يجوب مهرجان الفيلم اللبناني في كندا في نسخته السادسة هذه السنة خمس مدن عبر البلاد ويمتد من حزيران/يونيو إلى تشرين الثاني/نوفمبر.
امتدت نسخة مونتريال على مدى ستة أيام من 11 حزيران / يونيو إلى 16 منه، وعُرضت الأفلام المشاركة في ’’سينما غوزو‘‘ (Cinema Guzzo) الواقعة في مركز الثقل الجاليوي اللبناني والعربي في مونتريال، حيّ سان لوران، وفي حرم جامعة كونكورديا (نافذة جديدة)في وسط المدينة.
بلغ مجموع الأفلام الطويلة المشاركة سبعة، بينها وثائقيان وفيلم أردني روائي طويل (بنات عبد الرحمن)، إذ اعتاد المهرجان على تقديم فيلم عربي واحد في كل دورة. أما الحصة الأكبر فكانت للأفلام القصيرة وناهز عددها الـ 20 فيلما وكلها بإنتاج محلي لبناني. كما تضمن المهرجان أنشطة عبر المنصّات الإلكترونية اشتملت على مؤتمرات وورش عمل ومقابلات افتراضية مع صناع الفن السابع من لبنان وكندا وبلدان أخرى. ’’وقد حتمت جائحة كوفيد-19 هذا الطابع الهجين الجديد الذي يساهم أكثر فأكثر في بلورة وسائل تواصل جديدة وممكنة لأكبر عدد من المهتمين بالصناعة السينمائية في كندا ولبنان والعالم‘‘، كما أكد المؤسس المشارك للمهرجان ومدير البرامج رئيس مجتمع بيروت السينمائي (نافذة جديدة)الأستاذ الجامعي سام لحود.
يمّر الفن السابع في لبنان بوضع دقيق جدا مع صعوبة الإنتاج السينمائي في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة. هناك إقبال على الدراما التلفزيونية عبر المنصات الإلكترونية ولكن الإقبال على السينما يتقلص أكثر فأكثر. للجائحة أثر كبير ولكن هناك أيضا الوضع الاقتصادي المزري للعائلات اللبنانية الذي زاد الطين بلّة.
نقلا عن سام لحود، أستاذ جامعي بمواد السينما في لبنان ومؤسس مشارك لمهرجان الفيلم اللبناني في كندا
يشير المتحدث إلى أنّ من أخطر ما حدث في العامين الماضيين هو أنّ الناس عموما فقدوا عادة القيام بالنشاط الاجتماعي في شكل حضوري، وتحولوا إلى الـ’’أون لاين‘‘ متبنين العصر الرقمي. هذا الأمر يمكنه أن يؤثر على مستقبل لبنان ككل لأن جيل الشباب في شكل خاص لم يعد لديه روابط اجتماعية كما كان في السابق وهو ملتصق بالتقنيات الرقمية.
يعتبر البروفيسور لحود الذي كان يلتقي الحضور السينمائي بعد كل عرض في مونتريال ويتناقش معه حول الفيلم، أن السينما هي ممارسة اجتماعية قبل أن تكون نشاطا ترفيهيا. وليس الفن السابع الذي يتميز بهذا الطابع فحسب، وإنما معه كل الفنون التي تُقدم على خشبة المسرح والفنون التشكيلية وغيرها من الفنون التي يشكل فيها الحضور عاملا جوهريا. كما تشكل هذه التظاهرات الثقافية، على حد تعبير المتحدث، ’’ملتقى لأبناء المجتمع الواحد يتبادلون خلالها الأحاديث والنقاشات ليساهم ذلك في تطوير الوجود البشري والإنساني‘‘.
إن تاريخ وروح الأمة ينعكسان في ثقافتها من خلال التعبير الفني، وتعّد الأفلام السينمائية شكلا من الأشكال الفنية المتنوعة التي يسهل الوصول إليها والتي تسد الفجوة بين المجتمعات من خلال تحفيز أفرادها على التبادل والتفاهم المتبادل فيما بينهم.
نقلا عن سام لحود، مدير البرامج في مهرجان الفيلم اللبناني في كندا
عصر الأفلام القصيرة
سيتخطى العالم الغربي زمن كورونا وتعود الحياة إلى طبيعتها، بحسب أستاذ الفنون السينماتوغرافية، ولكن سيبقى لبنان يتخبط في الآفات التي تركتها الجائحة وفي عواقب الأزمات الاقتصادية والمالية والسياسية التي تتعاقب في بلد الأرز.
