جازف نجم الأغنية الشعبية حكيم باختبار صبر من أتى لحضور حفلته في صالة الأولمبيا في وسط مونتريال الأحد الماضي. ولم يكن ليفعل الفنان المصري ذلك لولا ثقته الكبرى بأنه متربع على عرش قلوب عشاقه ممن واكبت أغنياته زهو شبابهم في بداية التسعينيات من القرن الماضي.
’’إنه جيل مخضرم بغالبيته ممن قطعوا التذاكر لحضور حفل النجم المصري الذي ناهز الستين من العمر‘‘، تقول مديرة ’’جوكر ميل برودكشن‘‘ (Jokermail Productions) نانسي بشارة.
الكراسي للجلوس ومشاهدة العرض كانت محدودة تلك الليلة في صالة الأولمبيا، ولكي يكون استيعاب الصالة بحده الأقصى، تمت إزالة كافة المقاعد في الطابق الأرضي.
أكدت منظمة الحفل نانسي بشارة أن عدد الحضور ناهز الـ 800 شخص، ولم يأبه أكثر من ثلاثة أرباع هذا العدد أن يظلوا واقفين طيلة العرض الذي استغرق نحو ثلاث ساعات.
بدأ القسم الأول من برنامج الحفل قرابة السابعة والنصف واستغرق نحو نصف ساعة أحياه الـ ’’دي جي تيتو‘‘ من مونتريال. ولن يصعد حكيم إلى خشبة المسرح إلا نحو التاسعة إلا ربعا ليستمر قرابة الساعة ونصف الساعة في الغناء. حتى أن الجمهور الذي تعب من الوقوف لم يصر على عودته من جديد إلى المسرح في نهاية الحفلة.
هذا واستمر قسم كبير من الجمهور واقفا في مكانه بانتظار أن يخرج حكيم ويلقي عليه التحية ويتصور معه. وبعدما تأخر خروج النجم لأكثر من نصف ساعة، همّ عدد كبير بالمغادرة. بإيعاز من الفريق الأمني التابع لصالة الأولمبيا، وقف من بقي وعددهم نحو ثلاثين شخصا، غالبيتهم من النساء، في الطابور مظهرين سوارا نيلي اللون خصص لمدعوي الشرف، الذين وحدهم يحق لهم لقاء النجم المخضرم.
كأن الزمن توقف بحكيم عند بداية المشوار عندما ملأت ألحان خليفة عدوية الدنيا وشغلت الشارع المصري والعربي برمته.
وقف عشاق حكيم في الطابور بكل صبر وطول أناة، تحت عيون عناصر الفريق الأمني الذين تصرفوا ببعض من التعنت والتصلب في إرشاداتهم وملاحظاتهم. كانت تقف في الطابور أيضا السيدة أميرة بولس صاحبة ’’محلات أميرة التجارية‘‘ في مونتريال، وتساهم هذه العلامة التجارية الكبرى في الدعم المالي للحفلة. ’’ليقف الجميع في الطابور واحدا واحدا بانتظام وهدوء‘‘ قال أحد رجال الأمن طالبا إظهار السوار، مكررا ضبط الطابور وإرساء النظام فيه[…] في محاولة لملء الوقت ريثما يخرج حكيم. وقد قيل للحضور ’’إن حكيم يغير ملابسه بسبب العرق الذي كان يتصبب منه‘‘. وتجدر الإشادة هنا بأداء ابن الستين حولا الذي لم يتعب من الدوران والحركة وتفعيل المشاركة بينه وبين جمهوره بكل ما أوتي من مواهب فنية. وسيخرج حكيم أخيرا للقاء جمهوره بعد نحو ساعة على انتهاء الحفل.
على صعيد آخر، برر كريم حمدي المشارك في تأسيس ’’جوكر ميل برودكشن‘‘ عدم قدرة حكيم على إعطاء الأحاديث الصحافية، بعدما كانت الصحافة حصلت على تعهد بذلك من منتجي الحفل بالتوافق مع حسين ’’مدير الفرقة الموسيقية‘‘، كما عرّف هو بنفسه، وبعدما طال انتظار القسم العربي لراديو كندا الدولي في سبيل الحصول على مقابلة موجزة مع ضيف مونتريال، قال كريم حمدي: ’’إن حكيم منهك جدا، فهو كان على المسرح في مدينة تورونتو البارحة، وغادر بعدها مباشرة إلى مونتريال على متن مركبة، في مشوار يستغرق أقله 7 ساعات. خلد إلى النوم في الأوتيل حتى ميعاد الحفل‘‘. ما زاد الطين بلّة، وصول مديرة أعمال النجم المصري نانسي ابراهيم لتقطع الشك باليقين، تقول ’’لقد دخل حكيم المقصورة وراء الكواليس وأغلق عليه الباب، وهو عندما يفعل ذلك لا نعود نجرؤ على طرق بابه مهما كان الأمر ملحا…‘‘
الصحافي عادل اسكندر: ’’حكيم حالة فنية قائمة بذاتها، وقد آثر البقاء في مسار الأغنية الشعبية، واتسمت أغنيته بأسلوب واحد‘‘.
