قبل عصر حافل بالبوتوكس والفيلر والجمال الصناعي، ظهرت الممثلة المصرية شيرين سيف النصر في توقيت استثنائي، تحديداً في عام 1990، شابة حديثة التخرج، في كلية الحقوق، تنتمي إلى عائلة ميسورة، وتملك قدراً كبيراً من الجمال، أهّلها لدخول عالم الفن دون سعي يذكر منها، لكن عدداً من الصدف قادت الفتاة الجميلة لأن تتحول إلى “حلم” الشباب المصري، في تلك المرحلة، من نهاية الثمانينيات، وبداية التسعينيات، ليس لأنها جميلة فقط، فالجميلات وقتها، كن كثيرات، ولكن لسبب أساسي آخر، أو بالأحرى “سر” و”وعد” حملته شيرين لكل من شاهد أعمالها في تلك الحقبة، فما هو؟
“سر” الصعيدية ذات العيون الخضراء
الفتاة التي ولدت لأب صعيدي، وأم فلسطينية، كانت تملك ملامح أوروبية، لفتت إليها الأنظار، لذا لم تكد تصل إلى عام التخرج بكلية الحقوق، حتى طاردها الفن، وكانت البداية غريبة للغاية، حيث التقاها الفنان يوسف فرانسيس أثناء وجودها في فرنسا، ليعرض عليها التمثيل، وقد كان، لتبدأ مسيرة كثيفة للغاية، بالنسبة لشابة، تعمل لأول مرة في حياتها، هكذا انطلقت لتقدم أكثر من عمل في العام ذاته، وربما في الوقت ذاته، حتى جاءت كلمة السر التي حولتها من ممثلة عادية، جميلة، إلى “أيقونة” يسعى وراءها الشباب، ويبحثون عن مثيلتها، كان ذلك عقب ثلاث سنوات فقط من بدايتها، حين قدمت عملها الأشهر “من الذي لا يحب فاطمة” هنا، في هذا العمل تحديداً، يمكن قياس علاقة الجمهور بها، بما قبله وما بعده.
في هذا المسلسل الذي تم عرضه عام 1993 قدمت شيرين شخصية مارغريت، الشابة الجميلة التي تقع في حب مصري، فقير، وعادي، وبسيط، لكنها تساعده بكل ما تملك، وتغير دينها لأجله، بل وترضى بأن يعود إلى حب عمره تحت رعايتها، بمنتهى اللطف، والود، حتى إن اسمها صار فاطمة لأجله، تلك الشخصية بالذات، التي قدمتها لاحقاً بصور مختلفة، وبصيغ متنوعة، كانت كلمة السر في تعلق عام بها، فالفتاة المتمردة الغاضبة، المقاومة تقع أخيراً في حب الشاب الذي كانت تبغضه في المسلسل الكوميدي “اللص الذي أحبه” 1997، وهي ذاتها الفتاة ابنة الأكابر الجميلة جداً، التي تقع في حب سائق والديها، بل وتتزوجه في الفيلم الشهير “سواق الهانم“.
لهذا كله لم تكن شيرين سيف النصر مجرد ممثلة جميلة، تقدم أدواراً مميزة، ولكنها في الواقع كانت تمنح أملاً، لقطاع عريض من الشباب بالذات، أنه مهما كان وضعك، تعليمك، مظهرك، سوف تعثر في النهاية على فتاة جميلة جداً، تحبك، تتغير لأجلك، تتحول كلياً من النقيض إلى النقيض كي ترضيك، فتاة يمكن لأي شاب أن يعيد تشكيلها وتقويمها من جديد، فتتحول من المرفهة إلى “ست بيت”، و تصير “المتمردة” مجرد “طوع” بقليل من الضغط والمحاولات، وربما لهذا بالذات مثلت وفاتها، موت جزء من الذكريات، ولامست وتر الشباب في نفوس جمهورها الذي أحبها، واحتفظ بصورتها الندية منذ التسعينيات وحتى الآن.