ينعي المتحدث مستقبل الصناعة السينمائية في لبنان في حال استمر الوضع على ما هو عليه لأعوام آجلة. يقول سام لحود: ’’إن الذهاب إلى دور السينما أصبح من الكماليات في لبنان، ويُنذر الوضع باستفحال أزمة الصناعة السينمائية ككل. قد تعمد الصالات السينمائية إلى رفع أسعار تذاكر الدخول، من أجل تأمين استمراريتها، ولكن جمهورها لن يستطيع توفير هذه الحاجة الكمالية وسط تفاقم الوضع الاقتصادي، وبالتالي فإننا قد نشهد إقفال العديد من دور السينما عبر البلاد، وسينعكس ذلك كله على صناع الفن السابع‘‘.
في باقة الأفلام القصيرة كان الخيار واسعا، لأنه أنتج في لبنان العام الماضي أكثر من 200 فيلم قصير، ولكن كانت هناك ندرة في إنتاج الأفلام الطويلة. إن الأفلام اللبنانية الستة الطويلة المشاركة هي كل الحصاد السينمائي للسنة الماضية، وهذا ما يفسر ربما التفاوت في جودة الأفلام التي قدمها المهرجان هذه السنة.
’’هذه الأفلام القصيرة هي في غالبيتها من توقيع طلاب السينما في بيروت، كما يقول سام لحود، وقد يتجه السينمائي المستقل إلى الفيلم القصير بسبب كلفته الزهيدة بالمقارنة مع الأفلام الطويلة. هذا ويسمح الفيلم القصير بأن يعبّر السينمائي عن فكرته من دون اضطراره إلى خوض نفقات إنتاج كبير. أضيفي إلى ذلك، يضيف لحود، أن هناك طلبا كبيرا على الأفلام القصيرة في المهرجانات السينمائية الدولية اليوم‘‘.
’’بيروت هولدم‘‘ يهزُ مشاهده بعمق ولا يتركه من دون مبالاة
شاهدت فيلما وحيدا في المهرجان هو ’’بيروت هولدم‘‘ للسينمائي ميشال كمون، وسمعت الجمهور بعد عرض الفيلم يتحاور ويناقش معبرا عن إعجابه الكبير بالتمثيل والقصة والإخراج.
بطل الفيلم زيكو الذي لعب دوره باحتراف عالي الممثل صلاح بكري، مقامر عائد من السجن ويواجه جملة من التحديات على إيقاع أتى بطيئا في بداية فيلم قوي هادف بكل رموزه وإيحاءاته ودلالاته. قد تجسد قصة ’’بيروت هولدم‘‘ قصص معظم جيل لبنان من الشباب الذين عاشوا خيبة الأمل والأفق المسدود مستسلمين لعالم الشر من قبيل مبدأ ’’الغاية تبرر الوسيلة‘‘. يظهر الفيلم تداعيات الحرب اللبنانية وإفرازاتها بكثير من القسوة وبعض من الحنان والشفافية مسهبا في نقل التناقض الذي يتكون منه المجتمع اللبناني. شخصيات الفيلم غير متصالحة مع نفسها، مشبعة بالألم اليومي، تعيش في مجتمع تحكمه الماديات، أما الأخوّة والمحبة والصداقة فقد مزقتها الايام والأزمات والمحن التي لا تنتهي في بلد الأرز.
بيروت هي البطلة الأولى وهي الأساس في كل تفاصيل هذا الفيلم، والشخصيات التي تأخذنا إلى عالمها هي جزء لا يتجزأ من تلك المدينة بكل أحداثها وتفاصيلها اليومية، بكل بساطتها وقسوتها المادية في شكل خاص.
يؤجج الفيلم الغضب في نفس مشاهده من قسوة الحرب وسقوط الانسانية في براثنها، ولكنه ينتهي بالمراهنة على المحبة التي يمنحها زيكو لصديقه (الجوكي) الذي لم يعد يستطع ممارسة حرفة ركوب الخيل، وعلى الحياة التي لا بد أن تستمر مع طفل ينجو بعد موت والديه في انفجار بيروت.
جمهور مونتريال يشتكي كثافة السواد والحزن
يعلق سام لحود بأن الكندي اللبناني الذي يأتي لمشاهدة الأفلام في المهرجان يعبر غالبا عن استيائه من كمية السوداوية في الأفلام، وهو يطالب بأفلام فرحة متفائلة تعزز الجمال وتثير في نفسه الحنين إلى الزمن الماضي الجميل.
للأسف السينما لا تروّج للسياحة، بل هي تصوّر لبنان الحقيقي، هي انعكاس للواقع وامتداد له.
