنت من مشاهدة الفيلم في دبي حيث تعيش منذ خمس سنوات.
’’عندما شاهدت الفيلم، كان رد فعلي الأول هو أن هناك الكثير من الانفجارات، والكثير من الضجيج، والكثير من المعلومات… سيحصل المشاهد على ما دفع من أجله !”، كما تقول هذه المغربية التي هاجرت لدراسة السينما في فرنسا وهي في سنّ الـ22 حيث حصلت على الدكتوراه في الفن السابع.
وفي مقابلة مع راديو كندا الدولي، قالت إنّ الفيلم ’’ليس في الواقع تمثيلاً مباشراً للعالم العربي أو العالم الإسلامي أو الشرق. لكنّ الجميع يُدرك الجميع أننا نتحدث عن ذلك‘‘.
وبالحديث عن كوكب أراكيس،’’نحن نعلم فقط أننا نتحدّث عن الشرق ولكنّنا لا نحدّد البلد أو الثقافة‘‘، كما قالت.
وبالنسبة لها، فإنّ ’’[كوكب] أراكيس مستوحى من تصوّر مُعيّن للشرق، بحسب تعريف إدوارد سعيد للاستشراق. وفي الواقع، ليس الشرق الواقعي بالضرورة، بل هو ذلك الشرق الذي يتم خلقه في الخيال الغربي.‘‘
وذكرت مفهوم المهدي الذي يمثّله بول أتريدس. غريب جاء لإنقاذ شعب الفريمن باستخدام نبوءات ومعتقدات هذا الأخير.
وأعطت مثالا عن ’’ السينما الاستعمارية الفرنسية التي انتجت الكثير الأفلام حول صور للفيلق أو المثقف أو العالم الذي يصل إلى بلد مستعمر ويواجه الثقافة المحلية ويتنكّر ليتكيّف مع ثقافة المكان ليتمكن من الاندماج في هذا المجتمع.‘‘
[كثيب] هو فيلم يستخدم رموز الاستشراق وبعض الأفكار الاستعمارية التي تم استخدامها مرات عديدة في السينما الاستعمارية ثم في هوليوود. ولكنّ يستخدمها بدون نقد.
نقلا عن
’يحيا المقاتلون!‘‘ بهذه العبارة يشجّع بول أتريدس، بطل كثيب 2 ، مقاتلي قبيلة الفريمن من كوكب أراكيس ضد الهاركونان الذين يسيطرون على هذا الكوكب الصحراوي الغني والمصدر الوحيد في الكون لِلتوابل.
وتمّ نشر هذا المشهد منذ عدة أشهر في الشريط الإعلاني الثاني لفيلم المخرج الكندي دوني فيلنوف الذي صدر في مطلع الشهر الجاري وحقق إيرادات إجمالية تزيد عن 500 مليون دولار أمريكي.
وقالها البطل في لغة الفريمن، تشاكوبسا. وهذه العبارة ما هي إلا اقتباس لأحد الشعارات التي رددها الشعب الجزائري في الأيام الأولى لاستقلال بلاده عام 1962.
وفي رواية الخيال العلمي ’’كثيب‘‘ الصادرة عام 1965 والتي اقتبسها للسينما دوني فيلنوف، يستخدم المؤلف الأمريكي فرانك هربرت عبارة ’’تحيا شهداء.‘‘
وهو تعبير غير دقيق ، حيث أن الجزائريين كانوا يردّدون بدلا من ذلك عبارة ’’تحيا الجزائر‘‘.
لكن استخدام هذه العبارة يُظهر تأثير حركات التحرر لشعوب الجنوب وثقافات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل عام على المؤلف في كتابة روايته وعلى اقتباسها للسينما لاحقاً.
فعلى سبيل المثال، اسم شعب كوكب أراكيس، الفريمن (القريب من الرجال الأحرار بالإنكليزية)، ليس إلا ترجمة لكلمة ’’أمازيغ‘‘ (الرجال الأحرار) التي تطلقها شعوب المغرب الكبير الأصلية على نفسها.
وترمز التوابل المطلوبة على كوكب أراكيس إلى النفط الذي هو مصدر الصراعات والحروب في الشرق الأوسط كما هو الحال في عالم كثيب. تحمل السيدة جيسيكا في فيلم ’’كثيب: الجزء الثاني‘‘ وشماً على وجههاالصورة: WARNER BROS. ENTERTAINMENT
أماّ الوشم على وجوه نساء بني غيسريت، وهي جماعة من النساء يتمتعن بنفوذ ديني وسياسي كبير في الإمبراطورية، يذكّربوشم نساء الأمازيغ في شمال إفريقيا.
