’’معهد كيبيك‘‘ (نافذة جديدة) (Institut du Québec) مؤسسة غير ربحية، أُنشىء عام 2014 كجزء من الشراكة بين معهد ’’الدراسات التجارية العليا‘‘ التابع لجامعة مونتريال (HEC) ومعهد “كونفرنس بورد الكندي” (نافذة جديدة) (The Conference Board of Canada). وقد أصبح منذ عامين مؤسسة مستقلة ويديره مجلس إدارة مستقل، على رأسه الكندية من أصول مصرية-فلسطينية-لبنانية الاختصاصية الاقتصادية ميا حمصي.
ما هو العدد الأمثل للمهاجرين الذي يجب أن ترحب به كيبيك سنويًا؟ إنه السؤال الذي يحاول ’’معهد كيبيك‘‘ الإجابة عنه من خلال تقييم الآثار الديموغرافية والاقتصادية لسيناريوهات الهجرة المختلفة.
هل تحتاج كيبيك حقا إلى المزيد من المهاجرين؟ عنونت ميا حمصي في مقال لها نشرته مؤخرا مجلة Gestion (نافذة جديدة) التي تصدر عن معهد الدراسات التجارية العليا (نافذة جديدة) التابع لجامعة مونتريال. حاورتها في النقاط التي يتطرق إليها مقالها وطلبت منها الإجابة عن سؤالها.
تأثير الهجرة الإيجابي على اقتصاد كيبيك
’’إنه بالفعل سؤال كبير‘‘، أجابت ميا حمصي في ردها على السؤال الذي عنونت به مقالها. ’’لقد قمنا بإجراء تحليلات حول الهجرة لعدة سنوات في معهد كيبيك لنرى كيف يسير اندماج المهاجرين في هذه المقاطعة. ما وجدناه، هو أنه على الرغم من الجائحة، تشير أحدث البيانات إلى أن هناك تحسنا على صعيد اندماج المهاجرين في سوق العمل المحلية‘‘.
الهجرة كان لها تأثير إيجابي بشكل عام على اقتصاد كيبيك[…] تؤدي الزيادة في عدد المهاجرين إلى تحسين معظم المؤشرات، باستثناء الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد، والذي يتناقص عمومًا عند زيادة عتبات الهجرة، وغالبًا ما تكون أجور الوافدين الجدد أقل من أجور المواطنين.
نقلا عن ميا حمصي، الرئيسة التنفيذية في معهد كيبيك
تؤكد المتحدثة على أن مجتمع كيبيك قادر على الترحيب تدريجيا بالمزيد من المهاجرين، مشيرة إلى وجوب اهتمام الحكومة بالمهاجرين الموجودين فعلا في كيبيك من خلال تصاريح إقامة مؤقتة للدراسة أو العمل. وتنصح الخبيرة الاقتصادية كيبيك بتسريع عملية معالجة ملفات الهجرة والإقامة الدائمة لهؤلاء الأشخاص. لا سيما لزيادة عتبات الهجرة تدريجياً على مدى السنوات القليلة المقبلة، لتتخطى ببضعة آلاف الـ 000 50 سنويا، التي وعدت كيبيك بالترحيب بهم، لأن ذلك سيكون أكثر انسجاما مع احتياجات سوق العمل، على حد تعبير ميا حمصي. في الوقت ذاته، تؤكد هذه الأخيرة أنه ’’يجب أن يعتمد الرقم على قدرتنا على دمجهم في سوق العمل في كل المناطق وليس فقط في المدن المركزية الكبرى. كلما كان الاندماج أسرع وأكثر فاعلية، كلما زادت مساهمة المهاجرين في الاقتصاد وفي نوعية حياة السكان‘‘.
أظهرت النماذج أنه لا يوجد عدد مثالي من المهاجرين يجب أن ترحب به كيبيك كل عام[…] وحسبنا أن الهجرة يمكن أن تكون الحل السحري للتعويض عن تأثير شيخوخة السكان في كيبيك.
نقلا عن ميا حمصي، الرئيسة التنفيذية في معهد كيبيك
كيبيك ترجئ مشاوراتها العامة بشأن الهجرة حتى العام المقبل
في الوقت الذي تحتدم فيه أزمة نقص العمالة في كيبيك، فإن قرار حكومة حزب التحالف من أجل مستقبل كيبيك (CAQ) برئاسة فرنسوا لوغو بتأجيل مشاوراتها العامة بشأن الهجرة (نافذة جديدة)حتى العام المقبل، يخيب آمال مجتمع الأعمال، الذي يتهمها بتسييس قضية حاسمة، تتوقف عليها استمرارية العديد من الشركات.
