بعد قرار مجموعة “أوبك بلس” بخفض إنتاجها من النفط، يبدو أن التحالف السعودي الأمريكي يمر بأزمة كبيرة، في الوقت الذي تستفيد فيه روسيا من زيادة عائداتها النفطية وتتمكن من تمويل عدوانها على أوكرانيا.
رد الرئيس الأمريكي جو بايدن بوضوح شديد على قرار مجموعة “أوبك بلس” (أوبك+) بخفض انتاجها من النفط مليوني برميل يوميا، ما يعادل نحو 2 بالمائة من الإنتاج العالمي، اعتبارا من بداية تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، حيث قال بايدن في أول رد فعل له على ذلك إنه “مخيب”. وأضاف أن القرار يشير إلى أن هناك “مشاكل”، في إشارة منه إلى السعودية الحليف التاريخي للولايات المتحدة وأهم عضو في مجموعة “أوبك بلس”.
ونقلت فضائية “سي إن إن” الأمريكية عن مصادر في وزارة المالية الأمريكية دون الكشف عن هويتها، أن خفض انتاج النفط “عمل عدواني”. وانتقدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، “تحالف” أوبك بلس مع روسيا. ووصف السيناتور، تشاك شومر، رئيس كتلة الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ قرار المجموعة بأنه “تهكم”.
ازدراء الرئيس!
هذا وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن، قد زار السعودية في شهر يوليو/ تموز الماضي، والتقى بولي العهد محمد بن سلمان، الذي كان قد تم نبذه عالميا، حتى من بايدن نفسه، بعد مقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في إسطنبول. وقد تم انتقاد بايدن بشدة في بلاده بسبب تلك الزيارة إلى بلد لا يتوقف عن انتهاك حقوق الإنسان. ولكن الزيارة كانت مهمة جدا بالنسبة لبايدن حيث هناك انتخابات الكونغرس النصفية الشهر القادم، في خضم أزمة الطاقة التي سببتها حرب أوكرانيا والمواجهة مع روسيا في مجال سياسة الطاقة؛ إذ كان بايدن يأمل أن تساهم زيارته للسعودية في إقناعها بزيادة انتاجها من النفط. ولكن مع قرار أوبك بلس حصل بايدن بالضبط على عكس ما كان يريده. فقرار خفض انتاج النفط في الظرف الحالي، لا يمكن للرئيس الأمريكي فهمه سوى أنه ازدراء له. في حين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يمول حربه في أوكرانيا من عائدات النفط أيضا، سيرى القرار دعما فعليا له من السعودية ودول الخليج الأخرى.
والآن، قبل نحو أربعة أسابيع من الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، تصعد أسعار النفط أكثر مدفوعة بقرار خفض الإنتاج. وهذا يمكن أن يؤثر بدوره كثيرا على فرص نجاح حزب الرئيس بايدن الديمقراطي في هذ الانتخابات. وهناك شكوك في واشنطن بأن السعودية، التي كانت من الشركاء المفضلين في السياسة الخارجية للرئيس السابق دونالد ترامب، يمكن أنها تسعى من خلال سياستها النفطية إلى نجاح الحزب الجمهوري في هذه الانتخابات.
يعتقد مراقبون أن قرار السعودية بخفض انتاجها النفطي صفعة وازدراء للرئيس الأمريكي جو بايدن
تحول جيوسياسي؟
كما أن سياسة أوبك هي مصدر إزعاج لبايدن فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. حيث أن قرار خفض الإنتاج يقلل من تأثير العقوبات الغربية على موسكو مثل مقاطعة النفط الروسي، التي فرضها الاتحاد الأوروبي في شهر يونيو/ حزيران الماضي. فقرار أوبك بلس بخفض الإنتاج، يمكن أن يأتي لروسيا بعائدات أكبر نظرا لارتفاع أسعار النفط المتوقع بعد القرار، بدل أن تخسر جزءا من عائداتها نتيجة المقاطعة الأوروبية.
المحلل السياسي وخبير شؤون الشرق الأوسط، جورج لينتش، الأستاذ في جامعة واشنطن، كتب في مدونته: أصبح من الواضح الآن أن “السعودية قررت الوقوف على الجانب الآخر من الخط الفاصل الذي تعتبره واشنطن الأهم في السياسة الدولية”. ويقصد بذلك الجبهة التي تقف على أحد طرفيها روسيا وعلى الطرف الآخر أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون. وقد تجنبت السعودية ودول الخليج حتى الآن التكاتف مع الغرب ولم تشارك في العقوبات الغربية المفروضة على روسيا.