وتستعير لغة الفريمن، تشاكوبسا، التي اخترعها فرانك هربرت، عدّة كلمات من اللغة العربية مع تعديلات طفيفة. وقد أضاف المؤلف معجماً في نهاية كل مجلد من سلسلته المؤلفة من ستة مجلدات لفائدة القراء.
واستعمل الكاتب كلمة ’’فدايكين‘‘ اسماً لِمقاتلي الفريمن. وهي استعارة من الكلمة العربية ’’فدائيين‘‘، جمع فدائي.
وويؤمن الفريمن بـ’’لِسان الغيب‘‘ أو المهدي الذي سيقودهم إلى الجنة. وهذه إشارة مباشرة إلى أحد المعتقدات الإسلامية حول مجيء المهدي الذي سينقذ البشرية في نهاية الزمان.
ويُطلَق اسم ’’شيء خلود‘‘ على ديدان الكثبان الرملية العملاقة، من بين أمثلة مأخوذة من ملحمة فرانك هربرت المستقبلية والتي وجدت طريقها إلى فيلم دوني فيلنوف.
تبييض
لكن بعض النقاد أعابوا على دوني فيلنوف قيامه بـ’’تبييض‘‘ القصة من خلال إزالة بعض الكلمات المستخدمة في الرواية من الفيلم
وفي مجلة ’’نيويوركر‘‘، انتقد مانفير سينغ، أستاذ الأنثروبولوجيا المساعد بجامعة كاليفورنيا في ديفيس، مبتكر اللغة الاصطناعية ديفيد جيه بيترسون، الذي شارك في الفيلم، لإزالته العديد من الكلمات المستوحاة من اللغة العربية في لغة الفريمن.
ويبرر بيترسون هذا الاختيار بمسألة مصداقية اللغة المستخدمة في الفيلم. وعلى شبكة التواصل الاجتماعي ’’ريديت‘‘ (Reddit)، كتب أن ’’العمق الزمني لرواية ’كثيب‘ يجعل من المستحيل معرفة مدى بقاء اللغة العربية معروفة إلى ذلك الحين.‘‘
واستخدم فرانك هربرت في روايته كلمة ’’جهاد‘‘ للحديث عن الحرب التي يشنها بول أتريدس مع الفريمن ضد الهاركونين.
وبالنسبة لِمارفن سينغ، ’’رأى هربرت أن الجهاد هو تجسيد للعاطفة الدينية – قوة تحويلية اجتماعية وربما محررة، ولكنها أيضاً خطيرة.‘‘
يتجنب الفيلم هذه الكلمة ويستخدم بدلاً من ذلك عبارة ’’الحرب المقدسة‘‘ لِينأى بنفسه عن أي إشارة إلى التطرف الإسلامي والإرهاب كما يراها الجمهور الأمريكي.
في العالم العربي
أُطلق فيلم كثيب : الجزء الثاني في 29 فبراير/شباط في العالم العربي. وبقي معروضا لمدة أسبوع فقط، سواء في دبي أو الدوحة أو بيروت أو الرياض.
ووفقاً لاستراتيجية التسويق، سيُعاد عرضه مع نهاية شهر رمضان، في 11 أبريل/نيسان المقبل وعادةً ما تكون دور السينما خالية خلال هذا الشهر. ويعود إليها الجمهور مع عيد الفطر.
ويفضل المنتجون إطلاق أفلامهم في هذا الوقت، على غرار إصدارات الأفلام خلال موسم العطلات في أماكن أخرى من العالم.
وشارك دوني فيلنوف وبعض أعضاء فريق الفيلم في العرض الأول لفيلم كثيب 2 في الشرق الأوسط والذي أقيم يوم 18 فبراير/شباط في أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة.
وليس هذا الاختيار من قبيل الصدفة. فقد تمّ تصوير الفيلم في صحراء ليوا في أبو ظبي المعروفة بكثبانها الرملية، وهي بيئة طبيعية لتصوير كوكب أراكيس.