يقول نائب رئيس ’’الاتحاد الكندي للأعمال المستقلة (نافذة جديدة)‘‘ في كيبيك، الذي يمثل في شكل خاص الشركات الصغيرة والمتوسطة، فرنسوا فانسان، إن ’’تلك المشاورات كانت ذات صلة باتخاذ القرار الأفضل لكيبيك، لاقتصادها وازدهار مجتمعها المتميز‘‘. هذا وفي نيسان / أبريل الماضي، دلّ استطلاع أجراه الاتحاد الكندي للأعمال المستقلة إلى أنه تم الشعور بنقص العمالة بشكل خاص في كيبيك، مما أجبر معظم الشركات على رفض المبيعات، أو حتى إغلاق أبوابها بشكل دائم.
في ’’كتابه الأبيض‘‘ حول الهجرة (نافذة جديدة)، يشير ’’مجلس أرباب الأعمال في كيبيك (نافذة جديدة)‘‘ إلى أنه على حكومة المقاطعة أن تتوصل إلى استقبال 000 80 مهاجر على الاقل وبشكل مثالي أن يصل العدد إلى 000 100 مهاجر سنوياً. وهذا ما كان دعا إليه أيضا عدد من مؤسسات ريادة الأعمال في كيبيك لسد النقص في اليد العاملة الذي تعاني منه المقاطعة.
لا يمكن المراهنة فقط على الهجرة
إن معهد كيبيك كرر أكثر من مرة أن الهجرة هي جزء من الحل. وتشير ميا حمصي إلى أن المعهد ’’أجرى عملية محاكاة مع عتبات سنوية مختلفة للمهاجرين من 40 ألفاً إلى 60 ألفا، ووجد أن الهجرة تخفف من تأثير شيخوخة السكان كما تسمح أيضًا بمزيد من القوة للنمو الاقتصادي ولكن لا يمكن أن تكون الهجرة الحل الوحيد‘‘.
تشير المتحدثة إلى أن المهاجر الذي يقدم إلى كيبيك تكون له احتياجات مثل السكن والخدمات العامة المتعلقة بمراكز رعاية الأطفال والتعليم والصحة، ’’ويترتب على ذلك احتياجات عمالية أخرى في أماكن أخرى في الخدمات العامة والإسكان على وجه الخصوص‘‘.
وتشير الخبيرة في الشؤون الاقتصادية إلى أن هناك العديد من الحلول الأخرى لسد النقص في العمالة في كيبيك، ’’ولا يمكن الاعتماد على الهجرة كحل فحسب‘‘. تتحدث ميا حمصي في هذا الإطار عن استراتيجيات إدارية للمؤسسات والشركات تساهم في الحلول لأزمة النقص في اليد العاملة. ’’مثل محاولة إبقاء العمال في وظائفهم لأطول فترة ممكنة، عبر السماح لهم بدوام عمل أكثر مرونة وألا يتم معاقبة من يريد من المتقاعدين العودة إلى سوق العمل، عبر إعطائهم الضمانة بأن عودتهم إلى العمل لن تؤثر سلبا على معاشاتهم التقاعدية، ’’هؤلاء لديهم خبرة ولا ضير من محاولة الاحتفاظ بهم لأطول فترة ممكنة‘‘ تقول ميا حمصي.
تلحظ المتحدثة أن معدل التوظيف في كيبيك للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين الـ 60 و69 عاما هو أقل بكثير مما هو عليه هذا المعدل في مقاطعة أونتاريو مثلا.
من الحلول التي تقترحها أيضا ميا حمصي لمداواة النقص في العمالة هو مراجعة الشركات لطريقة الإنتاج وتقديم الخدمات للحصول على تقنيات أكبر وتطور تكنولوجي أوسع، مما يسمح بالحاجة إلى عدد أقل من العمال. يمكن أن تعمد الشركات أيضا إلى تكثيف المهارات والتدريبات مما يساهم بإعادة تأهيل الموظفين مع الاستمرار بتقديم الدعم المالي لهم، على حد تعبيرها.
في هذا الإطار تشير المتحدثة إلى نموذج ناجح قامت به كيبيك أثناء الجائحة عندما رعت دورات تدريبية لإعادة تأهيل وتدريب العمال، وناشدت حمصي الحكومة الاستمرار بهذه المبادرة مما من شأنه أن يُعدّ سوق العمل لمواجهة تحديات كبيرة أخرى قادمة مثل الانبعاثات الكربونية والطاقات المتجددة.
اختلال التوازن بين الخارجين من سوق العمل والداخلين إليه
تكافح الشركات في سائر أنحاء العالم لملء الوظائف الشاغرة، ومما لا شك فيه أن ’’نقص العمالة ليس مشكلة لطيفة (نافذة جديدة). إنه مطب اقتصادي سريع، يؤدي إلى نتائج عكسية، ويقيد نمو الإنتاج وتوسع الأعمال التجارية، وفي النهاية، يمكن أن يقلل من احتمالات تحسين ظروف عمل الموظفين الموجودين بالفعل في الأعمال التجارية‘‘.
