تواصل مسلسل اقتحام المصارف واحتجاز الرهائن بقوة السلاح في لبنان، حيث أقدم لبنانيون غاضبون على اقتحام عدد من المصارف في فترة وجيزة، مطالبين بسحب ودائعهم بالقوة. لكن لماذا يسطو اللبنانيون على أموالهم؟
حالة من الفوضى سادت شوارع بيروت يوم الجمعة (16 سبتمبر/ أيلول 2022) إثر اقتحامات للمصارف في لبنان بقوة السلاح، بدأت صباحا في مدينة الغازية (جنوب البلاد) وتلتها عمليتي اقتحام لمصرفين في العاصمة بيروت، حيث عمد المقتحمون إلى احتجاز رهائن داخل المصارف مطالبين بسحب مبالغ نقدية من حساباتهم. وفي المجمل تعرضت خمسة بنوك الجمعة فقط للاقتحام من قبل مودعين غاضبين، وبذلك بلغت عمليات اقتحام البنوك بقوة السلاح في لبنان سبع عمليات خلال 48 ساعة فقط.
وقالت سالي حافظ، التي اقتحمت مصرفا في بيروت صباح الأربعاء (14 سبتمبر/ أيلول) حاملة مسدسا، تبين لاحقا أنه “لعبة”، إنها بحاجة لهذه الأموال لدفع تكاليف علاج شقيقتها التي تعاني من مرض السرطان. وحصلت سالي، التي ما زالت متوارية عن الأنظار، على جزء من وديعتها.
وتعمّ المصارف حالة من الذعر إذ لوحظ صباح الجمعة اتخاذ إجراءات أمنية خاصة بكل مصرف، حيث شوهد عدد من رجال الأمن أمام مداخل المصارف التي أغلقت أبوابها مع فتح منافذ صغيرة للسماح بدخول عدد محدد من الأفراد فيما ينتظر باقي العملاء دورهم في الخارج عوضا عن الانتظار في صالات المصرف كما تجري العادة.
وقال مدير أحد المصارف، طلب عدم الكشف عن هويته، “إننا كموظفين نتعرض للترهيب في حين لا نملك القرار بالاستجابة لطلبات الزبائن”. وأشار إلى أن موظفي المصارف يعملون تحت ضغوط هائلة وفي ظل ظروف سيئة فقط للاستفادة من التغطية الصحية وبعض التقديمات الاجتماعية التي لا تزال المصارف توفرها لهم، خصوصا بعدما تآكلت رواتبهم جراء انهيار العملة اللبنانية.
وفي أول رد فعل على سلسلة الاقتحامات قررت “جمعية المصارف” إقفال البنوك لمدة ثلاثة أيام بدأ من مطلع الأسبوع المقبل، في وقت دعا فيه وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن الداخلي المركزي، للبحث في الإجراءات الأمنية التي يمكن اتخاذها في ضوء الأحداث المستجدة على المصارف.
وصرح مولوي للصحافيين إثر الاجتماع بأن “استرداد الحقوق بهذه الطريقة… هذا موضوع يهدم النظام ويؤدي إلى خسارة باقي المودعين لحقوقهم”.
لبنانيون تجمعوا أمام أحد البنوك، تعرض لهجوم من قبل شخص، طالب بالحصول على ودائعه بالبنك.
مودع: “خسرت أكثر من مليوني دولار”
ويقول المواطن على صباح (67 عاما)، الذي خسر كامل مدخراته التي جمعها طيلة سنوات خدمته كطيار في “شركة طيران الشرق الأوسط” وأودعها في المصارف اللبنانية، “عملت بشقاء على مدى 40 عاما وقضيت أغلب وقتي بعيدا عن عائلتي مسافراً من بلد إلى آخر وكنت آمل أن أُقبل على التقاعد باستقرار ورخاء إلى جانب عائلتي، لكنني خسرت كامل مدخراتي وتعويضاتي التي تبلغ أكثر من مليوني دولار.”
ويؤكد علي صباح أنه كان ميسورا وقادرا على تحمل كامل مصاريف أسرته من متطلبات أو حتى كماليات “أمّا اليوم فبالكاد لدي القدرة على دفع فاتورة اشتراك المولد الخاص لتأمين الكهرباء لمنزلي، ولا أعلم كيف سأؤمن أقساط المدارس والجامعات لأولادي”.
ويشكو الطيار السابق “أموالي التي أودعتها على مدى سنوات في المصارف محجوزة ولا يمكنني الوصول إلا لجزء صغير جدا منها مع قيود شهرية على السحوبات”.
ويدخل لبنان عاما ثالثا في ظل أزمة اقتصادية وصفها البنك الدولي بواحدة من أسوأ الأزمات في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. وانهارت العملة الوطنية بنسبة تفوق الـ 95٪ مقابل الدولار وتآكلت بذلك رواتب الموظفين وخسر المواطنون معظم ودائعهم في المصارف.
“نتائج كارثية على الاقتصاد والناس”
ويقول الباحث في الشؤون الاقتصادية والاستراتيجية الدكتور سامي نادر “عندما تزرع الفساد والاستنسابية ستحصد شريعة الغاب”. معتبرا أن المودعون انتظروا حلاً من الدولة يعيد لهم أموالهم “لكن حتى اللحظة لم تقدم الدولة أية حلول وهي مستمرة بسياساتها المالية الخاطئة من دون أي إشارة لحل مرتقب”.
ويتفهم نادر عمليات الاقتحام التي يصفها “بالروبن هودية” (نسبة إلى شخصية روبن هود) إلا أنه يعتبر أن “استمرار هذه العمليات قد يؤدي إلى نتائج كارثية على الاقتصاد والناس”، مضيفاً أن “المصارف مسؤولة إلى حد كبير عن الأزمة وهي تعاطت بجشع حينما استخدمت أموال المودعين لتوظيفها في سندات الخزينة وشهادات الإيداع التي يصدرها مصرف لبنان، الذي بدوره أقرض هذه الأموال للدولة اللبنانية وصرف جزءً كبيرا منها لدعم تثبيت سعر صرف العملة اللبنانية على مدى سنوات”.
ويبدو أن اقتحام المصارف في لبنان بدأ يأخذ تأثير كرة الثلج، منذ قيام مسلح في أغسطس/ آب باحتجاز رهائن داخل بنك في بيروت مطالبا بودائعه، إذ تتوعد “رابطة المودعين” المصارف بمزيد من عمليات الاقتحام في الأيام المقبلة، في ظل انسداد أفق الحلول السياسية والاقتصادية والانهيار الشامل في الخدمات العامة في البلاد. ليس توقف معامل الكهرباء على كامل الأراضي اللبنانية أولها وقد لا يكون احتمال توقف الاتصالات وخدمات الانترنت آخرها.
محمد شريتح – بيروت