رافق السينمائي السوري باسل الخطيب عرض فيلمه الأخير ’’الحكيم‘‘ في مونتريال ضمن فعاليات مهرجان مجلة ’’زهرة كندا‘‘. كما افتتح الفنان اللبناني شادي حداد عروض فيلم ’’عَ مفرق طريق‘‘، الذي يلعب فيه دور البطولة، في الدور السينمائية في مونتريال وأوتاوا وهاليفاكس بدعوة من ’’مهرجان الفيلم اللبناني في كندا‘‘. اندرجت عروض الفيلم اللبناني في إطار الفعاليات التي شهدتها البلاد بمناسبة شهر التراث اللبناني في تشرين الثاني / نوفمبر الذي أعلنته الحكومة الكندية. علما أن الفيلم فاز الصيف الماضي بجائزة الجمهور في ’’مهرجان الفيلم اللبناني في كندا‘‘ في دورته السابعة.
يلتقي فيلم ’’الحكيم‘‘ للمخرج باسل الخطيب مع فيلم ’’عَ مفرق طريق‘‘ للمخرجة اللبنانية لارا سابا في انعتاقهما عن الواقع، حيث نجد فيهما تمجيدا لحياة الريف بألوانها الوردية الفضفاضة.
لا يخوض الفيلمان مباشرة في مواضيع الساعة على الساحتين اللبنانية والسورية، بل يعكسان في شكل غير مباشر أصداء الحرب ووقع الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يعيشها أبناء البلدين. يبقى أن القاسم المشترك فيهما هو السعي إلى إعطاء جمهور الفن السابع حقه في الفُرجة، هو الذي يأتي إلى السينما للصفو لا للكَدَر.
النهاية السعيدة سمة الفيلمين السينمائيين اللذين نالا إعجاب الجمهور الاغترابي العربي أثناء عرضهما في إحدى صالات سينما ’’غوزو‘‘ في مدينة سان لوران ذات التمركز الجاليوي العربي.
ازدهار السينما السورية خلال الحرب
يعّد ’’الحكيم‘‘ الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما التابعة لوزارة الثقافة السورية، التعاون الثاني بين باسل الخطيب والفنان الهرِم دريد لحام بعد فيلم ’’دمشق حلب‘‘، وفي الفيلمين شاركت أيضا الفنانة السورية القديرة صباح الجزائري. يقول الخطيب إن ما تعلمه في السنوات الخمس الماضية على يد دريد لحّام يساوي ما تعلّمه في مسيرته الفنية كلّها التي تناهز الثلاثين عاما. أما عن صباح الجزائري التي تظهر في مشاهد معدودة في ’’الحكيم‘‘، فيقول السينمائي الفلسطيني الأصول: ’’إنني أتفاءل بوجودها الذي يضفي حالة من الدفء، هي لا تشبه أحدا على الإطلاق وعمر مسيرتي معها في الدراما التلفزيونية والسينما يناهز الربع قرن‘‘.
في صالة السينما عندما كنت أشاهد أول عمل قدمته مع دريد لحام، سمعت للمرة الأولى ضحكات الجمهور أنا المخرج الموسوم بالحزن والسوداوية[…]صرت اليوم أختار المواضيع البسيطة القريبة من القلب التي تحمل شحنات من العاطفة والتفاؤل والأمل. إن التجربة المختلفة مع دريد لحّام في هذه المرحلة بالذات من مسيرتي كانت مهمة وجعلتني أرى الأمور من منظار مختلف.
نقلا عن باسل الخطيب، مخرج سوري فلسطيني
أدرك المخرج الذي له باع طويل في الدراما السورية، ونذكر من أعماله على سبيل المثال المسلسل التاريخي المتميّز ’’هولاكو‘‘، حاجة المتفرج العربي إلى ملاذ ينأى به عن كل الإرهاصات والأزمات والحروب والشجون التي تتمخض بها مجتمعاته، فتحدّث هذه المرة عن الحرب ولكن ببعد درامي مختلف لم يثقل به على كاهل المشاهد. مرّر الكثير من مشاهد الرومانسية والدفء واستعاد قيما إنسانية قد تكون انطوت وشاء النهاية السعيدة لشخصياته بعد كل ما عانوه في حرب سوريا. في هذا العمل على الأقل، لم يشأ الخطيب الدخول في أسباب الحرب ومسبباتها، بل أراد كما قال ’’سلوك نهج درامي جديد أملت به تجربته الفتية مع دريد لحّام، يقضي بالابتعاد عما يكدّر وإعطاء الجمهور السينمائي حقه في الفرجة التي تسّر القلب‘‘.