تؤكد ميا حمصي أن هناك اليوم ما لا يقل عن 000 240 وظيفة شاغرة في كيبيك في قطاعات الخدمات الصحية والاجتماعية وتجارة التجزئة، في التصنيع وفي خدمات الإقامة والطعام، في قطاع البناء وفي التعليم. علما أن وزارة العمل في حكومة كيبيك كانت أكدت أنه بين عامي 2017 و 2026، سيكون هناك مليون و42 ألف وظيفة متاحة. في هذا الإطار، أعرب ’’مجلس أرباب الأعمال في كيبيك‘‘ عن اعتقاده بأن سوق العمل في كيبيك بحاجة إلى 000 314 مهاجر من أجل ملء كل هذه الوظائف.
تداعيات نقص العمالة ظهرت جليا مؤخرا في مطار إليوت ترودو الدولي في مونتريال وفي مكاتب ’’خدمة كندا‘‘، لا سيما في أقسام جوازات السفر. تقول ميا حمصي: ’’أين ذهب كل العمال؟ سؤال يتكرر طرحه في الآونة الأخيرة. في الواقع إن البيانات تشير إلى أن سكان كيبيك الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و65 عاما يعملون حاليا أو يبحثون بجهد ونشاط عن فرصة عمل، والارقام مرتفعة للغاية على مستوى كافة الفئات العمرية، وبشكل أعلى مما كان عليه الأمر أثناء الجائحة‘‘.
مجتمع يشيخ
ليس السبب في نقص العمالة أن المواطنين يرفضون العمل، بل كل ما هنالك أن السكان يتقدمون في السن، لذلك هناك المزيد والمزيد من الأشخاص المتقاعدين، ولا يوجد ما يكفي من الشباب ليأخذوا مكان جيل البيبي بومرز، وهم مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية الذين بلغوا سن التقاعد اليوم.
نقلا عن ميا حمصي، الرئيسة التنفيذية في ’’معهد كيبيك‘‘
تشير السيناريوهات الديموغرافية التي وضعتها مؤسسة الإحصاء في كيبيك (نافذة جديدة) إلى أن عواقب شيخوخة السكان (نافذة جديدة) ستظل محسوسة لمدة عقد على الأقل، خاصة خارج منطقة مونتريال الكبرى.
تصف الخبيرة الاقتصادية ميا حمصي النمو الاقتصادي في كيبيك بأنه ’’قوي جدا‘‘، وهذا يتمثل في أن الشركات ترغب في التوظيف لأن هناك طلبا على خدماتها. ’’كان الانتعاش في عام 2021 قوياً للغاية في كيبيك، كنا أحدى المقاطعات التي لديها أقوى انتعاش اقتصادي‘‘.
في سياق متصل، لا تعتقد ميا حمصي أن القانون 96 المتعلق بديمومة اللغة الفرنسية الذي أقرته حكومة كيبيك مؤخرا، ستكون له آثار سلبية على سوق العمل واندماج المهاجرين. وتعوّل المتحدثة على مرونة الحكومة في التكيف وإيجاد الطرق الناجعة لتطبيق القانون بما تقتضيه المصلحة العامة. ’’علينا أن نكون منفتحين على ما أعتقد في معايير التطبيق‘‘ حسب تعبيرها.
’’مجتمع كيبيك مليء بالفرص ويُرّحب بشكل كبير بالمهاجرين‘‘
تقول باستمرار من ولدت في كيبيك لأب هاجر من مصر عندما كان في ربيعه الخامس عشر وأم من عائلة حداد اللبنانية، أتت من مصر ايضا عندما كانت في العشرينيات من العمر. وتؤكد حمصي بأن إندماج والديها كان نموذجيا كذلك انخراطهما الناجح في سوق العمل.
تشير المتحدثة إلى أن الشركات في كيبيك هي أكثر انفتاحًا على التكيف مع الثقافات الأخرى، لايمانها بالقيمة المضافة التي يحملها معه المهاجر إلى سوق العمل.
أشعر أن هناك انفتاحًا أكثر وأكثر في المجتمع الكيبيكي، ويبقى التحدي المؤكد هو إتقان اللغة الفرنسية لتكون قادرًا على اندماج أفضل في سوق العمل.
