بينما تصر روسيا على المضي قدما في غزوها لأوكرانيا، تستعد الدول الغربية لتصعيد العقوبات المسلطة على موسكو، لحملها على العدول عن حربها المستمرة منذ أكثر من نصف عام.
آخر تلك الجهود، قرار دول مجموعة السبع، الجمعة، فرض سقف على أسعار النفط الروسي، وهو القرار الذي لقي ترحيبا في واشنطن مقابل “وعيد” في موسكو.
وكتب وزراء مالية الدول السبع في الإعلان أن “سقف الأسعار سيحدد عند مستوى يستند إلى سلسلة من البيانات الفنية وسيقرره التحالف بمجمله قبل وضعه موضع التنفيذ” مؤكدين أن الأسعار في المستقبل “ستحدد علنا بصورة واضحة وشفافة”.
تسقيف الأسعار، سيضع حدا أقصى، لسعر أي منتوج روسي موجه للسوق العالمية، ولا سيما النفط والغاز، وهو ما سيقوض محاولات موسكو ابتزاز الغرب بالغاز على وجه التحديد، سواء من ناحية الوفرة أو الأسعار.
ويأتي اقتراح التسقيف في الوقت الذي يستعد الاتحاد الأوروبي لتنفيذ حظر كامل على النفط الروسي في ديسمبر.
وستحظر خطة الاتحاد الأوروبي أيضا على الشركات في الكتلة، تأمين أو تمويل شحنات النفط الروسية.
معادلة عزل روسيا والمصالح الغربية
في رده على القرار، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، خلال المنتدى الاقتصادي الشرقي إن عزل روسيا “مستحيل” رغم ما وصفه بـ”حمى العقوبات” الغربية مشيدا “بالدور المتزايد” لآسيا التي تعول عليها موسكو أكثر فأكثر.
أستاذ القانون الدولي، أيمن سلامة، يرى في رد بوتين دليلا على التأثير الفعلي للعقوبات التي أقرها الغرب والولايات المتحدة على الاقتصاد الروسي.
وفي حديث لموقع الحرة، شدد سلامة على أن بوتين يتكبد فعليا “خسائر مؤلمة” إثر العقوبات وهو ما جعله يتخوف من قرار التسقيف الذي سيزيد من تعقيد وضع اقتصاد بلاده.
في المقابل، يرى المحلل الروسي، يفغيني سيدروف أن تسقيف الأسعار “لن يخدم بأي حال من الأحوال المصالح الغربية” مشيرا إلى أن هناك دولا أخرى ستشتري الغاز والنفط الروسيين امتثالا لحاجتها وللأسعار التي يفرضها العرض والطلب.
“دور الدول الآسيوية سيكون له تأثير مضاد للقرار الغربي”، وفق سيدروف.
وبينما تريد الدول الغربية تحديد سقف سعر المحروقات الروسية لمعاقبة موسكو على غزوها أوكرانيا، يهدد بوتين بوقف إمدادات الغاز والنفط الروسيين تماما في حال أُقر هذا الإجراء.
ورغم اتفاقه جزئيا مع طرح سيدروف، شدد الخبير الاقتصادي الأميركي، باولو فان شيراك، على أن على الدول الغربية التحضير الجدي لأي قرار يرجى منه معاقبة روسيا “لارتباط مصالح الجميع” على حد تعبيره.
وفي مقابل عزلتها المتزايدة وتدهور علاقاتها مع الغرب، سرّعت موسكو توجهها نحو الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا، على أمل إيجاد أسواق وموردين جدد يحلّون محل ما خسرته بفعل العقوبات الأميركية والأوروبية.
وبعد مجموعة السبع التي دعت إلى تحديد سقف لسعر بيع النفط الروسي، اقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين فرض سقف لسعر الغاز الروسي. وقالت فون دير لايين لصحافيين “الهدف هنا واضح جدا، علينا قطع مداخيل روسيا التي يستخدمها بوتين لتمويل حربه الوحشية على أوكرانيا”.
هل يردع القرار بوتين؟
بوتين توعد ردا على ذلك بالقول: “لن نرسل أي شيء على الإطلاق إذا تعارض مع مصالحنا الاقتصادية، لا غاز، لا نفط، لا فحم، لا زيت وقود، لا شيء”.
“هذا يقود للتفكير مليّا قبل اتخاذ أي قرار” يعلّق شيراك في حديث لموقع الحرة، قبل أن يضيف أن قرار تسقيف الأسعار غير قابل للتطبيق تقنيا.
