م يبقَ في مدينة غزة سوى حوالي 1.000 مسيحي، يشكلون الغالبية الساحقة من مسيحيي قطاع غزة الفلسطيني، وعددهم مستمر في الانخفاض.
منذ بداية الحرب الحالية بين دولة إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية المسيطرة على قطاع غزة، اضطر مسيحيو مدينة غزة إلى اللجوء إلى الكنيستيْن الوحيدتيْن اللتين لا تزالان مفتوحتيْن في المدينة التي دمّر القصف الإسرائيلي نصف مبانيها في أقلّ من شهريْن.
ووجد قرابة 600 شخص مأوىً لهم في كنيسة العائلة المقدسة الكاثوليكية فيما آوت كنيسة القديس بورفيريوس الأرثوذكسية 400 آخرين.
بدأت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 تشرين الأول (أكتوبر) في أعقاب هجومٍ دامٍ شنته حركة حماس على جنوب إسرائيل أدى إلى مقتل قرابة 1.200 شخص، معظمهم من المدنيين.
ردّاً على هذا الهجوم، وعدت إسرائيل بـ’’القضاء على‘‘ حماس في قطاع غزة، فحاصرت القطاع بشكل كامل وقصفته بشدة وأطلقت عملية عسكرية برية فيه في 27 تشرين الأول (أكتوبر)، ما تسبب بمقتل أكثر من 15.000 شخص، من بينهم ما يقلّ عن 6.150 طفل وشخص دون سنّ الـ18، حسب وزارة الصحة في حكومة حماس.
واختطف مقاتلو الحركة الإسلاموية الفلسطينية في هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) حوالي 240 شخصاً أخذوهم معهم كرهائن إلى قطاع غزة. وتم إطلاق سراح العشرات منهم منذ 24 تشرين الثاني (نوفمبر) في عملية تبادل للأسرى مع إسرائيل.
وفي كنيسة القديس بورفيريوس الأثرية قُتل في 19 تشرين الأول (أكتوبر) 18 شخصاً، كانوا قد لجأوا إليها، جراء غارة إسرائيلية استهدفت مبنىً ملحَقاً تابعاً للدير الذي يحمل الاسم نفسه، وهو أحد أقدم الأديرة المسيحية في العالم.
إبراهيم عمّاش لجأ إلى كنيسة القديس بورفيريوس مع حوالي 20 شخصاً من أقاربه في بداية الحرب. ويؤكّد هذا المهندس الزراعي البالغ من العمر 46 عاماً إنّ قطاع غزة ’’لم يشهد مطلقاً دماراً بهذا الحجم من قبل‘‘.
وقطاع غزة، الواقع بين إسرائيل ومصر والبحر الأبيض المتوسط والذي تبلغ مساحته 365 كيلومتراً مربعاً ويعيش فيه نحو 2,4 مليون فلسطيني، شهد ستة حروب منذ الفوز الانتخابي لحماس في عام 2006 وسيطرتها العسكرية عليه في العام التالي.
وفي منتصف تشرين الأول (أكتوبر) فرّ آلاف الفلسطينيين من مدينة غزة، آملين في العثور على ملجأ لهم في جنوب القطاع بعد نداء الإخلاء الذي أطلقه الجيش الإسرائيلي. مع ذلك قرر عمّاش، مثل مئات المسيحيين الآخرين في مدينة غزة، البقاء في مدينته بغضّ النظر عن المخاطر.
’’لا يوجد مكان آمن في قطاع غزة بأكمله‘‘، قال عمّاش في مقابلة هاتفية مع راديو كندا، ’’الوضع ليس أكثر أماناً في الجنوب‘‘.
هذه هي أصعب حرب واجهتها على الإطلاق. لا أعرف ماذا أقول، هناك قتلى في كلّ مكان. فقدتُ العديد من أفراد عائلتي، أبناء عمومتي وأطفالهم.
نقلا عن ابراهيم عمّاش، فلسطيني مسيحي من سكان مدينة غزة
وصوت عمّاش متقطع، فالاتصالات عبر الهاتف والإنترنت بقطاع غزة أصبحت صعبة منذ بداية الحرب الحالية.
وأوضح عمّاش أنه منذ دخول الهدنة حيز التنفيذ يوم الجمعة الفائت، في 24 تشرين الثاني (نوفمبر)، ’’نشعر ببصيصٍ من الأمل‘‘.
وهو قال هذا الكلام قبل استئناف المعارك صباح اليوم بعد هدنة إنسانية استمرت سبعة أيام.
ويقضي المسيحيون اللاجئون في كنيسة القديس بورفيريوس ’’كل أيامهم معاً‘‘.
’’نعيش معاً ونطبخ معاً ونأكل معاً… لكن عدا عن ذلك ليس هناك الكثير الذي يمكننا القيام به‘‘، أضاف عمّاش.