نقلا عن ميا حمصي، مديرة ’’معهد كيبيك‘‘
تفهم حمصي اللغة العربية تماما ولكنها لا تكتبها ولا تقرأها ولا تستطيع التحدث بها، وهي تقّر بأن إتقان لغة جديدة يشكل تحديا كبيرا. ولكن، تضيف المتحدثة، فإن هناك الكثير من الموارد في كيبيك التي تسمح للمهاجرين بتعلم اللغة الفرنسية. إن العديد من الشركات أيضا تدفع الاجور للموظفين أثناء تلقيهم دورات في تعلم اللغة أو في كيفية التميّز في سوق العمل في كيبيك. ’’على المهاجر البحث والسؤال لاكتشاف كل هذه الأمور التي تساعده في تحقيق الاندماج باسرع وقت‘‘.
تُثني حمصي على جهود حكومة كيبيك في السنوات الأخيرة من أجل تحسين عملية اختيار المهاجرين واندماجهم التي أدت إلى تحسن ملحوظ في معدل نشاطهم ومعدل توظيفهم ودخلهم وتدني معدل البطالة في صفوفهم، الأمر الذي أدى إلى تضييق الفجوات الواسعة بينهم وبين أبناء كيبيك الأصليين. مع ذلك، تضيف المتحدثة، ’’لا تزال هناك تحديات كبيرة يجب التغلب عليها من أجل تقليل الفجوات التي لا تزال قائمة بين وضع المهاجرين وأولئك الذين ولدوا في كندا، واللحاق بما أنجزته مقاطعة بريتيش كولومبيا أو مقاطعة أونتاريو، والتي يبدو أنهما تعملان بشكل أفضل في هذا الصدد‘‘ كما تقول ميا حمصي.
استحقاق انتخابي في كيبيك وموضوع الهجرة على المحك
يكرر وزير الهجرة في حكومة حزب التحالف من أجل مستقبل كيبيك جان بوليه بأن قدرة المقاطعة ذات الأغلبية الناطقة بالفرنسية ’’على الاستقبال والاندماج محدودة بـ 50000 مهاجر‘‘.
ترى ما هي الحجة المقنعة لمعهد كيبيك لحمل حكومة حزب التحالف من أجل مستقبل كيبيك، التي لا تزال متقدمة في نوايا تصويت الناخبين للفوز بولاية ثانية، حسب استطلاعات الرأي، في الانتخابات العامة المقررة في 3 تشرين الأول / أكتوبر المقبل، على رفع سقف الهجرة وإعادة النظر في قرار استقبال 50000 مهاجر كحد أقصى في السنة؟
تجيب ميا حمصي: ’’أعتقد أنه في التقرير الأخير الذي نشرناه حول الهجرة، أظهرنا بوضوح تام أهمية احتياجات سوق العمل والاقتصاد. يعتمد هذا القطاع حاليًا على الهجرة التي يتجاوز عددها الـ 000 50 مهاجر الذي طالما يتم التحدث عنهم. لأن في كيبيك اليوم الكثير من المهاجرين المؤقتين سواء كانوا طلاباً أو عمالاً، يتخطى عددهم النصف من العدد الإجمالي للمهاجرين في هذا الوقت. تستقدم كيبيك بشكل متزايد عمال مؤقتين مع أنواع مختلفة من التصاريح التي تسمح للعمال بالمجيء إلى هنا بتفويض العمل. هناك الكثير من المهاجرين الموجودين بالفعل في كيبيك، لذا فإن الاحتياجات أكبر بكثير من 000 50‘‘.
تسهب ميا حمصي في شرح الأسباب المعززة للترحيب بالمزيد من المهاجرين في كيبيك. تقول: ’’في النظر إلى معدل التوظيف، يظهر تواجد هؤلاء أكثر فأكثر في سوق العمل مع معدل بطالة يتناقص وأجور تزداد لتلحق بالمتوسط الوطني للأجور في كيبيك. عندما ننظر إلى خارج منطقة مونتريال الكبرى، نجد أن معدل البطالة منخفض للغاية. ففي كيبيك عاصمة المقاطعة على سبيل المثال، تدنى معدل البطالة إلى نحو 3% وهي أقل نسبة في البلاد (نافذة جديدة). ’’وإن أي سياسة ترمي إلى تقليص عدد المهاجرين قد تشكل مكبحاً للاقتصاد‘‘.
تخلص ميا حمصي إلى القول: ’’إننا قدمنا هذا العرض التوضيحي مقترحين على الحكومة تسريع عملية الاختيار من المهاجرين المؤقتين لجعلهم مقيمين‘‘.
نناشد الحكومة المرونة في تقبل رفع عتبات الهجرة والنظر في وضع العمال المؤقتين لأن الاقتصاد وسوق العمل قادران بالفعل على دمجهم، و سيعود ذلك بالفائدة على المجتمع.
نقلا عن ميا حمصي، الرئيسة التنفيذية لمعهد كيبيك