أغرب أمر في حياة “شيرين”
لعل أغرب ما يتعلق بشيرين سيف النصر، بعيداً عن صورتها الذهنية المثالية في عقول جيل الثمانينيات والتسعينيات، كان ذلك السر الذي ذكرته بنفسها خلال لقاء قديم لها، في برنامج يحمل اسم “اثنين في القطار” كانت لا تزال بعد في بداياتها، لكنها أسرت إلى المذيع بما يجري في حياتها وقتها، وقالت: “الصدف ليها دور كبير في حياتي، عمري ما خططت لشيء وحصل، دايماً أرتب، وأرسم مسارات، والقدر ياخدني لاتجاهات تانية تماماً، لو هاروح شمال تلاقيني اتاخدت 180 درجة يمين، لجهة مكانتش تخطر في بالي”. هكذا دخلت إلى المجال الفني بالصدفة، وحاولت الاجتهاد بتقديم مسرح وتلفزيون، وسينما، وحاولت الخروج من قالب “الفتاة الأجنبية” إلى قالب الفتاة ابنة البلد، أو حتى المصرية لكن من طبقات أرقى، لكن في النهاية، ورغم المحاولات، انتهت الأمور إلى حيث لم تخطط.
لهذا بكى بسببها صلاح ذو الفقار
في عام 1993 كانت شيرين في أوج توهجها، تقدم في التوقيت ذاته أكثر من عمل من بينها ذلك المسلسل الشهير “غاضبون وغاضبات”، لكنها تسببت، في أحد أيام التصوير في بكاء الفنان الكبير صلاح ذو الفقار، قصة شهدت عليها الفنانة الراحلة عايدة عبد العزيز، والتي قررت بدورها الانسحاب من العمل لنفس السبب الذي أبكى ذو الفقار، تقول: “شيرين كانت بتتأخر كتير، وفي يوم فضلنا كلنا منتظرينها، لدرجة بدأت أشوف الدموع في عيون صلاح ذو الفقار، فكرة إنك تحترق وتحترم عملك، وفي المقابل حد تاني لأ، كان شيء مؤذي”، صحيح أن المسلسل اكتمل بكل من عايدة عبد العزيز وصلاح ذو الفقار، لكنه تعاون لم يتكرر لاحقاً، كما لم يبدُ أن أي من أطرافه قد نسيه يوماً.
3 زيجات فاشلة وخيانة وموت
بعيداً عن الصورة الجميلة للفاتنة الشقراء ذات العيون الخضراء، حملت حياتها جانباً مأساوياً، لم يكن يعلم عنه أحد شيئاً، كما أنها لم تكن ممن يكثرون الحديث عن حياتهم الخاصة، والتي شهدت ثلاث زيجات رسمية، كانت بداية النهاية للفاتنة المصرية، مع تلك الزيجة من ثري سعودي اعتزلت من بعدها، لكنها سرعان ما عادت إلى العمل، وتزوجت من مدحت صالح، قبل أن تنفصل عنه بدوره، وتتزوج في ديسمبر من عام 2010 من طبيب مصري، لينتهي الأمر بالطلاق أيضاً، ومن دون أبناء، في الزيجات الثلاثة، لم تقل في مرة إن كان الأمر قدرياً أم باختيارها، لكن الأكيد أنها لم تكن تطيق الوحدة، لذا كان وجود والدتها في حياتها بمثابة العمود الفقري، الذي لم يلبث أن انكسر هو الآخر بوفاتها، عقب الطلاق الأخيرة، والذي مثل لشيرين “القشة التي قصمت ظهر البعير”، لم تستطع من بعده أن تستعيد حياتها بأي شكل طوال 14 عاماً، تقول عن ذلك: “تعبت أوي أوي بعد لما ماما اتوفت، بعدت، كانت كل حاجة في حياتي الله يرحمها، هي اللي كانت بتقف جنبي، وتقرأ لي الأفلام والمسلسلات، وتكلم الصحافة، كانت شايلاني شيل، ولقيت مع الوقت الورق مش أحسن حاجة، فاخترت أكتفي باللي عملته كفاية”.
الحق أن شيرين حاولت طوال الـ14 عاماً، التي تلت وفاة والدتها، أن تقاوم الوحدة، بكثير من الأنشطة على رأسها السفر، القراءة، متابعة الأعمال الفنية، وحتى مباريات كرة القدم، بالمشاركة مع الأصدقاء، وعلى رأسهم صديقة عمرها، التي صادقتها منذ كان عمرها 8 أعوام، لكنها لم تتخيل أن الضربة التالية، سوف تأتيها من الصديقة المقربة، التي كانت تقاسمها بيتها وممتلكاتها، وأنها سوف تسرقها، كنت أستمع إلى نبرة صوتها وهي تتحدث عنها، وتذكر كيف كانت تمنحها ما تريد على سبيل السلفة، ملابس، مجوهرات، أي شيء، تشاطرها البيت، وحتى مباريات كرة القدم، لكن الأخيرة خانت ثقتها وطعنتها في ظهرها بصورة مذهلة!