ووفقاً لِسلطات أبوظبي، تم استخدام ما يقل بقليل عن 20 موقعاً للتصوير ’’خلال شتاء عام 2022، وتم توظيف فريق مكون من 300 موظف محلي و250 موظفاً دولياً و500 موظف إضافي خلال 27 يوماً من التصوير.‘‘
وتمّ تصوير جزء من الفيلم في الأردن، ولا سيما في منطقة وادي رم المعروفة بأخاديدها أو وادي عربة.
الاستشراق
بعد موجة العروض الأولى لِفيلمه، أكد دوني فيلنوف الأسبوع الماضي على أمواج هيئة الإذاعة الكندية أنّ فيلمه ’’يعمل بمفرده الآن. لم يعد لدي سيطرة على كيفية تلقي الناس له.‘‘
ومنذ صدور الفيلم، اهتمت وسائل الإعلام في الدول العربية ببراعة الفيلم السينمائية، لكنه لم يتلق انتقادات موضوعية تذكر.
والأربعاء الماضي، كتبت الناقدة السينمائية علياء طلعت على موقع الجزيرة أن فيلم ’’كثيب 2‘‘ هو ’’ رؤية ملحمية لرواية تعيد إنتاج تفوق الرجل الأبيض ‘‘.
وعندما يتحالف بول أتريدس مع شعب الفريمن لمحاربة الهاركونين الذين يستغلون توابل كوكب أراكيس لصالح الإمبراطورية، ترى الناقدة أن ذلك يمثل ’’الاستعمار الأبيض في أفريقيا أو آسيا أو أمريكا اللاتينية.‘‘
واعتبرت أن كون بول أتريدس ليس من الفريمن بمثابة إدامة لفكرة أن ’’الشعوب الأدنى يجب أن تخضع للرجل الأبيض.”
وفي مقابلة مع راديو كندا الدولي، تقول مي التلمساني، أستاذة السينما المشاركة في جامعة أوتاوا، إنها تقدّر دوني فيلنوف كثيرا.
وسبق لها أن شاهدت فيلم كثيب للمخرج ديفيد لينش الذي صدر عام 1984 والذي لم ينل إعجابها ’’على الإطلاق‘‘، كما قالت.
لكن عندما شاهدت فيلم كثيب 1 في عام 2022، ’’أذهلني جمال هذا الفيلم. لقد أعجبت حقّا بجودته البصرية، وبناء الفيلم، وسرده‘‘، كما أضافت.
وأوضحت أنّ تقديرها للفيلم الثاني، كثيب 2، كان مماثلاً. لكن ’’الحديث عن العرب والمسلمين صدمني قليلاً.‘‘
وذكرت أن أحداث الفيلم تدور ’’بالكامل على كوكب صحراوي. وهو تمثيل مباشر للشرق الأوسط والعالم العربي.‘‘
يعرف دوني فيلنوف منطقة الشرق الأوسط جيداً. لقد أخرج فيلماً ممتازاً عن الحرب في لبنان، ’حرائق‘، استناداً إلى أعمال وجدي معوض. وأدهشني أنه تناول خطاب رواية [فرانك هربرت] كما كُتبت وليس لديه رؤية نقدية لها. – تأكيد الصور النمطية عن العرب والمسلمين.
نقلا عن مي التلمساني، أستاذة السينما في جامعة أوتاوا
وبالنسبة لهذه الأستاذة التي تُدرّس مادة الاستشراق في السينما والإعلام، فإن شعب الفريمن هو ’’تمثيل نموذجي للعرب والمسلمين كما في لوحات المستشرقين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. شعب يعتبر الدين مهم جدا بالنسبة له.‘‘
وهي تعتقد أن ’’مخرجاً مثل دوني فيلنوف ليس مقيد اليدين. إنه خيار فني يقوم به.‘‘
وإذا كان البعض قد قارن بين بول أتريدس وشخصية لورنس العرب، فإن مي التلمساني تتحفظ قليلا. ’’لورنس العرب كان في الواقع جاسوساً [على عكس بول]‘‘، كما أكّدت مصرّة على جمال الفيلم و ’’روعة بناء الصور، كما هو الحال في تصوير العواصف الرملية.‘‘
وأوضحت أنه في نقد الاستشراق، ’’لم يُقال أبداً أن ديلاكروا لم يكن رساماً عظيماً. لكن هذا لا يمنع أنه عندما يمثل نساء الجزائر في شقتهن، فهو يمثلهن بطريقة نمطية. المرأة في الحريم…‘‘
وتعتقد مي التلمساني أنه بالنسبة لفيلم كثيب 1 ’’كانت هناك توقعات كبيرة من المنتجين بأنه سيحقق نجاحاً كبيراً، ولم يكن ذلك بسبب تعقيده البصري. لقد كان حقا تحفة بصرية. وأعتقد أن دوني فيلنوف قد استسلم للتوجه السائد لجذب المزيد من الناس في الدول الغربية.‘‘
وهي ترى أن ليس أمام دوني فيلنوف سوى خيار الاستسلام ’’للسياسة الأمريكية وسياسة هوليوود‘‘ كي يتمكّن من اخراج تكملة لفيلم كثيب.
