يقدّم ’’مركز الفنون المتعدد الثقافات‘‘ (MAI) في مدينة مونتريال لغاية الحادي والعشرين من شهر تشرين الأول / أكتوبر الحالي معرضا بعنوان ’’التحرك في فلسطين‘‘، يتزامن مع إصدار كتاب يحمل العنوان ذاته (Driving in Palestine)، بتمويل من مجلس الفنون الكندي الفدرالي.
تستخدم الفنانة الكندية الفلسطينية رحاب نزّال في معرضها عدة وسائط، وتجمع بين التصوير الفوتوغرافي والفيديو والصور المطبوعة والمؤثرات الصوتية.
لعل ’’التحرك في فلسطين‘‘ هو ’’نقمة مستمرة كما يريدها المحتل الإسرائيلي، الذي ينغصّ حياة كلّ فلسطيني ويجعلها عذابا يوميا، كل فلسطينيي الضفة الغربية ممنوعون من دخول القدس العربية وكل المناطق الاخرى التي احتلت في الـ 67، يمنع أهل غزة من دخول الضفة والعكس صحيح…الهدف هو تقطيع أوصال الفلسطينيين وتقطيع الأرض‘‘ تقول عزّال في توصيفها السبّاق عبر أدواتها الرقمية.
يشكل المعرض الحالي عُصَارَة عشر سنوات من حياة محفوفة بالمخاطر إلى حدّ المجازفة بالعمر. فعندما كانت تضغط على عدسة كاميرتها لتصوّر ممارسات الـ ’’الدولة الاستعمارية الاستيطانيّة القائمة على العنف والتطهير العرقي والتعذيب‘‘، على حدّ تعبير نزّال، أصابها رصاص قنّاص في رجلها ’’كبادرة تهديد لها ليس إلا‘‘.
اقتحمت عزّال أماكن محظورة لتوّثق وتصور خلسة وسرا ضيق فسحة الحرية والحبس المفتوح الذي يعيش ضمن جدرانه ’’شعب أصلاني من أبسط حقوقه العيش بكرامة على أرضه‘‘ تقول الفنانة التي تعيش في مدينة تورونتو في مقاطعة أونتاريو.
الهجرة إلى كندا قسرا لا خيارا
هاجرت نزّال إلى كندا في مطلع التسعينيات من القرن الماضي ’’قسرا لا خيارا هاجرت مع عائلتي إلى كندا أرض الفُرص والإمكانيات‘‘. فبعد دراستها الثانوية في مسقط رأسها جنين شمال الضفة الغربية والتي تشرف عليها السلطة الوطنية الفلسطينية، حصلت عزّال على منحة دراسية والتحقت بجامعة دمشق. وقد منعها فيما بعد الإسرائيليون من العودة إلى جنين ’’سيما وأنني أنحدر من عائلة مناضلة بامتياز، والدي من ثوار العام 1936 ضد الاستعمار البريطاني أنشأنا بالكرامة والعزة والثقة والإيمان بحقنا، وأخي مناضل اغتيل على يد الموساد (الاستخبارات الإسرائيلية) في أوروبا وزوجي لاجىء من طبريا‘‘.
أنا فلسطينية أصلانية أملك حق العودة إلى بيتي وأرضي ووطني الذي أنا جزءٌ منه، من ترابه، زيتونه، برتقاله[…] الصمود الفلسطيني أسطورة بذاتها وليس للمستعمر صلة بأرضي ولن يفهم لغتها والعلاقة المتميزة معها… عندما يقتلع المستوطن الإسرائيلي شجرة زيتون عمرها آلاف السنين فهو ليس إنسان وإنما مجرم.
نقلا عن رحاب نزّال، فنانة متعددة الوسائط
تضيف نزّال: ’’كلما أمعن المحتل في غطرسته كلّما زادت لحمة الفلسطينيين فيما بينهم، فعلى الرغم من الفقر والحصار والبطالة التي تصل نسبتها إلى 60% في غزة، هناك قيم اجتماعية وإنسانية لا توجد في مكان آخر في العالم‘‘. ’’وسط كل هذه المعاناة، تتابع نزّال، سيّان عندي أن أضع على كتفي نعشي دفاعا عن حقّنا في العيش بكرامة مثل باقي البشر‘‘.