والمسيحيون، الذين يمثلون أقلّ من 0,05% من سكان قطاع غزة، هم في معظمهم من طائفة الروم الأرثوذكس.
ومع اقتراب عيد ميلاد السيد المسيح، قلوب مسيحيي غزة وسائر فلسطين هي أبعد ما تكون عن أجواء العيد، قال عمّاش.
’’حتى لو توقف القصف، لن نحتفل، سنصلي فقط‘‘، أكّد عمّاش لراديو كندا.
نصلي من أجل نهاية الحرب، من أجل السلام، حتى يتمكن الناس من العودة إلى ديارهم.
نقلا عن ابراهيم عمّاش، فلسطيني مسيحي من سكان مدينة غزة
خشية من نزوح مسيحي
على بعد حوالي 9000 كيلومتر، في مونتريال، تعيش ندى دبّاغ حالة قلق. تحمل هاتفها، الوسيلة الوحيدة للتواصل مع أفراد عائلتها الـ50 الذين لجأوا إلى كنيسة القديس بورفيريوس.
ومن بين هؤلاء، عمها، شقيق والدها، البالغ من العمر 75 عاماً والذي دُمّر منزله في غزة بشكل كامل.
’’الآن وقد شعر بأنه فقد كل شيء، فهو أيضاً يفكّر في الرحيل‘‘ كالكثيرين من الأقلية المسيحية الضئيلة في قطاع غزة، بحثاً عن مستقبل أفضل.
وهو الوحيد من بين أشقائه الذي لم يرغب مطلقاً في مغادرة غزة، كما أوضحت ندى دبّاغ، البالغة من العمر 42 عاماً، لراديو كندا.
وأضافت دبّاغ أنّ عمها يملك تأشيرة إقامة دائمة في كندا، لكنه رفض المغادرة حتى الآن لأنه لا يريد أن يترك وراءه ابنه وعائلة ابنه غير الحاصلين على تأشيرة دخول إلى كندا.
’’نحاول استقدامهم إلى كندا بكافة الوسائل الممكنة، لكنّ الأمر صعب للغاية‘‘، قالت دبّاغ، داعيةً حكومة جوستان ترودو في أوتاوا إلى وضع برنامج لتسهيل قدوم لاجئين فلسطينيين يريدون الهرب من الحرب.
وخلال 20 عاماً انخفض عدد المسيحيين في قطاع غزة، الذي تحاصره إسرائيل منذ عام 2007، بنسبة 80% تقريباً، وفقاً لعدة تقديرات.
ونزوح الفلسطينيين المسيحيين من قطاع غزة، وسائر فلسطين، هو أكثر ما يخشاه رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس، المطران عطالله حنّا.
وفي اتصال هاتفي مع راديو كندا أوضح المطران الفلسطيني أنّ مسيحيي غزة ’’يعانون من المشاكل نفسها‘‘ التي يعاني منها مواطنوهم المسلمون.
’’لا فرق بين المسيحيين والمسلمين هنا، نحن جميعاً فلسطينيون وجذورنا راسخة في هذه الأرض منذ قرون‘‘، قال المطران عطالله حنّا.
المسيحيون جزء لا يتجزأ من فلسطين. قد نكون قليلي العدد، لكننا لسنا أقلية ونرفض بأن نعامَل كأقلية في أرضنا.
نقلا عن المطران عطالله حنّا، رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس
’’في فلسطين، يعيش المسيحيون والمسلمون معاً في وئام منذ قرون. نحن ننبذ العنصرية ومن يستغل الدين لأغراض سياسية، سواءً كان مسيحياً أو مسلماً أو يهودياً‘‘، أكّد المطران حنّا.
ومع اقتراب عيد الميلاد، دعا المطران الفلسطيني كنائس العالم أجمع ’’الصلاة من أجل فلسطين (…)، مهد المسيحية‘‘.
’’بدون عدالة وحرية لا يمكن أن يكون هناك سلام في المنطقة (…)، ويجب على كلّ شخص لديه ضمير أخلاقي ألّا يظل صامتاً في وجه انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في قطاع غزة‘‘، أضاف المطران حنّا مديناً القصف الإسرائيلي الذي استهدف المستشفيات والمدارس ودور العبادة.
كما حثّ المطرانُ الفلسطيني الحكومة الكندية على ’’لعب دور أكثر نشاطاً لوضع حدَ لهذه الحرب‘‘.
’’هذه هي أمنيتنا الأغلى، لأنّ المدنيين والأطفال هم الذين يدفعون الثمن. إنه أمر مأساوي، مؤلم ومحزن للغاية‘‘.
(نقلاً عن تقرير لرانيا مسعود منشور على موقع راديو كندا، ترجمة وإعداد فادي الهاروني)