قد لا يتوقع المتابع للشأن السوادني أن الحرب التي اندلعت قبل أيام في الخرطوم ومدن سودانية أخرى، أدت بآلاف الأميركيين لأن يكونوا عالقين ومحاصرين بعد أن انقطعت بهم السبل، خاصة بعد أن خرج مطار الخرطوم الدولي عن الخدمة، مع إيقاف الخدمات القنصلية الروتينية والطارئة للمواطنين الأميركيين إثر إغلاق واشنطن سفارتها بالخرطوم وإجلاء موظفيها.
وقدّرت الخارجية الأميركية عدد الأميركيين في السودان في الوقت الراهن بنحو 16 ألفا، غالبيتهم مزدوجو الجنسية، فيما أعرب وزير الخارجية أنتوني بلينكن -أمس الاثنين- عن اعتقاده أن الغالبية العظمى من المواطنين الأميركيين بالسودان من مزدوجي الجنسية الذين نشؤوا في السودان ولديهم عائلات وأعمال هناك، ولا يودون المغادرة.
واتساقا مع هذه التصريحات، أكد ناشطون سودانيون أميركيون للجزيرة نت أن سودانيي الولايات المتحدة لا يتمركزون في الخرطوم فقط، وأن هناك أعدادا كبيرة جدا جاءت من إقليم دارفور أثناء وعقب الحرب الأهلية هناك، فضلا عن الآلاف من أبناء مدن بورتسودان ونيالا ومدني ومدن أخرى.
وكانت الخارجية الأميركية قد كررت -خلال السنوات الماضية- تحذيراتها للمواطنين الأميركيين من مغبة السفر للسودان، حيث أدرجت واشنطن دوريا تحذيرات من السفر إلى السودان في إرشادات السفر خلال العقود الأخيرة.
وأكد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان -أمس الاثنين- أنه لا خطط الآن لنشر قوات حفظ سلام في السودان، مبينا أن لدى الولايات المتحدة خطة لحماية سفارتها بالخرطوم، مؤكدا بالقول إنه وبتوجيه من الرئيس بايدن “نعمل بنشاط على تسهيل مغادرة المواطنين الأميركيين الذين يريدون مغادرة السودان”.
ولا يُنتظر أن تبدأ عمليات إجلاء الرعايا الأميركيين من السودان في الوقت القريب، حيث قال وكيل وزارة الخارجية للشؤون الإدارية والسفير جون باس في إفادة صحفية “مع عدم توفر المطار المدني، لا نتوقع تنسيق إجلاء الحكومة الأميركية مواطنينا من السودان في هذا الوقت أو في الأيام المقبلة”.
من جانبها، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير إنه ليس من الطبيعي إجلاء المواطنين الأميركيين في الخارج، إلا أن الجيش الأميركي يقف على أهبة الاستعداد إذا ما طلب منه القيام بأي مهمة في هذا الشأن، وفق قولها.
في حين يؤكد كريس ماير مساعد وزير الدفاع للعمليات الخاصة والصراع المنخفض الحدة، أن البنتاغون يواصل العمل مع وزارة الخارجية لمساعدة المواطنين الأميركيين الذين قد يرغبون بمغادرة السودان، وتتمثل إحدى الطرق بجعل الممرات البرية للخروج من السودان أكثر قابلية للاستخدام.
وعن عدد الأميركيين الكبير بالسودان، لا تحتفظ وزارة الخارجية الأميركية -من ناحيتها- بإحصاءات رسمية للمواطنين الأميركيين في الدول الأجنبية، حيث لا يُطلب من الأميركيين التسجيل عند سفرهم إلى الخارج، غير أن مسؤولي وزارة الخارجية قدروا وجود نحو 16 ألف مواطن أميركي في السودان، معظمهم من مزدوجي الجنسية.
وفي حديث حصري للجزيرة نت، فسرت ناشطة أميركية سودانية -مفضلة عدم الكشف عن هويتها- ضخامة أعداد الأميركيين في هذا البلد، بالقول “من سوء الحظ أن اندلاع القتال تزامن مع موسم سفر الآلاف من السودانيين الأميركيين إلى السودان لقضاء إجازات عيد الفطر هناك، وهذا الموسم معروف كذلك بأنه موسم للزواج وعقد القران لكثير من السودانيين”.
وأضافت أنه خلال النصف الثاني من شهر رمضان، عادة ما يسافر آلاف السودانيين لأداء العمرة في الأراضي المقدسة بالسعودية، ومن ثم يقضون بعض الأيام التي يتخللها عيد الفطر في السودان في طريق عودتهم للولايات المتحدة، مؤكدة: “لسوء الحظ، هذه العوامل مجتمعة، أدت لضخامة أعداد الأميركيين السودانيين في هذا التوقيت”.
أشارت بيانات التعداد العام للسكان الذي أُجري عام 2020 إلى تصنيف أكثر من 597 ألف شخص أنفسهم باعتبارهم أميركيين من أصول سودانية، فيما أجمع عدد من ممثلي وناشطي الجالية الأميركية السودانية أن عدد السودانيين الأميركيين يقدّر بعدة أضعاف من هذا الرقم.
وعزى الناشطون ذلك إلى موجات هجرة واسعة وعديدة قدمت من السودان للولايات المتحدة بسبب الأوضاع السياسية المتردية منذ سيطرة الرئيس المعزول عمر البشير على السلطة في السودان قبل 4 عقود، أعقبتها موجات هجرة أخرى مع اشتعال صراع دارفور بين عامي 2003 و2010، ثم موجة هجرة ثالثة عقب الثورة السودانية التي أسقطت نظام حكم البشير عام 2019، بحسبهم.
فيما تحدث ناشط سوداني للجزيرة نت، قائلا: “يقدّر عدد الجالية السودانية بالولايات المتحدة بنحو ربع مليون شخص، خاصة إذا أضفنا الجنوبيين الذين بدأ توافدهم على الولايات المتحدة مبكرا قبل موجات الهجرة التي قام بها الشماليون بعد انقلاب الرئيس السابق البشير نهاية ثمانينيات القرن الماضي”، موضحا أن الجالية تشمل أغلبية من مزدوجي الجنسية، وآلافا ممن لديهم بطاقة الإقامة الدائمة (غرين كارد) وبضعة آلاف من الطلبة والزائرين.
وعن مناطق انتشار السودانيين بالولايات المتحدة، قال الناشط السوداني إن منطقة واشنطن الكبرى (العاصمة وضواحيها) في شمال ولاية فيرجينيا وغرب ولاية ميريلاند تعد المعقل الرئيس لسوداني أميركا، في الوقت الذي تشهد فيه مدن أخرى تواجدا سودانيا ضخما في منطقة نيويورك ومدن فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا، وولاية كارولينا الشمالية، إضافة لتكساس وكاليفورنيا.
ولا يجمع أي تنظيم مؤسسي ضخم الجالية السودانية التي تشتهر بتجمعات مهنية وقبائلية ومناطقية كثيرا مما تتقاطع فيما بينها، إذ إن هناك تجمعات مميزة للأطباء السودانيين بالولايات المتحدة، ويظهر دورها في التمويل والإشراف على عدد من المستشفيات داخل السودان.
وعلى الرغم من أن الجالية السودانية تعكس فسيفساء الحياة السياسية السودانية بكل أطيافها الأيديولوجية، فإنها نجحت بصورة كبيرة في الأعمال الإنسانية والإغاثية التي يحتاجها الشعب السوداني، حيث دائما ما توحد دعوات المساعدة الإنسانية السودانيين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو اختلافاتهم الفكرية.