وفي الحقيقة يمكن أن تكون السعودية الآن قد أنجزت “تحولا جيوسياسيا”، حسب ما جاء في تغريدة على تويتر للباحثة السياسية، أولريكه فرانكه، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
وفي حوار مع DW، عبر عن ذلك بحذر أكثر بلال صعب، مدير برنامج الأمن والدفاع بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، مؤكدا على أن روسيا ستحصل الآن على عائدات أكبر من تصدير النفط وقال “هذا بالتأكيد لن يساهم في كبح المجهود الحربي الروسي ضد أوكرانيا”.
بعد قرار خفض الانتاج سترتفع أسعار النفط وستحصل روسيا على عائدات أكبر من خلال صادراتها النفطية وستواصل تمويل حربها في أوكرانيا
السعودية تبرر موقفها
بدورها حاولت السعودية التقليل من شأن القرار وتبريره في إطار السياسة الاقتصادية. وصرح وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير لقناة فوكس نيوز الأمريكية بأن “النفط ليس سلاحا أوطائرة حربية ولا دبابة يمكن إطلاق النار بها”. كما دافعت صحيفة الشرق الأوسط المقربة من السعودية عن موقف المملكة، بأن دول أوبك بلس اتخذت القرار بدوافع اقتصادية بحتة. وأيضا الباحث السياسي، بلال صعب، يشير إلى أن السعودية ربما أرادت أن توجه رسالة سياسية لواشنطن، ولكنها تتبع مصالحها الاقتصادية قبل كل شيء. ومن أجل مشاريعها الاقتصادية والاجتماعية التحديثية واستقرارها العام، ستبقى السعودية معتمدة على مبيعاتها النفطية المربحة.
التباعد السعودي الأمريكي
في الحقيقةمنذ مدة طويلة هناك تباعد بين واشنطن والرياض، حيث تشعر المملكة بعد الهجمات الإيرانية على منشآتها النفطية، أن أمريكا قد تخلت عنها. والشعور السائد في الرياض هو أن قوة الحماية القديمة، لم تعد تقف إلى جانب المملكة. في الجانب الآخر سبب مقتل خاشقجي، الذي يعتقد أن ولي العهد السعودي قد لعب دورا مهما فيه، إزعاجا كبيرا في واشنطن. كذلك عدم مراعاة المدنيين في العمليات العسكرية للسعودية في اليمن، يجعل الرياض شريكا إشكاليا بالنسبة لواشنطن. كما أن هناك تبايناً أيضا في موقف السعودية وأمريكا، فيما يتعلق ببرنامج التسلح الإيراني، ففي حين تعول واشنطن على المفاوضات مع إيران، ترى السعودية أن الاتفاق النووي لعام 2015، لا يقدم ضمانات كافية بعدم حصول إيران على السلاح النووي. مع العلم أن السعودية أيضا تعول على الحل الدبلوماسي.
وهكذا ازداد تباعد البلدين عن بعضهما البعض خلال السنوات الماضية، ولم تعد العلاقة قوية كما كانت على مدى عقود مضت. ويرى بلال صعب أن التباعد السياسي جعل اتخاذ السعودية قرار خفض انتاج النفط، ضد طلب ومصالح أمريكا، أسهل بالنسبة إليها، ويقول صعب: “من المشكوك فيه، فيما إذا كان هذا القرار سيتخذ، لو كان الحوار بين الأمريكان والسعوديين في الفترة الأخيرة بناءً أكثر”.
بعد الهجمات على منشآت النفط السعودية يسود شعور في المملكة أن واشنطن قد تخلت عنها
هل ستكون هناك عواقب؟
على المدى الطويل يمكن أن ينعكس قرار أوبك بلس على العلاقات العسكرية أيضا بين واشنطن والرياض، يقول صعب. وصحيح أن العلاقات بين جيشي البلدين لا تزال قوية، لكن بدون أجواء سياسية أفضل لا يمكن تطويرها “فالمسار العسكري لا يستطيع أن يتحمل بمفرده (أعباء) هذه العلاقة”.
ولكن هناك مشروعون أمريكيون مثل السيناتور الديمقراطي المعروف كريس مورفي، يثيرون التساؤل حول هذه العلاقات العسكرية أيضا، بقوله في تغريدة على تويتر: “لقد اعتقدت أنه بالرغم من انتهاكاتها لحقوق الإنسان وحربها العبثية في اليمن وعملها ضد المصالح الأمريكية في ليبيا والسودان إلخ.. فإن الغرض من بيع السلاح لدول الخليج هو أن تلك الدول ربما ستظهر خلال (اندلاع) أزمة دولية أنها تفضل أمريكا على روسيا أو الصين”.
بلال صعب يعتقد بدوره أن الرياض لا تزال تطمح لتحسين علاقاتها مع واشنطن، ولكن بعد انتهاء عهد بايدن وفوز محتمل للجمهوريين!
كيرستن كنيب/ عارف جابو