حصلت مساء أمس أول مناظرة تلفزيونية في الحملة الانتخابية في مقاطعة كيبيك بمشاركة زعماء الأحزاب الرئيسية الخمسة ونظمتها شبكة ’’تي في آ‘‘ (TVA).
وهذا رقم قياسي في كيبيك من حيث عدد المتواجهين في مناظرة واحدة بين زعماء يطمح كل منهم لأن يصبح رئيس حكومة المقاطعة، ما جعل مهمة إدارتها أمراً غير سهل حتى على إعلامي مخضرم مثل بيار برونو الذي لم يتردد في إبداء صرامة ضرورية عندما قاطع المتبارزون بعضهم بعضاً محولين النقاش إلى نشاز.
ولم يكن مستغرباً أن يكون رئيس الحكومة الخارجة، زعيم حزب التضامن أجل مستقبل كيبيك (’’كاك‘‘ CAQ) فرانسوا لوغو، الهدف الرئيسي للهجمات خلال معظم المناظرة التي دامت ساعتيْن، إذ جاءته من اليسار واليمين على حدّ سواء.
وبعد انطلاقة بطيئة بدا لوغو وكأنه استعاد موقعه كرئيس حكومة منتهية ولايته من خلال مواجهة مع زعيم حزب المحافظين الكيبيكي (PCQ) إريك دوهيم حول إدارة جائحة كوفيد-19.
’’بينما كان الجميع يجذّفون في الاتجاه نفسه، أطلقتَ النار في القارب!‘‘، ردّ لوغو على دوهيم الذي كان قد انتقده بشدة على الإجراءات التقييدية الصارمة التي فرضها للحدّ من انتشار الجائحة.
لكنّ لوغو أمضى جزءاً كبيراً من المناظرة في موقف دفاعي، خاصة في قضايا البيئة ونقص العمالة. وإذا تمكّن من توضيح فكرته إلى حدّ ما بشأن الهجرة، بعد كلام سابق له بدا فيه وكأنه يربط بين زيادة عدد المهاجرين وارتفاع مستوى العنف في المجتمع، فهو كان ضعيفاً في قضايا أُخرى، لاسيما في موضوع الرابط الثالث بين كيبيك العاصمة على الضفة الشمالية لنهر سان لوران ومدينة ليفي المواجهة لها على الضفة الجنوبية.
أمّا دوهيم فكان فعالاً جداً في تذكير كلّ من خصومه بتناقضاتهم. فاستحضر على سبيل المثال ماضي زعيمة الحزب الليبرالي الكيبيكي (PLQ) دومينيك أنغلاد التي كانت رئيسة حزب الـ’’كاك‘‘ في عاميْ 2012 و2013 في ظل قيادة لوغو قبل أن تترك الساحة السياسية لتعود إليها لاحقاً تحت راية الحزب الليبرالي، وانتقد الـ’’كاك‘‘ لانتقاله يساراً باتجاه الوسط.
وميّز دوهيم نفسه أيضاً بطرح مواقف غالباً ما تتعارض مع مواقف خصومه، فهو، على سبيل المثال، يريد إعطاء دور أكبر للقطاع الخاص في مجال الصحة العامة ويريد أيضاً استغلال الهيدروكربونات.
زعيمة الحزب الليبرالي الكيبيكي (PLQ) دومينيك أنغلاد، المرأة الوحيدة بين الزعماء الخمسة والوحيدة المنتمية لأقلية ظاهرة، بدأت المناظرة بقوة، موجهة اللوم للوغو لنَسْبه باستمرار مصائب كيبيك إلى حزبها، علماً أنه هو، لوغو، ينشط على الساحة السياسية منذ نحو ربع قرن.
يُشار في هذا الصدد إلى أنّ لوغو انتُخب نائباً للمرة الأولى عام 1998 تحت راية الحزب الكيبيكي (PQ) الاستقلالي وكان وزيراً في حكومات هذا الحزب قبل أن يتركه ويقوم، مع شخصيات أُخرى، بتأسيس حزب الـ’’كاك‘‘.
