حملت ميشلين يوسف تجربتها في ابتكار لعبة أطلقت عليها اسم ’’شام‘‘ قبل أكثر من خمس سنوات إلى دبي مؤخرا، حيث شاركت في مؤتمر نظمته ’’مؤسسة دبي لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة‘‘.
تحمل ’’شام‘‘ ملامح الطفل السوري اللاجئ في كندا وتشارك في رواية معاناته ومتطلباته، وترسم أحلامه وطموحاته.
كان ميلاد اللعبة شام قبل خمس سنوات في مدينة شيربروك الكيبيكية، على مسافة ساعة ونصف بالسيارة إلى الشرق من مونتريال، لكسر جدار الصمت في حياة الأطفال السوريين اللاجئين بعدما انتقلوا للعيش في أجواء الأمن والسلام التي وفرتها لهم كندا.
أحبت اللاجئة السورية الشابة ميشلين يوسف أن تشارك مجتمعها الكندي الجديد بقصتها وقصص جميع الأطفال من اللاجئين السوريين. هؤلاء انسلخوا عن مجتمعهم الأم، ووجدوا أنفسهم في بقعة أرض جديدة من دون أن يفهموا كثيرا كل ما يجري حولهم. ’’فكيف لطفل أن يعي ويدرك كل المتغيرات حوله وأسباب الحرب وتركه لعالمه ومحيطه والانتماء إلى عالم جديد لا يشبه بشيء عالمه القديم؟‘‘
تضيف ميشلين يوسف بأنه كان لا بد من ’’خلق شام لأجل الصحة الذهنية والنفسية لأطفال سوريا، الذين فقدوا أحبة وأهلا ورفاقا وشردوا وعنفوا وعانوا ويلات الحرب‘‘.
بعد 5 سنوات في بلاد القيقب، حققت ’’شام‘‘ الاستقرار
لقد تركت شام محيطها والأجواء التي تربت عليها لتجد نفسها بين غرباء لا يعرفونها ولا تربطها بهم أي صلة، غريبة هي تحتاج إلى أن تُعرف بنفسها وتاريخها وحضارتها وثقافتها.
تعتبر ميشلين يوسف أنه قد لا يفهم الآخرون شام وغيرها من الأطفال اللاجئين، لأن الأطفال بطبيعتهم لا يحسنون التعبير عن أسرارهم ويؤثرون الصمت على الكلام.
كان على من ابتكرت ’’شام‘‘ أن تكسر جدار الصمت لدى طفلتها وتجعلها تفصح عن مكنونات صدرها ليفهم العالم معاناتها ويتعاطف معها. ليصار بعد ذلك إلى تحقيق المصالحة بين ’’شام‘‘ وماضيها وحاضرها على حد سواء. الأمر الذي سيجعلها فيما بعد تنطلق في الحياة على غرار كل طفل ينعم بالحرية والأمان والسلام.
بعد خمس سنوات في روزنامة عمرها في أرضها الجديدة، حققت شام الاستقرار وبدأت تنطق كلماتها الأولى: ’اسمي شام وأنا أحبكم، فهل أنتم تحبونني أيضا؟‘
نقلا عن ميشلين يوسف، مبتكرة اللعبة ’’شام‘‘
تؤكد المتحدثة أن كل طفل على هذه الأرض بحاجة إلى أن يكون محبوبا، وكلما زادت كمية الرعاية والاهتمام والدفء والحب في حياته كلما شعر بالارتياح النفسي ومضى قدما في الإقبال على الحياة بكل عزم وثقة وإرادة.
تسهب ميشلين يوسف في شرح الفكرة وراء ابتكار لعبتها: ’’يجب العمل على تحقيق التوازن النفسي لدى الطفل اللاجئ، أن نوصل له الفكرة بأن هناك من عانى مثله ولكنه استطاع أن يتخطى معاناته‘‘.
وتلفت المرأة الشابة إلى أنه يبدأ الأمر بتحقيق الحاجات الأساسية والضرورية في حياة هذا الطفل من أكل وشرب وملبس ودفء في كنف عائلة تحتويه وترعاه وتحميه وتشعره بالأمان وتعيد إليه الأمل بالحياة. وفيما بعد يجب المساهمة في تكوين شخصيته وترتيب مستقبله مع توفير كل السبل له للنمو والتطور.
في قلب كل طفل بحر من الأسرار، في مساعدتنا له للإفصاح عنها نمسك بيده إلى شاطئ الأمان […] نحقق لديه الراحة النفسية فيشتد عوده ويقبل على تحديات الحياة والاندماج في مجتمعه الجديد.