نقلا عن سام لحود، استاذ الكتابة والإخراج السينمائي في الجامعات اللبنانية
بدورها تقول المؤسسة المشاركة في المهرجان ومديرته هاي لاف حدشيتي: ’’يتميز الفن السابع بالقدرة على استكشاف أعماق المجتمع والإنسانية، ويمتلك القدرة على تشكيل جسر بين الثقافات. وهذا ما يضطلع به مهرجاننا الذي يحتفي بالصناعة السينمائية اللبنانية، يواكب تطورها ويقدمها في كندا‘‘.
حصيلة تفوق التوقعات
’’كانت توقعاتنا أقل بكثير مما حققته هذه النسخة السادسة‘‘، قالت هاي لاف حدشيتي التي التقيتها في اليوم الأخير للمهرجان.
كنا متخوفين جدا من ألا يكون هناك إقبال هذه السنة، خصوصا بعد إنقطاع عن تقديم المهرجان حضوريا لمدة عامين بسبب الجائحة، وكانت القرارات تميل أكثر إلى إرجاء المهرجان وعدم تقديمه. ولكن المفاجأة كانت أن المهرجان حقق إقبالا وفاق الأهداف المتواضعة التي كنا قد رسمناها له.
نقلا عن هاي لاف حدشيتي، مديرة مهرجان الفيلم اللبناني في كندا
تعرب المتحدثة عن فرحها العارم وامتنانها للحضور الكثيف في المهرجان لجيل الشباب وتعزو ذلك إلى العروض التي قدمت في جامعة كونكورديا في وسط مدينة مونتريال والتي سهلت الوصول والمشاركة للطلاب الجامعيين.
تعدد هاي لاف حدشيتي المصادر التمويلية التي تؤمّن استمرارية مهرجانهم. بدءا من استقطاب المستثمرين لتأمين الدعم المالي، وقد أكسبتهم سمعة المهرجان الطيبة المزيد من المعلنين، إلى أسعار تذاكر الدخول وأيضا التمويل الذي تقدمه لهم الحكومة الكندية الفيدرالية ’’المؤمنة بهذه التظاهرة الثقافية وتقدم لها الدعم في كل سنة‘‘.
ضمت نسخة مونتريال لمهرجان الفيلم اللبناني نحو 50 متطوعا عملوا في التنظيم واستقبال الحضور خلال الأنشطة وفي كواليس المهرجان. هذا وقد استقدم المهرجان هذه السنة من بيروت الممثلة بياريت قطريب التي تجسد دورا رئيسيا في فيلم ’’فرح‘‘ من بطولة الشابة ستيفاني عطالله، المشارك في المهرجان.
تؤكد المؤسسة المشاركة لمهرجان الفيلم اللبناني بأنها راضية عن الأهداف التي حققها المهرجان، الذي تراه يكبر يوما بعد يوم ويحقق المزيد من الحضور والسمعة الجيدة. شغوفة بالفن السابع منذ درسته على مقاعد الجامعة في بيروت، تشير المتحدثة إلى أنها تقاعدت هذه السنة من عملها في شركة الطيران الكندية ’’أير كندا‘‘، ليصبح المهرجان شغلها الشاغل طيلة العام، ولتحاول الإلحاق بما أضاعته بعيدة عن شغفها الأول.
تجدر الإشارة إلى أن المهرجان أكمل بعد مونتريال طريقه إلى العاصمة الكندية أوتاوا من 17 إلى 20 يونيو، ويكمل جولته في فانكوفر، كبرى مدن مقاطعة بريتيش كولومبيا على ساحل الهادي، من 23 إلى 25 أيلول/ سبتمبر المقبل، ليقدم بعدها برنامجه في تورونتو، عاصمة مقاطعة أونتاريو وكبرى مدن كندا، من 28 إلى 31 تشرين الأول / أكتوبر المقبل، ومسك الختام في هاليفاكس، عاصمة مقاطعة نوفا سكوشا الأطلسية، من 5 إلى 8 تشرين الثاني / نوفمبر المقبل.
كل واحدة من هذه المدن لها طابعها الخاص ومتطلباتها الخاصة، وما نقدمه في نسخة مونتريال ليس بالضرورة ما نقدمه في نسخة أوتوا أو غيرها من المدن الكندية، ولكل مدينة ما يليق بها وبجمهورها. أما المدينة الأحب إلى قلبي بعد مونتريال التي أعيش فيها، فهي هاليفاكس.
نقلا عن هاي لاف حدشيتي، مديرة مهرجان الفيلم اللبناني في كندا