مع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر المناخ في منتجع شرم الشيخ بمصر، يواصل مغردون ومدونون الحديث عن عمليات مكثفة لقطع الأشجار وإزالة للمساحات الخضراء في القاهرة ومدن أخرى. فما حقيقة ذلك؟ وما هو رد الجهات الحكومية؟
في الوقت الذي يقترب فيه موعد انعقاد مؤتمر الأطراف (COP27) للمناخفي شرم الشيخ المصرية، لا تتوقف عمليات قطع الأشجار وإزالة المساحات الخضراء في مناطق مختلفة من محافظات مصر، وخصوصاً في العاصمة القاهرة، كما يقول نشطاء.
وحتى لو كان قطع الأشجار بسبب التوسع العمراني تزايد عمليات انشاءات مختلفة كإقامة الطرق والكباري، وهي مشروعات ضرورية لفتح شرايين جديدة وخصوصاً في القاهرة شديدة التكدس والازدحام، إلا أن نشطاء في البيئة والعمران يرون أن الاضرار كبيرة ولا تعوض.
غضب على مواقع التواصل
على مواقع التواصل الاجتماعي انتشرت فيديوهات مختلفة لعمليات قطع أشجار عتيقة تعدى عمر بعضها 100 عام، ودُمرت حدائق ومساحات خضراء شاسعة، ليختفي اللون الأخضر بشكل متسارع ويحل محله مساحات من الأسمنت والطرق والكباري وأكشاك الوجبات السريعة ومقاهي ومحطات وقود.
من جانبهم، يحتج خبراء العمران بشدة على المسألة، إذ يرون أن ما يحدث يغير من الوجه الحضاري للمدن المصرية بزعم التطوير، لتتحول المناطق الخضراء إلى كتل أسمنتية وتفقد القاهرة وغيرها من المدن المصرية طابعها المميز.
ويتساءل الدكتور محمد أبو الغار، الطبيب والسياسي المصري المعروف، عن أسباب قطع الأشجار في مصر، مؤكداً أن الأمر انتقل من قطع الأشجار في الشوارع إلى قطعها داخل الحدائق التاريخية، وقال في تدوينة على فيسبوك: “الشعب المصري عايز يفهم إيه الحكاية، ما هو السبب، هناك أشياء كثيرة يقولون لنا ممنوع تسألوا عليها أو تتكلموا فيها، إنما حتي الشجر ممنوع نعرف ليه بتقطعوه؟”
ويقول أحمد الدروبي المدير الإقليمي للحملات في “غرين بيس” الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إن المساحات العامة والخضراء أمر ضروري “وتقريباً هي من حقوق الإنسان بالمفهوم الواسع، ليس فقط على المستوى البيئي من امتصاص لثاني أكسيد الكربون وخفض لدرجة الحرارة، وإنما أيضاً على المستوى الاجتماعي كأماكن لممارسة الأنشطة وتأثيرات ذلك على الصحة النفسية أيضاً”.
وأضاف الدروبي خلال حوار هاتفي مع DW عربية أنه حول العالم يوجد توجه في المدن التي قامت بإنشاء urban Highways أو الطرق السريعة داخل المدينة، يقوم على أن تتم الإزالة ثم الاستبدال بمساحات خضراء وعامة وتقوية شبكات المواصلات العامة، كما أن الاعتماد على السيارات الخاصة في الانتقال له أثار بيئية سلبية للغاية على المدن.
توضيح السلطات المصرية
وتعدد حجج السلطات، ومنها أن الأشجار تستهلك كميات كبيرة من المياه في الوقت الذي دخلت فيه مصر مرحلة الشح المائي، وأنه من الأولى استغلال تلك المناطق لعمل مشروعات استثمارية تدر دخلاً، إلى جانب مبرر ضرورة توسعة الطرق وإنشاء الكباري، وأيضاً أن الأشجار المقطوعة أو المخلوعة ستعاد زراعتها في مناطق أخرى، وهي النقطة التي سخر منها نشطاء وخبراء خاصة مع طريقة قطع الأشجار التي لا يمكن أن تستمر معها على قيد الحياة لاحقاً، كما يقولون.
