تراهن الحكومة الكندية بشكل كبير على الهجرة لسد الفجوة في اقتصاد البلاد، والتي خلفها خروج المنتمين إلى ما يسمى بفترة “طفرة المواليد”، من القوى العاملة في البلاد بسبب التقدم في السن، ولكن على ما يبدو، لا يتشارك الجميع في كندا النظرة نفسها حيال استقدام عدد كبير من الأشخاص من الخارج.
والمقصود بالمنتمين إلى “طفرة المواليد” هم الأشخاص الذين ولدوا ما بين عامي 1946 و1964، وهي الفترة التي شهدت زيادة ملحوظة ومؤقتة في عدد المواليد في الدول التي تأثرت بالحرب العالمية الثانية.
يُذكر أنه في وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت الحكومة الفيدرالية في كندا عن خطة لاستقبال 500 ألف مهاجر سنويا خلال السنوات الثلاث حتى عام 2025 ، وهذا يعني أن 1.5 مليون مهاجر جديد تقريبا من المفترض أن يصلوا إلى البلاد خلال السنوات الثلاث المقبلة (أي بزيادة حوالي 25 في المئة عن عدد المهاجرين الوافدين إلى البلاد عام 2021.).
وبموجب هذه الخطة، فإن معدل الذين سترحب بهم كندا سنويا من المهاجرين، بالنسبة لعدد سكانها، سيكون نحو ثمانية أضعاف المعدل السنوي للحاصلين على الإقامة الدائمة في المملكة المتحدة، وأربعة أضعاف هذا المعدل في جارتها الجنوبية، الولايات المتحدة.
في المقابل، أظهر استطلاع للرأي أُجري مؤخرا في كندا، أن هناك قلقا كبيرًا بشأن استقبال هذه الأعداد الكبيرة من الوافدين الجدد.
وفي سياق متصل، حاولت الحكومة الكندية لسنوات عديدة جذب المقيمين الدائمين، أي المهاجرين المقيمين الذين لديهم الحق في البقاء في البلاد إلى أجل غير مسمى من دون أن يكونوا مواطنين، للحفاظ على حركة النمو السكاني وعجلة الاقتصاد. وخلال العام الماضي وحده، استقبلت البلاد 405 آلاف مقيم دائم، وهو أكبر عدد في تاريخها بأكمله.
ولا ننكر أن جزء من الأسباب التي تقف وراء هذا الموقف الكندي، تعود إلى عملية حسابية بسيطة. فعلى غرار العديد من الدول الغربية، لدى كندا شيخوخة سكانية مع ارتفاع نسبة كبار السن وانخفاض معدل المواليد الجدد. وهذا يعني أن الدولة إذا كانت تسعى إلى النمو بدلا من الانكماش، فعليها أن تستقبل مزيدا من المهاجرين.
وعمليا، يشكل المهاجرون مجمل النمو في القوى العاملة في البلاد حاليا، وبحلول عام 2032، من المتوقع أن يشكلوا مجمل النمو السكاني في البلاد أيضا، وفقا لبيانات حكومية كندية.
الجانب الآخر الذي يجعل كندا فريدة في العالم الغربي في مقاربتها لموضوع الهجرة هو تركيزها على الهجرة الاقتصادية، إذ أن نحو نصف المقيمين الدائمين في كندا يحصلون على الإقامة بسبب مهاراتهم، وليس بسبب قوانين لم الشمل.
وبحلول عام 2025، تأمل الحكومة في أن تصل هذه النسبة إلى 60 في المئة.
ويقول جيفري كاميرون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ماكماستر الكندية، إنه في حين تواجه العديد من الدول، كما هو الحال في كندا، معدلات مواليد منخفضة وشيخوخة سكانية، فإن نجاح أي نظام هجرة يعتمد في النهاية على الدعم الشعبي.
ويؤكد كاميرون على أن “العامل الذي يضع الحد بالنسبة لمعظم الدول هو الرأي العام”.
ويقول كاميرون إن هذا يرجع جزئيا إلى تصميم النظام الكندي المتعلق بقبول طلبات الهجرة. ففي الستينيات من القرن الماضي، تحولت كندا من نظام الحصص الذي تخصص فيه نسب مختلفة لكل دولة، إلى نظام قائم على النقاط يعطي الأفضلية للمهاجرين ذوي المهارات العالية الذين يمكنهم المساهمة بسهولة أكبر في الاقتصاد الكندي.
ويوضح كاميرون أن “مبادئ مماثلة هي التي توجه نظام الهجرة اليوم”.
ويعتبر هذا النهج استثنائيا وفريدا على الصعيد العالمي، وإن كانت أستراليا ونيوزيلندا تعتمدان أنظمة مماثلة.
من جهة أخرى، لا تقبل كندا أعدادا من المهاجرين وفق الشروط الاقتصادية أكثر من الدول الكبرى الأخرى فحسب، بل تعد أيضا واحدة من أفضل الدول بما يتعلق بإعادة توطين اللاجئين، وقد استقبلت 20428 لاجئا في عام 2021 وحده.
ولكن في حين حددت البلاد أهدافا طموحة للمستقبل، فقد أظهر الواقع أنها لا تحقق توقعاتها دائما. وفي عام 2021، كان هدف كندا هو إعادة توطين حوالي 59000 لاجئ، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما استقبلته البلاد فعليا.
وفي مقابلة صحفية، قال وزير الهجرة شون فريزر إن الفجوة بين الرقمين ترجع إلى حد كبير إلى إغلاق الحدود بسبب تفشي وباء كورونا سواء في كندا أو في دول كثيرة حول العالم.
وتأمل كندا أن تتمكن بحلول عام 2023 من المساعدة في إعادة توطين 76000 لاجئ.
#waterlootimes