“لا يمكنك معرفة مصدر هذا النفط أو ذاك، إذا أراد المشتري حجب اسم البائع عنك” يقول شيراك الذي نصح مرة أخرى بضرورة التأني قبل تطبيق القرار الذي يدخل ضمن سلسلة “العقوبات التي لم تظهر ثمارها لغاية الآن” وفق تقديره.
إلى ذلك، يرى سيدروف أن موسكو سبق وأن واجهت القرارات الغربية بالاتجاه إلى مناطق أخرى لصرف منتوجها، وضرب مثلا بالهند والصين وبعض الدول الشرق أوسطية، على حد وصفه.
وقال: “أعتقد أن موسكو أبدت عدم اكتراث بمثل هذه القرارات، لذلك لا أرى أن قرار التسقيف سيخرج عن هذه القاعدة” في إشارة إلى استمرار مبيعات النفط الروسي رغم العقوبات.
ثم مضى مؤكدا أن بإمكان روسيا أن تجد شركاء جدد، في حال أراد الغرب وضع قرار التسقيف حيز التنفيذ قريبا.
لكن سلامة أصر على أن العقوبات الغربية”استنزفت قدرات روسيا العسكرية وأوجعت بوتين”.
الرجل أكد في سياق تحليله، على أن بوتين تكبد فعلا خسائر مؤلمة إثر العقوبات المتتالية، التي لم يكن يتوقعها، وهو سر قراره الأخير، قطع إمدادت الغاز عن أوروبا.
وتواجه موسكو القرارات الغربية التي تعارض سعيها لاحتلال أوكرانيا وضم مزيد من ترابها، بمحاولة مقايضتها بالنفط والغاز على وجه الخصوص.
والجمعة، أعلنت مجموعة “غازبروم” الروسية توقف عمل خط أنابيب “نورد ستريم” الحيوي لإمداد أوروبا بالغاز، “بالكامل”، حتى انتهاء إصلاح توربين فيه، بعدما كان من المقرر أن يعاود العمل السبت إثر عملية صيانة، وفق زعم موسكو.
وتزعم موسكو أن العقوبات المفروضة عليها بسبب غزوها أوكرانيا تسببت في نقص قطع الغيار، ما يهدّد تشغيل نورد ستريم.
الضغط على زرّ؟
بوتين، قال الأربعاء، متوجّها بحديثه إلى الأوروبيين، “نحن مستعدّون لاستئناف التصدير عبر نورد ستريم اعتبارًا من الغد، مضيفا “كل ما عليكم فعله هو الضغط على زرّ”، مذكّرًا بأن بلاده ليست هي من “فرض عقوبات.. لكننا وصلنا إلى طريق مسدود بسبب العقوبات الغربية” على موسكو، وهو ما اعتبره، فان شيراك، المثال الحي على ابتزاز بوتين المتواصل، والذي ينبؤنا بما ستؤول إليه السوق بعد قرار التسقيف.
أما سيدروف فيصف ما آلت إليه السوق الدولية للنفط، خصوصا مع قرار مجموعة “أوبك بلس” خفض الإنتاج الشهر المقبل بـ”عدم دراسة الغرب جيدا لما يقرره”.
وقرر تحالف “أوبك بلس”، خفض الإنتاج في أكتوبر بمعدل مئة ألف برميل يوميا، رغم محاولات الدول الغربية إقناع الدول المصدرة للنفط بزيادة إنتاجها، من أجل احتواء التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته منذ عقود، خصوصا مع استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا.
وكانت أسعار النفط، وبسبب الآفاق الاقتصادية القاتمة، سجلت، في أغسطس، ثالث تراجع شهري على التوالي بعيدا عن المستويات القياسية التي لامست 140 دولارا للبرميل.
العالم يريد النفط
في نظر فان شيراك، فإن العالم سيبقى محتاجا للنفط، وهذه الحاجة هي التي ستملي على هذه الدولة أو تلك، شراء النفط الروسي أو الإيراني، أو من أي مصدر آخر مُريب، لذلك، يمكن أن يصعب تطبيق قرار التسقيف “مادامت هناك دول تسعى لشراء المنتوج الروسي”.
شيراك عبّر عن رؤيته بعبارة “العالم يريد النفط”.
لكن سلامة يرى غير ذلك، إذ نصح بأن تستبدل الدول الغربية الطاقة الروسية بمصادر أخرى أكثر نظافة، وقال: “على الدول الأوروبية المتضررة من هذا القرار أن تستثمر في مصادر أخرى.. أقصد مصادر طاقة بديلة” وهو ما من شأنه أن ينزع من يد بوتين سلاحه الأخير.