وإذا أظهرت زعيمة المعارضة الرسمية في الجمعية الوطنية (الجمعية التشريعية) المنحلة إتقانها الكبير للملفات، فإنّ النقاشات العديدة أمس حول الفرنسية، اللغة الرسمية الوحيدة في كيبيك واللغة الأم لغالبية سكان المقاطعة، قد وضعتها في موقف حساس.
فالحزب الليبرالي الكيبيكي يجمع أقل من 10% من نوايا التصويت بين الناطقين بالفرنسية، وسماع أنغلاد تجادل بشدة ضدّ ’’قانون اللغة الرسمية والمشتركة في كيبيك، الفرنسية‘‘، المعروف على نطاق واسع بـ’’القانون 96‘‘، لن يعكس هذا الاتجاه لديهم، على حدّ قول هوغو لافاليه في تحليل على موقع راديو كندا.
أمّا غابريال نادو دوبوا، الناطق المشارك (بمثابة الزعيم المشارك) باسم حزب التضامن الكيبيكي (QS) اليساري، فكان أمس، كعادته، ماهراً في المناقشة وفي سيطرةٍ كاملة على تواصله غير اللفظي.
وهو ضاعف الهجمات ضدّ أنغلاد التي يريد، على الأقل، أن يأخذ منها لقب زعيم المعارضة الرسمية، فقارنها برئيس الحكومة الليبرالية الأسبق جان شاريه (2003 – 2012) ولامها لامتلاكها، على حد قوله، الأفكار نفسها الموجودة لدى الـ’’كاك‘‘ بقيادة لوغو.
وأن يكون لوغو قد وجّه سهامه بشكل رئيسي إلى نادو دوبوا، خلال المناظرة وبعدها مباشرة عندما تحدث كلّ زعيم على حدة مع الصحفيين، فهذا أمر لن ينزعج منه الزعيم اليساري والناشط الطلابي السابق.
لكنّ نادو دوبوا، وعلى الرغم من براعته، وجد صعوبة في الرد على لوغو الذي هاجمه على خلفية الضرائب الإضافية التي يريد فرضها وتداعياتها على الطبقة الوسطى. وهو تعرض لانتقادات بشأن الضرائب من زعيم المحافظين أيضاً.
أمّا زعيم الحزب الكيبيكي (PQ) الاستقلالي، بول سان بيار بلاموندون، فأداؤه كان الأكثر اختلافاً مع أداء خصومه.
ظلّ زعيم الحزب الاستقلالي وفياً للأسلوب الذي اعتمده حتى الآن، فكان هادئاً ومتماسكاً طيلة المناظرة، حتى أنه ذهب إلى حد تهنئة نادو دوبوا على خطته لمحاربة غازات الاحتباس الحراري.
ومن خلال إصراره على أهمية استقلال كيبيك عن الاتحادية الكندية، وتذكيره بما يعتبره حدود السياسة الفدرالية التي يمارسها لوغو، قد يكون سان بيار بلاموندون شدّ عصب الاستقلاليين وحال دون ذهاب بعض مناصري حزبه إلى أحزاب أُخرى. يُشار إلى أنّ الحزب الكيبيكي هو رابع الأحزاب من حيث عدد المقاعد في الجمعية الوطنية المنحلة.
وقد لا تكون مناظرة مساء أمس قد أظهرت فائزاً كبيراً أو خاسراً كبيراً، لكنها سمحت لكل زعيم بتعزيز ثقة قاعدته، كما أنها سلطت الأضواء على الاختلافات العديدة الموجودة بين الأحزاب بعد بداية بطيئة للحملة الانتخابية بدت فيها وعود البعض مستوحاة من وعود الآخرين، على حدّ قول هوغو لافاليه.
والزعماء الخمسة، والكيبيكيون معهم، على موعد مع مناظرة تلفزيونية أُخرى ينظمه تلفزيون راديو كندا مساء الخميس المقبل.
(نقلاً عن تحليل لهوغو لافاليه وتقرير لجويل جيرار وجان فرانسوا تيريوه على موقع راديو كندا، ترجمة وإعداد فادي الهاروني)