بقلم: هادي المهدي
اهتمت الفلسفة منذ بداياتها الأولى بالجانب البحثي في المعرفة حتى ان تاريخ الفلسفة قد يتلخص في تأسيسها للمعرفة الانسانية كما زعم ديكارت بان مذهبه الفلسفي “انا افكر اذا انا موجود” او ما سمي بالكوجيتو الديكارتي هو منهج قادر على التعامل مع كل قضايا المعرفة.
ولكن عند ديكارت نفسه في كتابه تأملات “في الفلسفة الاولي “ يؤكد ديكارت أن الإرادة اوسع كثيرا من العقل لان العقل لا يستطيع أن يمسك بزمام جميع القضايا وكل أوليات المعرفة خصوصا ان العقل ليس نظاما من الخارج انما هو كما يقول هانز جادامير “يطلق حكما وهو جزء من اللعبة وليس من مقاعد المتفرجين “.
ثم رأى بيكون أنّ الإنسان لكي يتحرر يجب علىه أن يتحرر من أوهامه الاربعة (اوهام السوق، اوهام الكهف، اوهام المسرح، اوهام القبيلة).
حتى جاء كانت واقام فصلا بين العقل العملي والعقل النظري أما الثاني فهو يختص بقضايا الإيمان وأما الأول فيقع على عاتقه المعرفة العقلية ومن أجل بلوغ المعرفة يجب تخطي الدوغما التي تحول دون التطور الإنساني فالعقل الدوغمائي عقل نظري يلغي الآخر ويجب علينا إعمال العقل العملي فيما يتعلق بتطور المعرفة الانسانية والبحث في القضايا الدنيوية.
ثم جاء هيجل ليؤكد بمفهومه الديالكتيك على ان كل فكرة تحمل في طياتها فكرة مناقضة ما ينتج الجدل الذي يجب ان يستمر ما دامت الإنسانية فالجدل هو الممهد لتطور الفكر الإنساني من خلال إنتاج افكار جديدة باستمرار.
ومع بدايات القرن الماضي قلب ماركس الطاولة على الجميع معلنا أنّ وظيفتنا ليست تفسير العالم وإنما تغييره وتغيير قواعده العصية على الفهم.
دعنا عزيزي القارئ نهبط بهذه الكلمات من الفضاء المعرفي النظري الرحب الي الفضاء السياسي الملبّد بالأسئلة دائما.
لندرك أولا أن السياسة هي إحدى مباحث علم الأخلاق وبالتالي فان القرار السياسي الحسن هو القرار الذي ينشد الفضيلة حتى إنهم يقولون إن القانون هو المحصن للفضيلة في المجتمع وهو الذي يحمي الفضيلة من الانتهاك، لكن يثار هنا سؤالان اولا كيف تسبق النظرية الممارسة، ثانيا ما الفضيلة؟
سأبدأ بالاجابة على السؤال الأول بخصوص النظرية التي تسبق الممارسة فالنظرية في رأيي هي الدستور وما ينبثق عنه من قوانين فأرى أنها هي التي تؤسس لممارسة الفضيلة في المجتمع فكأننا إزاء معادلة مدخلاتها القوانين والدساتير ومخرجاتها المجتمع الفاضل.
ننطلق للسؤال الثاني حدثنا إذا عن المجتمع الفاضل كيف نعرفه.
إن المجتمع الفاضل ليس هو من يطبق الشريعة او يحكم باسم الكتاب المقدس فتلك الفضيلة من وجهة نظر رجال الدين وكذلك معنى الفضيلة قد يختلف من شخص لآخر إذا اتجهنا للإجابة من منطلق شخصي إلا أنني أدعوك للخروج من شرنقة الذات الضيقة الى رحابة المجتمع ولننظر نظرة هيومية (نسبة الى ديفيد هيوم) بمعنى ان ما هو نافع للمجتمع كاملا بأفراده مجتمعين هو نافع بالضرورة ويجب أن يكون مبتغى القانون الذي نشرع في سنّه
تبقى عندي جملة أخيرة يتضح من خلالها ما كنت أرمي إليه في الأسطر السابقة “ان كنا ننشد الفضيلة فلنتوجه اليها بالنظرية أولا قبل أن نتوجه إليها بالممارسة “ .