دعا الرئيس الفرنسي لتجاوز صفحة الماضي في العلاقات بين فرنسا والجزائر وذلك خلال زيارته الرسمية التي تتزامن مع الذكرى الستين لانتهاء الحرب وإعلان استقلال الجزائر، كما رحب بفكرة اقامة مباراة “ودية” بين منتخبي البلدين.
قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة (26 أغسطس/آب 2022) إن البحث عن “الحقيقة” أهم من “الندم” بشأن المسائل المرتبطة باستعمار الجزائر التي تسبب خلافات متكررة بين البلدين.
وقال ماكرون خلال مؤتمر صحافي في اليوم الثاني من زيارته إلى الجزائر “في ما يتعلق بمسألة الذاكرة والمسألة الفرنسية الجزائرية، كثيراً ما أسمع دعوات إلى الاختيار بين الفخر والندم. أنا أريد الحقيقة والاعتراف (لأنه) بخلاف ذلك لن نمضي قدماً أبداً”.
ويزور الرئيس الفرنسي الجزائر في رحلة تستغرق ثلاثة أيام، هدفها “إعادة بناء” العلاقات الثنائية بين البلدين وطيّ صفحة الخلافات التي لا تزال مثقلة بأعباء الماضي، تزامناً مع الذكرى الستين لانتهاء الحرب وإعلان استقلال الجزائر عام 1962.
ورسّم الرئيس الفرنسي ونظيره الجزائري الخميس المصالحة بينهما بعد أشهر من الخلافات الدبلوماسية، لا سيما حيال الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830-1962).
مصالحة من بوابة “كرة القدم”
ورداً على سؤال حيال إمكانية إقامة مباراة ودية في كرة القدم بين منتخبي “الديوك” و”محاربي الصحراء”، قال ماكرون “أعتقد أنه سيكون شيئًا جيدًا لتجاوز الماضي”، خصوصاً وأن المباراة الأخيرة التي جمعت المنتخبين كانت قبل أكثر من 20 عاماً وتحديداً في 6 تشرين الأول/أكتوبر 2001، وانتهت باقتحام الجماهير الجزائرية للملعب قبل ربع ساعة من صافرة النهاية.
وأضاف الرئيس الفرنسي أنه “من الواضح أننا سنتحدث عن ذلك مع الرئيس ( عبد المجيد تبون ) وفريقه، فلست أنا من يقرّر، وكذلك سيعتمد الأمر أيضاً على ما تسمح به المنافسات (الرياضية) المقبلة، بالنسبة للبعض، أتمنى لنا ذلك”. وتابع “أعتقد أن الرياضة يجب أن تُصالح، ولهذا السبب سأكون غداً في وهران مع رياضيينا تحسباً لدورة الألعاب الأولمبية 2024 التي تنظم في باريس”.
وأكد ماكرون على أن “الثقافة، كما ذكرت يوم أمس في المؤتمر الصحافي، والرياضة، هما مجالان يجب أن نكون (نحن والجزائر) فيهما معاً، لذلك في بعض الأحيان يمكننا التنافس، لكننا نتنافس بطريقة ودية”.
فرنسا “لاتتسول” الغاز من الجزائر
من ناحية أخرى، أشاد ماكرون بمساهمة الجزائر في “تنويع” مصادر إمدادات الغاز لأوروبا من خلال زيادة صادراتها إلى إيطاليا، وأكد: “لسنا في منافسة مع إيطاليا” على الغاز الجزائري، مشدداً على “ضعف أهمية الغاز في مزيج الطاقة” بفرنسا.
وأضاف “أشكر الجزائر” على زيادة الكميات في أنبوب الغاز الذي يغذي إيطاليا، هذا جيد لإيطاليا وهو جيد لأوروبا ويعزز تنويع (المصادر) في أوروبا” التي كانت تعتمد بشدة على الغاز الروسي.
ونفى ماكرون أن تكون فرنسا قد جاءت “لتتسول” الغاز من الجزائر، كما جاء في بعض التعليقات الإعلامية، لأن “فرنسا تعتمد بنسبة قليلة على الغاز في احتياجاتها من الطاقة اي حوالي 20 بالمئة وفي المجموع، تمثل الجزائر 8 إلى 9 بالمئة”. وأضاف “لسنا في وضع حيث يمكن للغاز الجزائري أن يغير المعطيات”، مشيراً إلى أن فرنسا “ضمنت احتياجاتها” لفصل الشتاء و”المخزونات في حدود 90 بالمئة”.
وبالمقابل أكد “أنه لأمر جيد جداً أن يكون هناك تعاون متزايد ومزيدا من الغاز تجاه إيطاليا”، مشددًا على الحاجة إلى “التضامن الأوروبي”.
وتعد الجزائر أول مصدّر للغاز في افريقيا وتمد أوروبا بنحو 11% من احتياجاتها.
محاربة الهجرة غير النظامية
ودعا ماكرون إلى “العمل معًا” مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون من أجل تعاون “أكثر فاعلية” في محاربة الهجرة غير القانونية وفي نفس الوقت “أكثر مرونة” بشأن الهجرة “الانتقائية”.
وقال ماكرون: “ما قررناه هو العمل معاً وفي مناخ من الثقة الجماعية (…). سنكون صارمين للغاية لكي نكافح معاً الهجرة غير الشرعية والشبكات (الإجرامية) وسنكون أكثر فاعلية بكثير في استباق (الهجرة غير النظامية) وحتى نتمكن من مرافقة (المهاجرين غير النظاميين) بشكل أكثر فاعلية “.
وأضاف “نودّ اعتماد مقاربة أكثر مرونة بكثير للهجرة الانتقائية، أي أسر مزدوجي الجنسية، إنما كذلك الفنانين والرياضيين ورجال الأعمال والسياسيين الذين يغذون العلاقات الثنائية”.
وأوضح “في هذا السياق ، نود أن نكون قادرين على تحسين قضية المواعيد” للحصول على تأشيرات الدخول و”إذا قمنا بتبسيط الإجراءات قليلاً، (سيتيح ذلك) الحصول على وضوح أسرع وتجنب تكبد الكثير من التكاليف”.
وأقرّ الرئيس الفرنسي بأن مسألة التأشيرات من المواضيع “الحساسة” ومصدر “توتر” بين البلدين. وأشار إلى انه خلال اللقاء مع الرئيس تبون “تحدثنا مطولاً حول هذا الملف، حتى منتصف الليل ” و”كلفنا به وزراءنا، وبالتالي سيتقدم في الأسابيع والأشهر المقبلة”. واعتبر أن هذا الملف يتطلب “احتراسا” و “انضباطا” و”دقّة من الجانبين” لتجنب “سوء التفاهم”.
وخفضت باريس بنسبة 50% عدد التأشيرات الممنوحة للجزائر وكذلك المغرب، في سياق الضغط على حكومات تعتبر غير متعاونة في إعادة قبول مواطنيها المطرودين من فرنسا.
ع.ح./ع.ج.م. (أ ف ب)