طائرات الدرون (الزنانات) تحلّق في أرجاء المعرض
ما أن تطأ قدماك صالة المعرض حتى يصرعك صوت مزعج تستدرك لاحقا مصدره وغايته. يرافقك هذا الضجيج القوي في تجوالك في الأرجاء وتضيق ذرعا بما تتعرض له من انزعاج يُصدّع رأسك ويقلب مزاجك ويمزّق أذنيك.
’’إنه جزء بسيط مما تشهده أجواء الأراضي الفلسطينية في كل آن بتحليق طائرات الدرون الإسرائيلية في سمائها وأنا قللت كثيرا من أصوات الزنانة المزعجة التي تقلق راحة العجوز والطالب والمريض والطفل، إن قوة صوت الدرون هناك أقوى بأضعاف ما أنقله لكم في معرضي[…]. الزنّانة تشكل عامل تعذيب لأهل غزة في شكل خاص التي زرتها مرتين على امتداد سنتين، لشهر كامل في كل مرة. تحلّق طائرة التجسس من دون طيّار على علو منخفض في شكل خاص في غزة بعكس مناطق أخرى فيها مستوطنون إسرائيليون مثل جنين وبيت لحم ونابلس، حيث يكون صوت الدرون أقل إزعاجا حرصا على آذان المستوطنين الإسرائيليين‘‘.
ربما كان صوت تحليق طائرات الدرون أكثر إيلاما من الوجع الذي انتابني بعد إصابتي برصاص القناص الإسرائيلي، إذ أفاق فيَّ ما عشته في حرب الـ 67 عندما كنت صغيرة.
نقلا عن رحاب نزّال، فنانة متعددة الوسائط
يضم المعرض أيضا نحو ستين صورة فوتوغرافية لأبراج مراقبة إسرائيلية من أصل المئات من هذه الأبراج في الضفة الغربية وحدها، كما تقول نزّال. وقد التقطت بعدستها هذه المراكز العسكرية وغيرها من نقاط التفتيش على مداخل المدن والقرى في الضفة باحترافية عالية. خصوصا أنها كانت تختلس تلك اللقطات بلمح البصر لكي لا يلاحظ الجنود الإسرائيليون وجودها، معرضةً حياتها وحياة سائق السيارة بجانبها للخطر.
توجيهي عدسة كاميرتي على المستعمر هو قلب لمعادلة أنّ المستعمر هو الّذي يمتلك القدرة على توجيه عدسات مراقبته التجسّسيّية علينا.
تنعي نزّال تقييد حركتها بسبب جدران الاسمنت والأسلاك الحديدية المنتشرة في الضفة الغربية وهي بالكاد استطاعت التجوال في أجزاء منها فحسب.
تنقلب مسيرة رحاب نزّال الفنية رأسا على عقب بعد الزيارة الأولى التي قامت بها إلى فلسطين بعد غياب استمر عقدين من الزمن، وتتمكن اعتبارا من العام 2005 من أدوات العصر الرقمي مستغلة قدرة هذه الأخيرة على إيصال الحقائق أكثر بكثير من الرسم بالريشة والألوان. تقول: ’’الرسم الذي كنت أمارسه في بداية مشواري ويفرح به الناس ويعلقونه على جدرانهم، كان ذاتيا وخياليا، أما الصورة الفوتوغرافية والفيديوهات في معرضي اليوم، فلا أحد يستطيع أن يجادل بأنها غير واقعية أو غير موجودة لأنها موجودة بالفعل… لعل أهمية وسائط العصر الرقمي تكمن في قدرتها على تحويل المعرفة المجردة إلى معرفة حسيّة ملموسة‘‘.
المطلوب الأفعال وليس الانفعال
عن فائدة ومغزى ما تقدمه من فن في الدفاع عن القضية الفلسطينية تجيب نزّال ’’إنني أجلب المعرفة والوعي وأفضح الصمت والتزوير والتشويه عندما أقدم الحقائق وأطلب من خلال ذلك ليس التفاعل وإنما الفعل من كافة المتلقين وعلى كافة المستويات‘‘.
تؤمن نزّال بأن الفن بكل أشكاله ينبع من التجربة وبأنّ الشعب الفلسطيني لا يصطنع تلك التجربة الحقيقية، وبرأيها أن الفن والثقافة يجب أن يخدما القضية الفلسطينية.
قد يستطيع المستعمر الإسرائيلي حبسي أو قتلي ولكنه لن يستطيع أبدا منعي من الدخول إلى فلسطين…قد ينجحون في منعي من دخول القدس ولكنني سأجد حيلة لدخولها على الرغم من قوانينهم وأذيتهم وقهرهم.“