كان الدكتور محمد عبد العاطي وزير الموارد المائية والري السابق قد أكد في تصريحات صحفية أن مصر والعديد من الدول العربية تُعد من أكثر دول العالم التي تُعانى من الشح المائي، ما جعل الدولة تقوم بوضع خطة لإدارة الموارد المائية حتي عام 2037 باستثمارات تتجاوز الـ 50 مليار دولار من المتوقع زيادتها إلى 100 مليار دولار، تهدف لتحسين نوعية المياه وتنمية موارد مائية جديدة وترشيد استخدام الموارد المتاحة حالياً وتهيئة البيئة الداعمة لقضايا المياه.
ياسمين فؤاد وزيرة البيئة السابقة قالت في تصريح لها مطلع العام الحالي إنها حزينة للغاية على قطع الأشجار لكن في الوقت نفسه فإن “هناك بعض الأشجار تم زراعتها في مناطق بالخطأ، وأن جذورها تسبب مشاكل مع الكابلات الكهربائية والمواسير تحت الأرض، وأن ما يحدث أن هناك إجراءات تحتاج الدولة لاتخاذها للتنمية في أماكن معينة وتحاول لاحقاً زرع أشجار أخرى في المكان نفسه الذي قطع فيه الأشجار القديمة”.
بدوره، نفى الدكتور على أبو سنة رئيس جهاز شؤون البيئة مسئولية الوزارة عن قطع الأشجار، مؤكداً أن هناك اتجاه لتعديل قانون البيئة وإصدار قانون لتجريم قطع الأشجار، بحسب ما ذكرت صحيفة المصري اليوم.
وقال: “لسنا المسؤولين عن قطع الأشجار، فليس من المعقول أن أستضيف مؤتمر المناخ cop27 وأنظم مبادرات “أتحضر للأخضر” و”ازرع شجرة” وزراعة مليون شجرة برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، ثم أقوم بقطع الأشجار. ومن يسأل عن قطعها المحافظات والمحليات، والوزارة تحركت على الفور واتخذت إجراءاتها بشأن قطع الأشجار في حديقة الميرلاند، ولا نسمح أبداً بقطع شجرة واحدة”.
وفي الإسكندرية التي تشتهر بحديقة أنطونيادس التي يرجع تاريخ إنشائها إلى الفترة البطلمية في مصر، وتعد واحدة من أقدم الحدائق التي أنشأها الإنسان على مستوى العالم، وتحفل بالأشجار شديدة الندرة، نشر مغردون صوراً وفيديوهات قالوا إنها توضح بدء عمليات إزالة الأشجار العتيقة وسط تعليقات غاضبة.
لكن محافظة الإسكندرية نفت الأمر وأكدت أنها بصدد تطوير الحديقة.
فيما أشار الوزير السابق والسياسي المصري منير فخري عبد النور إلى ضرورة تطوير الحديقة التاريخية وفق أسس علمية حتى لا يصيبها ما أصاب أماكن أخرى.
تغير مناخي وهواء ملوث
ويقول الدروبي الخبير بمنظمة غرين بيس إن ما يحدث من قطع للأشجار وإزالة للمساحات الخضراء في القاهرة ومدن أخرى بمصر “هي استراتيجية لا تتماشى مع ما هو معلن من جانب الحكومة المصرية للانتقال الأخضر، خاصة وأن التوسع في إضافة الأسفلت للطرق يؤدي لامتصاص وتخزين الحرارة ما يؤدي لرفع درجات حرارة المدن وزيادة الاعتماد على تكييفات الهواء”.
وتعاني القاهرة من تلوث هوائي شديد لأسباب عدة منها زيادة عدد السيارات الخاصة التي تسير في شوارع العاصمة والأنشطة الاقتصادية وعدم تجدد الهواء فوق العاصمة بشكل مناسب، ويزيد من تفاقم الأمر عمليات تجريف المساحات الخضراء وقطع الأشجار التي كان يمكن أن تخفف من آثار التلوث إلى حد بعيد وخصوصاً تقليل نسبة ثاني أكسد الكربون في الجو.