“إذا كانت السياسة الأمريكية وسياسة هوليود تريد الاستمرار على نفس المنوال، أي التمثيل الجوهري للعرب والمسلمين وكأنهم شعوب أأدنى أو يمثلون تهديدا في نفس الوقت، أعتقد أن دوني فيلنوف سوف يستسلم لهذا الضغط لتحقيق تتمة لِفيلمه.‘‘
وفي مقابلة مع راديو كندا الدولي، يقول أحمد عثمان، المختص في المؤثرات البصرية، إنه أُعجب بالفيلم.
وهو يعتقد أن المخرج ليس سيد القصة التي كتبها المؤلف. ’’من الصعب على المخرج أن يغيّر جوهر القصة.‘‘
وبالنسبة له، يمكن تفسير نجاح الفيلم بتعطش الجمهور لهذا النوع من القصص على الشاشة الكبيرة.
انبهر الناس بالفيلم لأنهم منذ عدة سنوات يشاهدون أفلام الأبطال الخارقين ولكن بقصص سطحية للغاية.
نقلا عن أحمد عثمان متخصص في المؤثرات البصرية ويعتقد هذا المونتريالي ذو الأصل المصري أنه منذ أيام سلسلة أفلام ’’هنغر غايمز‘‘ (Hunger Games) التي انتهت عام 2015، لم يكن لدى الجمهور فرصة مشاهدة أفلام عالية الجودة قبل إصدار كثيب.
تُدرّس مريم الأجراوي السينما في جامعة باريس 1 – بانتيون السوربون. وتمكنت من مشاهدة الفيلم في دبي حيث تعيش منذ خمس سنوات.
’’عندما شاهدت الفيلم، كان رد فعلي الأول هو أن هناك الكثير من الانفجارات، والكثير من الضجيج، والكثير من المعلومات… سيحصل المشاهد على ما دفع من أجله !”، كما تقول هذه المغربية التي هاجرت لدراسة السينما في فرنسا وهي في سنّ الـ22 حيث حصلت على الدكتوراه في الفن السابع.
وفي مقابلة مع راديو كندا الدولي، قالت إنّ الفيلم ’’ليس في الواقع تمثيلاً مباشراً للعالم العربي أو العالم الإسلامي أو الشرق. لكنّ الجميع يُدرك الجميع أننا نتحدث عن ذلك‘‘.
وبالحديث عن كوكب أراكيس،’’نحن نعلم فقط أننا نتحدّث عن الشرق ولكنّنا لا نحدّد البلد أو الثقافة‘‘، كما قالت.
وبالنسبة لها، فإنّ ’’[كوكب] أراكيس مستوحى من تصوّر مُعيّن للشرق، بحسب تعريف إدوارد سعيد للاستشراق. وفي الواقع، ليس الشرق الواقعي بالضرورة، بل هو ذلك الشرق الذي يتم خلقه في الخيال الغربي.‘‘
وذكرت مفهوم المهدي الذي يمثّله بول أتريدس. غريب جاء لإنقاذ شعب الفريمن باستخدام نبوءات ومعتقدات هذا الأخير.
وأعطت مثالا عن ’’ السينما الاستعمارية الفرنسية التي انتجت الكثير الأفلام حول صور للفيلق أو المثقف أو العالم الذي يصل إلى بلد مستعمر ويواجه الثقافة المحلية ويتنكّر ليتكيّف مع ثقافة المكان ليتمكن من الاندماج في هذا المجتمع.‘‘
[كثيب] هو فيلم يستخدم رموز الاستشراق وبعض الأفكار الاستعمارية التي تم استخدامها مرات عديدة في السينما الاستعمارية ثم في هوليوود. ولكنّ يستخدمها بدون نقد.