“بقول للناس ماتثقوش في حد مهما كان قريب ومهما كانت علاقتكم بيه أبداً”. جملة لم تمر مرور الكرام، فقد بدا أن شيرين تعرضت لوعكة صحية عقب الواقعة ظهرت بوضوح في المحكمة أثناء جلسات التحقيق في القضية عام 2019، وكانت وقتها بوزن زائد وصحة متردية، تستند إلى يد أحدهم في الطريق إلى التحقيقات، أعتقد أن ذلك كان من أثر الحزن الشديد، الذي ربما أثر على حالتها الصحية إلى هذه الدرجة، لكن الفنانة التي اجتهدت لسنوات طويلة كي تحافظ على صورتها الذهنية، سارعت إلى النفي، والتأكيد أن تلك ليست صورتها، وعقب عامين تقريباً، قامت بتسريب صورة أخرى، أظهرت أيضاً زيادة في الوزن، لكنها كانت أفضل كثيراً من سابقتها، وأكثر دلالة على أن شيرين تحاول العودة إلى ما تخلت عنه وراء ظهرها قبل سنوات.
لم أتوقف في قصة السرقة التي يقال إن قيمة المسروقات فيها بلغت 5 ملايين جنيه، سوى عند ذلك التصريح الذي أكدت فيه شيرين أنها على استعداد للتنازل عن القضية إذا أعادت لها صديقتها المسروقات، إلا أن الأمور ذهبت لما هو أبعد، وانتهت القصة بقضية تعويض على صديقتها بلغت مليون و200 ألف جنيه.
شعورها بدنو الوفاة!
“بدرس رجوعي، في أعمال اتعرضت عليا فيها كام حاجة حلوة، واحتمال يكون قريب أوي إني أرجع، خلال شهرين تلاتة”. كانت هذه الكلمات التي أكدت بها شيرين في مداخلة بأحد البرامج عام 2022، أنها لا تزال متعلقة بالعودة، وكانت بالفعل -حسب تصريحاتها- على وشك التوقيع على عمل سينمائي لم يكتمل.
لا أحد يعلم ما جرى بعدها، لكن الأكيد، أن كل شيء انتهى مرة أخرى بطريقة مأساوية، عادت لتؤثر على حالتها الصحية من جديد، بشكل جعلها توقن أنها لن تعود مرة أخرى، فبحسب تصريح للإعلامي مصطفى ياسين، رفضت شيرين الظهور بصحبة الإعلامية منى الشاذلي، قائلة: “معنديش حاجة أقولها”. كما أجابته عن فكرة الرجوع إلى الفن بقولها: “لا خلاص الحكاية دي انتهت من حياتي”.
حسناً، كيف يمكن لشخص لا يشعر أنه سوف يموت قريباً، أن يوصي بالطريقة التي سوف يتم دفنه بها؟ لقد شعرت شيرين بدنو النهاية، لكنها هذه المرة أصرت على أن ترسم الخطة، والتي تم تنفيذها أخيراً، حيث تركت وصية واضحة وصريحة لأسرتها، بأن يتم دفنها في صمت، ومن دون عزاء، وهو ما تم لها، فلم يعلن أخوها غير الشقيق شريف سيف النصر، أنها توفيت إلا عقب دفنها بالفعل، مؤكداً أنه لا يوجد عزاء، مازلت أفكر في الغرض من وصية مماثلة، هل هو استكمال لشعورها بالاكتئاب، أم خوفاً من ذلك العنوان المؤذي التي تحمله الصحف عقب جنازات البعض “لم يحضر أحد”، أو ربما خوفاً من المساخر التي صارت ترتبط بأمر موت ودفن المشاهير من اختراق لخصوصياتهم، وتصوير لكافة التفاصيل، دون حرمة لموت أو حزن؟! أياً كان السبب، فعلى الأقل، سار أمر وحيد فقط في حياتها على الطريقة التي خططت لها ورسمتها.
السومرية نيوز