نقلا عن ميشلين يوسف، ترأس مشاريع في مجال المعلوماتية لدى المؤسسات التجارية في مونتريال
تأبى المتحدثة الكبر ويسكنها عهد الطفولة البعيد في بلدها الأم سوريا. وليست ’’شام‘‘ سوى تلك الطفلة التي نعمت بالدفء والحب وترعرعت وسط عبق الياسمين وغوطة دمشق الغناء بكثرة مياهها ونضرة أشجارها ووفرة ثمارها. كل ذلك الماضي الجميل ساهم في بلورة لعبة ليست ككل ’’اللعبات وتتفوق عليهن بعمقها الإنساني والروحاني‘‘. تتميز ’’شام‘‘ عن لعبة باربي مثلا بأنها ’’لا تهتم بشكل لباسها وتصفيف شعرها وتبرجها وزينتها بقدر ما تهتم بالرسالة الانسانية التي تريد أن توصلها إلى العالم عن أطفال سوريا ومعاناتهم‘‘.
تقص المتحدثة بأن إحدى الأمهات نقلت فرح طفلتها عندما أهدوا إليها اللعبة الدمشقية. قالت لها والدة الطفلة التي انتقلت إلى العيش في كندا: ’’الضحكة غابت عن وجه طفلتي منذ وصولنا إلى كندا ، وقد ردّت ’شام‘ إليها الروح وضحكت عندما عانقتها واشتمت رائحة الياسمين والفل الدمشقي في شعرها‘‘.
تُثمن يوسف تعاطف المجتمع الكندي مع قصة ’’شام‘‘ ومساهمته في جمع 70% من إجمالي عشرة آلاف دولار احتاجها مشروعها ليبصر النور قبل 5 سنوات. وبتمويل من الحكومة الكندية يتم الإعداد لمسرحية تحكي قصة ’’شام‘‘ باللغة الفرنسية تقدم آجلا على المسارح الكندية.
ليس أجمل من العودة إلى براءة الطفولة عندما تعصف بنا هموم الحياة ومشاكلها ويشتد سوادها وظلمتها. يحلو لي اللجوء إلى عهد الطفولة في كل مرة تقسو فيها الحياة وتكون مؤلمة لأنه يعيد إلي ألوان الحياة الوردية.
نقلا عن ميشلين يوسف، مبتكرة اللعبة ’’شام‘‘
هكذا بدأت حكاية ’’شام‘‘
في العاصمة دمشق، وفي منطقة اسمها العدوي تحديدا، عشية حصولها على الإقامة الدائمة في كندا، كانت ميشلين يوسف وراء مقود السيارة عائدة من عملها عندما قطعت طريقها طفلة متسولة. ’’قامةٌ هزيلة وصغيرة جدا تستجدي عطفا وحنانا قبل أي شيء آخر‘‘. كانت تهم يوسف بإعطاء النقود إلى الطفلة عندما فجأة وجدتها لا تريد نقودا ولا أي شيء آخر، وقد شخصت عيناها إلى لعبة على المقعد الخلفي في السيارة. وقف الزمان عند هذه الطفلة ولم يعد يعني لها من هذا العالم شيء آخر سوى الحصول على ما يرغبه قلبها، مثل كل طفل في سنها لا يستهويه سوى اللعب والمرح.
شعرت للحظة أنني عاجزة أمام هذه الطفلة البريئة، تساءلت في نفسي: ماذا يمكن لي أن أفعل من أجل أن أسعدها وأفرّح قلبها؟
نقلا عن ميشلين يوسف، التي ابتكرت لعبة ’’شام‘‘ الطفلة اللاجئة
ترسخت هذه الحادثة في ذهن المتحدثة وعادت إلى الواجهة عندما طُلب منها في كندا أن تقدم مشروعا يمثلها ويحكي تجربتها. وهكذا ولدت ’’شام‘‘ ولقيت كل العطف والحنان والرعاية من أبناء المجتمع الكندي ’’في الوقت الذي قيل لها فيه: لن تستطيعي تحقيق مشروعك لأنك لا تملكين الخبرة في المجتمع الكندي‘‘. ولكن إيمانها بحكايتها وبضرورة أن تقصها على الملأ، جعلها تذهب قدما وتتحدى كل العوائق وتخلق البيئة الجيدة التي تحتاجها طفلتها ’’شام‘‘. هذه الأخيرة تضطلع بأدوار كثيرة في حياة الشابة ميشلين يوسف، وقد نشأت علاقة استثنائية بين الاثنتين، لتصير ميشلين شام وشام ميشلين وتتوحد مسيرتهما وأهدافهما مدى العمر.