وبحسب البيانات الواردة في المؤشر العالمي الذي يقيس جودة الهواء في 6475 مدينة حول العالم، فإن القاهرة جاءت ضمن الدول الأعلى في معدلات التلوث، حيث احتلت المركز الـ 27 من بين 117 دولة على مؤشر تلوث الهواء خلال 2021، بحسب ما نشر موقع البوابة نيوز.
يقول الدروبي إن “هناك مشكلة جذرية وهي عدم تنسيق الاستراتيجيات في الجهات الحكومية المختلفة والعمل يسير من دون رؤية واسعة لقضايا البيئة والمناخ، وهذه مشكلة تاريخية في الدول النامية بوجه عام .. كان لدينا استراتيجية ضروري أن يكون هناك وعي ومعايير بيئية في كل مشروع يتم في مصر وللأسف هذا الأمر غائب لدى الكثير من الإدارات والمصالح الحكومية الأمر الذي نتج عنه إزالة مناطق خضراء وأشجار وحتى مباني تاريخية”.
ويضيف الدروبي قائلاً إن مؤتمر الأطراف الخاص بقضايا المناخ الذي تستضيفه مصر يأتي في وقت صعب للغاية خاصة مع أزمة أوكرانيا ومحاولات العودة لاستخدام الفحم نظراً لأزمة الغاز الطبيعي والاعتماد على الوقود الأحفوري، وتقوية هذه الصناعة وهي المشكلة التي يجب أن يواجهها المؤتمر، كما أنه يركز على الدول الإفريقية التي تطالب بما يسمى بالعدالة المناخية وهو ضرورة تحمل الدول التي سببت أزمة الانبعاثات من خلالها نشاطاتها المختلفة، المسؤولية تجاه التغير المناخي.
يذكر أنه في عام 2018 نشرت مجلة “فوربس” تصنيفًا جديدًا للمدن الأكثر تلوثًا في العالم، واحتلت القاهرة المرتبة الأولى من بين 10 مدن، من حيث تلوث الهواء والضوء والضوضاء، بحسب ما نشرت صحيفة الشروق، وهو التقرير الذي شككت فيه لاحقاً وزارة البيئة المصرية.
ويشير خبراء المناخ والبيئة إلى أن قطع الأشجار وتراجع المساحات الخضراء يعد أحد أسباب التغير المناخي من خلال تدني معدلات هطول الأمطار الأمر الذي يؤثر سلباً على الإنتاج الزراعي والمياه الجوفية.
ويقول الخبراء إن من الأسباب أيضاً زيادة قسوة موجات الحر مع تراجع المساحات الخضراء والظلال التي تشكلها الأشجار، ما يرفع من درجات الحرارة بشدة في المناطق التي تخلو من الأشجار، كما يؤدي قطع الأشجار إلى انخفاض الرطوبة الجوية ما يؤدي لطقس أكثر تطرفاً.
وعلى المستوى الصحي، يشير أطباء – وخصوصاً في أمراض الصدر – أن تلوث هواء القاهرة يعد أحد الأسباب الرئيسية في الإصابة بأمراض خطيرة كالسرطان وأمراض الجهاز التنفسي المختلفة والرمد وغيرها، وأن أكثر المتأثرين بهذا التلوث هم الأطفال.
وينص القانون المصري على معاقبة كل من يقوم بقطع الأشجار، كما أن قانون العقوبات يعاقب كل من قطع أو أتلف أشجاراً مغروسة في الأماكن والميادين العامة بالحبس أو بالغرامة، لكن وبحسب نشطاء فإن من يقوم بهذا الأمر هي الجهات الحكومية نفسها، متسائلين عمن يجب محاسبته في هذا الشأن.
ويقول خبراء البيئة والمناخ أن التطوير الحضري أمر مهم للغاية لكن لا يجب أن يأتي على حساب صحة الإنسان ويجب أن يراعي المعايير البيئية، وأن الأمر ليس ترفاً أو رفاهية.
محمود حسين