يرى باسل الخطيب أن ’’السينما السورية أخذت مدا كبيرا جدا خلال سنوات الحرب، واستطاعت أن تقدم نوعية لم تستطع ربما سينما ما قبل الحرب أن تقدمها‘‘.
يشرح أنه قبل الحرب كانت هناك مشكلة بين السينما السورية وجمهورها بسبب نوعية الأفلام النخبوية التي كانت تقدمها والتي فشلت في تحقيق التواصل مع الجمهور. ’’لتأتي أفلام الحرب، على حد تعبير باسل الخطيب، وتقدم مواضيع راهنة حيوية تمس الناس‘‘.
يتطرق المخرج السوري إلى ندرة الانتاج السينمائي في بلاده، فيصدر فيلم أو اثنان في العام ويخجل أن يفصح عن ميزانية إنتاج فيلمه ’’المتواضعة جدا جدا‘‘ مؤكدا أن وضع السينما ومستقبلها في سوريا مرهون بالوضع السياسي.
تقنية سينماتوغرافية عالية
يتشارك ’’الحكيم‘‘ و’’عَ مفرق طريق‘‘ في خيارات الممثلين الجيدة والكوادر الجميلة وفي التقاط روح الشخصيات التي تلعب الأدوار في الفيلمين المتميزين، يضاف إلى ذلك مواقع التصوير وإبداع عدسات المصورين في نقل المناظر الخلابة في ريف حمص وفي منطقة وادي قنوبين الجبلية في شمال لبنان وإبراز جمال الطبيعة المُبهِرة في البلدين الجارين.
عدوى الضحك في ’’عَ مفرق طريق‘‘
إذا كانت بُنيت قصة ’’عَ مفرق طريق‘‘ بإيمان من صنّاع الفيلم على أهمية مراجعة الذات عند مفترق طرق والتصالح معها، فإن الأداة لتحقيق ذلك حسبِهم هي في الخلوة في دير للراهبات بعيد عن ضجيج المدينة والعولمة وأضواء الشهرة. وفي المعطيات لاكتمال الصورة قصة أربع راهبات بلباس لا يشبه أي مما يرتدينه الراهبات في لبنان حرصا على فهم الرسالة الحقيقية للفيلم وهي الخوض في جوهر الأشياء وعدم الوقوع في الابتذال أو المساس بالدين. هذا وحرص صناع الفيلم على تحقيق التوازن بين الجو الكوميدي للفيلم والشخصية الملتزمة للراهبة. هذا ولم يظهر الدين المسيحي الذي تعتنقه الراهبات في أي حال من الأحوال كمعتقد يُبشرُ به.
لعل الغاية من وجود هذه الشخصيات الدينية كانت لإضفاء عنصر الواقعية حيث تنتشر الأديرة في تلك المنطقة من شمال لبنان، أضف إلى ذلك أن الراهبات يشكلّن جزءاً من النسيج المجتمعي اللبناني. يصورهن الفيلم على طبيعتهن وحريتهن، هن لسن راهبات فحسب، بل أيضا نساء حرّات لسن بحاجة إلى أحد. يصلحن الشاحنة ويغيّرن الإطارات ويعملن في الأرض ويقطفن التفاح ويجدن الحلول للقرية.
أضفى نسيج الشخصيات العلمانية والكهنوتية غير المسبوق جوا خاصا مليئا بالمرح والتلقائية والعفوية وقد اختلجت في نفس المغترب اللبناني الذي يشاهد الفيلم مشاعر جميلة حتى أن بعض أبناء شمال لبنان في الصالة ذرفوا الدموع لشدة تأثرهم. هذا وكان الضحك معديا في الصالة وكنت تسمع في بعض الأحيان قهقهة أحدهم من دون سبب مقنع في المشهد لتعقبها قهقهات غالبية المشاهدين.
يقول شادي حداد الذي التقيته في مونتريال إنه يتردد باستمرار على منطقة وادي قنوبين التي يجد فيها راحته النفسية ويمتلئ هواء نقيا منعشا كلما عصفت به مشاكل المدينة.
يكبر قلبي لأنه أصبح للبنان وجود ومكانة في كندا بفضل جاليتنا…إن تكريس شهر للتراث اللبناني في كندا يشعرني بالفخر…المفارقة أنه إذا كانت كندا تعلي من شأن لبنان وأبنائه مما يجعلنا نرفع بشموخ رؤوسنا، فإن السياسيين اللبنانيين يحطّون من ذلك الشأن ويدفعون بنا إلى الإحباط واليأس للأسف.
نقلا عن شادي حداد، ممثل لبناني