تقول تيتما بخوشة التي تشارك في تنظيم مهرجان العالم العربي في مونتريال ’’لم نعهد في تاريخ مهرجاننا حوادث من هذا النوع‘‘، معربة عن استغرابها لتصرف فريق الأولمبيا الأمني، كما تساءلت المتحدثة عن السبب الذي يجعل فنانا كبيرا مثل حكيم يتأخر عن الصحافة. ’’سيما وأنه يقول بأنه يحترم جدا السلطة الرابعة. علما أن هذه الأخيرة ساهمت في الترويج لشهرته حتى هنا في كندا حيث حلّ أكثر من مرة ضيفا على مهرجان الجاز الدولي العريق في المدينة الكوسموبوليتية‘‘.
يُعقب رئيس جمعية الصداقة الكندية المصرية ورئيس تحرير مجلتي ’’المصري‘‘ و ’’المحروسة‘‘ الصادرتين باللغة العربية في مونتريال عادل اسكندر ’’بأن تصرف رجال الأمن لم يكن مقبولا وهو تفاجىء بتصرفهم هذا‘‘. يجد من يرأس ’’المهرجان المصري الكندي‘‘ العريق ’’أن العمر الفتي لشركة الإنتاج التي تنظم الحفل، قد يكون السبب وراء بعض الثغرات. وأكد المتحدث أنه في العادة يتم التوقيع على اتفاق بينه كجهة منظمة وبين الفنانين أو مدراء أعمالهم، تدرج فيه كل الشروط الواجب احترامها من قبل الطرفين. ’’نتفاهم على مسألة عقد الفنان لمؤتمر صحافي ومقابلة وسائل الإعلام كما نتفق أيضا على تخصيص الوقت لمصافحة المعجبين‘‘.
’’في بنود الاتفاق أيضا، يتابع عادل اسكندر، إجراء ’’ساوند تشيك‘‘ قبل موعد الحفلة مع أعضاء الفرقة الموسيقية، لكي يأتي الصوت جيدا لا يشوبه أي نشاز. كذلك نتفاوض مع القيمين على المسرح الكندي من أجل توفير العمل اللوجستي بكل سلاسة وليونة واحترام لجمهورنا‘‘. وشدد المتحدث على أنه ’’يجب إعطاء الوقت والفرصة لشركة الإنتاج الفتية الواعدة بشخص القيمَين عليها السيدة بشارة والسيد حمدي، وهما شخصان طموحان ويرغبان بتقديم الفن الجيد‘‘.
قد يكون صوت الآلات الموسيقية طغى على صوت حكيم في بعض الأحيان، وقد يكون صوت هذا الأخير تعب في نهاية الحفل. وقد يكون خرج المغني المفعم بالحماسة والنشاط عن النوتة عندما قرر أن يبعد الميكروفون عن فمه أو يغني ’’أكابيلا‘‘ من دون موسيقى ولا مذياع في صالة شاسعة جدا. وقد يكون أدبر عن عمد عن لقاء الصحافيين. ولكن حكيم كان هو ذاته الذي أحبه جمهوره منذ انطلاقته في بداية التسعينيات من القرن الماضي وحفظ عن ظهر قلب كلمات أغنياته التي تحاكي الشارع المصري بكافة شرائحه. غنى ضيف مونتريال في شكل خاص من ريبرتواره القديم مفتتحا ومختتما الحفل برائعته ’’السلام عليكم‘‘. وكم كان مشهد التفاعل والحماسة بينه وبين جمهوره جميلا حينما راحت أصوات الجمهور تردد كلمات أغانيه، وتتحد معه على المسرح بكل جوارحها وبانسياب تام. حكيم من جهته، استرسل في الدعابة و اللهو والمرح والأخذ والرد بخفة ظلّ ودلال.
أداء الفرقة الموسيقية التي أتت مع حكيم من القاهرة كان متميزا، وشهدنا جنونا في العزف على آلات الإيقاع في أجواء ألهبت الحماسة وطفق الحضور يصفق ويصرخ بأعلى صوته: ’’بُص شوف حكيم بيعمل إيه‘‘. كما تمايلت الخصور زهوا وفرحا وحتى من كان جالسا في الطابق العلوي وقف وترنح مع الأنغام الصاخبة.